تصاعد تنافر المصالح السعودية الإماراتية يبرز خلافاتهما علنا
بعد سنوات من الخطط والعمل المشترك، تبدو العلاقات السعودية الإماراتية ذاهبة نحو التأزم، وهو ما ظهر إعلاميا بشكل لافت خلال الأيام الماضية.
وأشارت صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية إلى سنوات “الوحدة والتعاون الاستراتيجي في عدد من الملفات بين البلدين مثل حرب اليمن ومقاطعة قطر.
وذكرت الصحيفة البريطانية أن الأيام القليلة الماضية شهدت تجدد للخلافات السعودية الإماراتية حول عدد من القضايا.
ونوهت إلى أن الخلافات تشمل إنتاج النفط والتطبيع مع إسرائيل وطريقة التعامل مع فيروس كورونا المستجد ومواجهة السلالة المتحورة من الوباء المعروفة باسم “دلتا” سريعة الانتشار.
خلافات أسعار النفط
وأشارت إلى أن الاجتماع الأخير لمنظمة أوبك وحلفائها (أوبك +)، الجمعة، انتهي إلى طريق مسدود بعد أن طلبت السعودية وروسيا من المنتجين زيادة الإنتاج في الأشهر المقبلة.
وذلك بهدف التخفيف من ارتفاع أسعار النفط وتمديد صفقة الإمدادات الحالية لضمان الاستقرار، حيث يشرع العالم في تعافي هش من جائحة كورونا.
لكن الإمارات العربية المتحدة رفضت الطلب السعودي – الروسي، واعتبرت أن الاتفاق “غير عادل”، مطالبة بمراجعة نسب الإنتاج للقبول به.
وقالت وزارة الطاقة الإماراتية، في بيان نشرته وكالة الأنباء الرسمية “وام”: “للأسف، طرحت اللجنة الوزارية في أوبك+ خياراً واحداً فقط وهو زيادة الإنتاج مشروطاً بتمديد الاتفاقية
وذلك حتى ديسمبر/ كانون الأول 2022، وهي اتفاقية غير عادلة للإمارات من ناحية نقطة الأساس المرجعية لحصص الإنتاج.
وقالت “كارين يونج” من معهد الشرق الأوسط: إن “المنافسة المتزايدة داخل دول الخليج مرتبطة بعدد من قضايا السياسة الاقتصادية”.
وأضافت أنه من الواضح أن المملكة السعودية قد زادت الضغط، في حين أن الإمارات العربية المتحدة تضغط لتأمين أهدافها الربحية في هذا السوق الضيق.
وأوضحت أن عمالقة إنتاج الطاقة يستعدون للسنوات العشر القادمة معتمدين على عائدات التصدير؛ للحفاظ على اقتصاداتها السياسية.
ولفتت الصحيفة إلى أن تدهور العلاقات السعودية الإماراتية اقترن بتصميم الإمارات على توسيع طاقتها الإنتاجية لدعم خطط تنويع النفط.
وأشارت إلى أن الصراع على القوة بين أعضاء أوبك يهدد الآن قدرة المنظمة على التوحد على المدى الطويل وتحقيق الاستقرار في أسعار النفط.
خلافات علنية
وفي مداخلة تلفزيونية علنية نادرة تخلّلتها تصريحات شديدة اللهجة، قال وزير الطاقة في الإماراتي سهيل المزروعي
إنّ “مطلب الامارات هو العدالة فقط بالاتفاقية الجديدة ما بعد أبريل/ نيسان، وهذا حقنا السيادي أن نطلب المعاملة بالمثل مع باقي الدول”.
وتابع في مقابلة مع قناة “سكاي نيوز العربية”، إنّ “مسألة دخولنا أو إجبارنا على الدخول في اتفاقية جديدة وربطها بزيادة الإنتاج، لا نراها طلبا منطقيا حتى لو اتّفقت عليه كل الدول”.
وأضاف: “لا يُعقل أن نقبل باستمرار الظلم والتضحية أكثر مما صبرنا وضحينا”.
ويأتي موقف أبو ظبي المتشدد في أوبك وسط تحول أوسع للمصالح بين القوتين الخليجيتين الكبيرتين السعودية والإمارات.
المنافسة الاقتصادية
وفى هذا الصدد، قال مروان البلوشي وهو باحث إماراتي: إنه “في حين شهد العقد الماضي توافقا استراتيجيا بين الإمارات والسعودية، فإن المنافسة الاقتصادية آخذة في التصاعد بين دول الخليج”.
وسحبت الإمارات في عام 2019 معظم قواتها العسكرية من اليمن، تاركة السعودية وحيدة في معركتها ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران.
ثم اشتبكت القوات الانفصالية الجنوبية المتحالفة مع الإمارات مع القوات الحكومية اليمنية المدعومة من السعودية.
وفي حين قبلت الإمارات الجهود التي تقودها السعودية لإنهاء الحظر التجاري والسفر المفروض على قطر، إلا أن أبو ظبي تشعر بالقلق من سرعة المصالحة مع الدوحة.
وبالمثل، أثار احتضان الإمارات لإسرائيل في أعقاب تطبيع العلاقات العام الماضي دهشة السعودية.
كما كان التعامل المختلف مع وباء كورونا أيضا مصدرا للإحباط في كلتا الدولتين؛ إذ قررت الرياض اعتبارًا من الأحد، منع السفر من وإلى الإمارات؛ بسبب تفشي سلالة “دلتا”.
إضافة إلى ذلك، لم تعترف السعودية على اللقاح الصيني الذي تعتمد عليه الإمارات على نحو كبير من أجل الوصول إلى التلقيح الشامل.
كما ينظر إلى تهديد السعودية، بوقف إبرام العقود الحكومية مع الشركات متعددة الجنسيات التي لم تنقل مقرها الرئيسي في المنطقة إلى السعودية، على أنه هجوم ضمي على دبي التي تتمركز فيها غالبية مقرات تلك الشركات.
وذكرت صحيفة “فاينانشال تايمز” أن السعوديين يقللون من شأن الحديث عن التوترات الحالية، مشيرين إلى أن خلافات أوبك هي “أعمال” وأن قيود فيروس كورونا تتعلق بـ “السلامة” وليس السياسة.
من جانبها، قالت “امريتا سين” محللة شؤون النفط لدى “إنرجي أسبكتس” لاستشارات الطاقة إن “الخلافات المتزايدة في الرأي حول السياسات الخارجية والاقتصادية والأمنية بين الرياض وأبو ظبي
“وكذلك بشأن السياسة النفطية نفسها، ستعقد مناقشات أوبك المستقبلية وجهود الحفاظ على اتفاقية أوبك +”.
وذكرت الصحيفة أن مطلعون على الأمر يقولون إن الجدل يدور الآن في أبو ظبي على أعلى مستوى في مؤسسة الطاقة الوطنية الإماراتية إذا ما كانت سيتم مغادرة “أوبك”.
ومن شأن مغادرة الإمارات لمنظمة أوبك أن يسمح لأبو ظبي بتمويل خطط لتنويع الاقتصاد، من إنتاج المصافي والبتروكيماويات إلى بورصة سلع تم تشكيلها حديثًا، ومعيار خام خاص بها يتطلب الوصول إلى أحجام لإنجاحها.
وقال محللون في مجال الطاقة، إن خروج الإمارات من منظمة أوبك قد يؤدي إلى إنتاج مجاني للجميع من شأنه أن يقوض هدف “أوبك +”.