سياسات محمد بن سلمان أبقت السعودية رهينة صراعات خارجية
يبرز مراقبون أن سياسات ولي العهد محمد بن سلمان أبقت السعودية رهينة صراعات خارجية وهو ما ظهر بجلاء في أزمة غزو روسيا أوكرانيا.
ويخطئ من يظن أن الصراع الروسي الأوكراني صراعًا بين روسيا والغرب فحسب، وأن تداعياته لن تنعكس بصورة مباشرة على أجزاء أخرى من العالم وخصوصًا منطقة الشرق الأوسط والخليج.
ومهما حاول قادة الخليج النأي بأنفسهم عن تداعيات الحرب، فسيجدون أنفسهم في متاهاتها، لأسباب عدة!.
إذ عُرّفت دول الخليج لاسيما السعودية على مدار عقودِ بأنها شريك استراتيجي لأمريكا، والتزمت معها بما يُسمّى “مبدأ ايزنهاور” والذي يرتكز على مبدأ التزام أمريكا بتقديم الدعم الاقتصادي والعسكري والسيادي لأي دولة تطلب منها ذلك.
وفي المقابل حققت أمريكا تغلغلًا واختراقًا لهذه الدول في مختلف الأصعدة.
وعلى الرغم من ذلك، وجدت المملكة نفسها في علاقات شراكة قوية مع روسيا المناوئ الأبرز للغرب، خصوصًا في السنوات الأخيرة التي شهدت تزايد النفوذ الروسي في أماكن عدة كسوريا وليبيا مقابل انحسار أمريكي.
هذه الشراكة وصفتها صحيفة لوبينيون الفرنسية بأنها “تحالفات متناقضة”!.
وموقف المملكة من الحرب الروسية الأوكرانية لا يرتبط بقوتها الاقتصادية وتأثيراته على أسعار النفط، بل يحمل في طيّاته “نظرة أيديولوجية” لتحالفاتها الاستراتيجية، بعد أن أثبتت الأحداث الأخيرة عدم الثقة بـ “الحليف الأمريكي” الذي قد يخذل حلفاءه في أي لحظة كما حدث في أفغانستان مثلًا.
وحتى لو خرجت المملكة من عباءة أمريكا والغرب، فلن تملك البديل المناسب، خصوصًا أن ابن سلمان زاد من عزلتها وأضعف ثقة قادة الدول الكبرى به كقائد لها.
وحيث لا تمتلك المملكة مقومات الدفاع عن أمنها وسيادتها بدون تحالفات وولاءات، فستبقى تبحث عن تحالفات آمنة.
في المقابل،لا تُعتبر روسيا حليفًا موثوقًا لاعتبارات عدة:
– نزعتها الدكتاتورية وميلها للمواجهات وتصفية الخصوم
– الاصطفاف معها يعني ضمنيًا مناوئة الغرب
– حليفها الأبرز في المنطقة هي إيران (عدو المملكة الأبرز)
واستمرار انحياز المملكة لروسيا قد يكلفها عداوة الغرب وعدم كسب ثقة روسيا.
وتعد المخاوف الأبرز للمملكة تتمثّل في أمنها مع تزايد تهديدات الحوثي، فعلى الرغم من الالتزام النسبي لأمريكا بحماية المملكة، إلا أن وجود “فجوات كبيرة” بتزويد المملكة بالسلاح وسحب منظومة الباتريوت منها ألقى بظلاله الثقيلة عليها، وألجأها لبدائل كصفقات الباتريوت اليونانية والطلب من قطر.
وفيما تربط أمريكا تزويد الأسلحة بعدم انتهاك حقوق الإنسان (والتي تم رصدها ضد المملكة في اليمن)، لا تشترط روسيا أي التزامات أو تعهدات إنسانية أو أخلاقية مقابل ذلك.
ولكن ذلك لن يمرّ دون إملاءات وشروط على المملكة خصوصًا مع اشتداد حمى الحرب وتوقعات استمرارها وتأثيراتها لسنوات.
والجانب الاقتصادي سيفرز مزيدًا من الضغوط مع الوقت، فبينما يطالب الغرب المملكة بزيادة الإنتاج لتحقيق توازن الأسعار.
حذّر بوتين في اتصاله مع بن سلمان مما أسماه بـ “تسييس قضايا الطاقة العالمية” حسب ما نقلت ذلك صحيفة وول ستريت جورنال.
ويعتقد المراقبون أن التزام بن سلمان باتفاق أوبك + بنفس بمعدل الإنتاج سيعود بالنفع الآني على المملكة اقتصاديًا.
ولكنه سيحمل آثارًا عكسية مع الأيام مع ارتفاع تكلفة النقل وغلاء الأسعار في بلد مثل المملكة يعتمد بشكل كبير على الصادرات الأجنبية.
وسيحمل أيضًا ضغوطات متزايدة من طرفي النزاع المتناقضين.
ومع إعلان مسؤولين أميركيين (حسب CNN) قرب الاتفاق النووي مع إيران، فإن أسعار النفط ستخضع لقواعد جديدة بعد ضخ إيران نفطها، ولن يبقى التلويح برفع الأسعار ورقة ضغط للمملكة، بل ستقوى شوكة إيران أكثر مقابل الانحسار السعودي.
وفيما تحاول المملكة التزام سياسة النأي بالنفس وخلق موقف متوازن، تجد نفسها مضطرة لتبيان موقف أشد وضوحًا في علاقاتها تجاه الطرفين المتنازعين.
وبينما لا تمتلك المملكة سوى سلاح النفط لتناور به، يمتلك المعسكر الغربي الكثير لتطويعها، بينما يمتلك الروس أوراقًا لا تقل أهمية تمارسها ضدها.
وعليه تبقى المملكة رهينة صراعات خارجية، والتي تنامت بعد تولّي بن سلمان سدة الحكم، وإفقاد المملكة تحالفات إقليمية قوية يمكّنها من التحرر من عباءة الغرب والشرق.