يزعم نظام آل سعود أن حربه العدوانية على اليمن تستهدف دعم الشرعية في البلاد في مواجهة انقلاب جماعة أنصار الله “الحوثيين”.
غير أن تطورات الأمور على الأرض منذ بدء حرب تحالف آل سعود وحتى اليوم تثبت عكس هذه المزاعم وتظهر بوضوح حدة التقليص في صلاحيات الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي.
ومنذ فراره إلى العاصمة الرياض ومكوثه فيها منذ 25 مارس/آذار 2015 إلى اليوم، فإن نظام آل سعود يدير فعليا أمور اليمن ويتحكم بقرار الشرعية في البلاد.
ويبقي الرئيس اليمني مقيم خارج بلاده وممنوع من العودة إليها إلا بإذن من نظام آل سعود الذي أجبره مؤخرا على توقيع “اتفاق الرياض” الذي أعاد “الجماعة الانقلابية” بحسب ما كان هادي يُطلق عليها، وهي الممثلة بـ”المجلس الانتقالي الجنوبي” المدعوم إماراتياً، وأدخلها في سياق “الشرعية”.
والاتفاق الذي يتضح من خلاله، ولو على نحو ظاهري، بأنّ جميع القوات العسكرية المنتشرة في الجنوب ستكون تحت إمرة المملكة أيّ أنها ستنتقل من يد قوات ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، إلى يد قوات محمد بن سلمان.
بالتالي فإنه لا مكان لسلطة هادي في اليمن أو على الأقل، تقلّصت بقدر إضافي عمّا كانت عليه قبل التوقيع على الاتفاق بأوامر من بن سلمان.
إضافة إلى ذلك، لقد أتت جماعة “المجلس الانتقالي” لتكون شريكة في كل شيء من الآن وصاعداً، وعلى وجه الخصوص في أي مسألة تفاوض مقبلة حول مستقبل اليمن بكامل أقاليمه، بما في ذلك مفاوضات سلام منتظرة مع جماعة “أنصار الله”.
فاتفاق الرياض ينصّ على “تشكيل حكومة كفاءات سياسية لا تتعدى 24 وزيراً يعيّن الرئيس (أي هادي) أعضاءها بالتشاور مع رئيس الوزراء والمكونات السياسية (بما في ذلك المجلس الانتقالي) على أن تكون الحقائب الوزارية مناصفة بين المحافظات الجنوبية والشمالية”. وحتى تعيين محافظ عدن، أي العاصمة المؤقتة، لا يمكن لهادي القيام به من دون مسألة “التشاور”.
ويقول مراقبون إن هادي لا يحكم اليمن وهو مسيّر لا مخيّر، فهو غير قادر على اتخاذ اَي قرار بمفرده وبمعزل عن تحالف آل سعود.
ولا تبدو آراء اليمنيين متفقة تماماً في تفسير مستقبل العودة الجزئية للحكومة إلى مدينة عدن (جنوبي البلاد). إذ بدت وجهات النظر متفاوتة على وسائل الإعلام المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي في تقدير الموقف السياسي الحاصل بعد توقيع اتفاق الرياض الذي رعته السعودية مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي ومترقبة بحذر لما ينتظره مستقبل المناطق المحررة.
وعاد رئيس الحكومة اليمنية معين عبدالملك وخمسة من الوزراء إلى عدن، الاثنين، بعد أشهر من إحكام سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً على المدينة وبدأت معها التغطيات الإخبارية وتدوينات اليمنيين على مواقع التواصل الاجتماعي في ترقب الحدث والتفاعل بناءً على مستجداته.
لم يكن التفاؤل قد بدا واضحاً لدى غالبية اليمنيين، إذ فضل الكثيرون انتظار ما قد تشهده المدينة وما ستبديه الأيام خصوصاً مع خفوت الموقف السياسي لدى المجلس الانتقالي والحكومة، لكنها لم تخلُ من تصدير مواقف متذبذبة وحذرة في آن واحد.
وقد حسمت صحيفة “الأمناء” الموالية للمجلس الموقف بعنوان نشرته على واجهة الصفحة الأولى “الشرعية في مهمة لإفشال السعودية”، وقالت إن “قوة الردع الجنوبي” ظهرت في مواجهة من وصفتهم بـ”مليشيات الشرعية” التي تسعى بكل الطرق لإفشال اتفاق الرياض.
ونقلت الصحيفة عن مراقبين سياسيين – لم تسمهم – قولهم إن الحملات الإعلامية التي تستهدف السعودية من قبل الشرعية “غرضها إفشال جهود المملكة في تنفيذ اتفاق الرياض” الموقع بين الحكومة والمجلس الانتقالي.
وقالت الصحيفة إن العديد من المحافظات الجنوبية اليمنية شهدت اجتماعات مكثفة “للوحدات المحلية” هدفت بشكل أساسي إلى التوصل إلى طرق مناسبة لردع “المناوشات الإعلامية” بجانب اتخاذ جملة من التحركات التي تمكنت من تأمين تلك المحفزات والدفاع عنها في حال “خيانة مليشيات الشرعية لاتفاق الرياض”.
وكانت بنود اتفاق الرياض قد تضمنت إيقاف الحملات الإعلامية “المسيئة” بكافة أنواعها بين الأطراف اليمنية.
من جانبها اتهمت صحيفة “عدن تايم” الموالية للانتقالي، “حزب الإصلاح” وعن طريق “وزرائه وعناصره” بمحاولة إفشال اتفاق الرياض إذ قالت إنه يسعى لتفجير الوضع في المحافظات الجنوبية “وافتعال مشاحنات ومسببات غير مبررة لخلق الصراع”.
لكن الصحيفة عادت للحديث عن حالة من الارتياح التي يعيشها “الشارع الجنوبي” لمخرجات اتفاق الرياض وبنوده التي تضمنت “نصراً للقضية الجنوبية وإنهاءً لأي دور مشبوه للعناصر المحسوبة على “حزب الإصلاح”، بحسب وصفها.
حكوميا بدت تغطية وسائل الإعلام الرسمية لخبر عودة رئيس الحكومة وخمسة من وزرائه إلى عدن روتينية، ونشرت تصريحات لرئيس الحكومة عن الأحداث التي شهدتها عدن بقوله إنها مثلت درساً للجميع، وشدد على ضرورة الفصل بين المساحة التي يدور فيها التنافس السياسي وبين مصالح الناس ومؤسسات الدولة التي “لا تقبل المساومة أو التعطيل”.
وقال عبدالملك في تصريح نشرته وكالة سبأ الرسمية التي تبث من الرياض إن “الجميع شريك في مسؤولية إنجاح المهام المنصوص عليها في اتفاق الرياض، ولذا ليس من الحكمة الإبقاء على خطاب التوتر، والشعب يراقب ويميز بين من يريد الاستقرار ومن يدفع باتجاه التوتر والفوضى”.
ونشر حساب لنائب رئيس الحكومة سالم الخنبشي تغريدة على “تويتر” تتحدث عن عودة الحكومة التي جاءت بناءً على توجيهات الرئيس عبدربه منصور هادي “وذلك للإشراف على تنفيذ اتفاق الرياض وبما تضمنه من حضور وتفعيل مؤسسات الدولة الخدمية والأمنية والعسكرية”.
وأصدرت وزارة الإعلام من الرياض نسخة إلكترونية من صحيفة 14 أكتوبر الرسمية نشرت على واجهتها عنوان “الحكومة تعود إلى عدن”، وتضمنت تغطيتها لوصول الوزراء إلى المدينة وتحدثت عن بدء خطة عاجلة لتطبيع الأوضاع في مدينة عدن وتحسين الخدمات.
أما مواقع التواصل فقد انقسمت فيها وجهات النظر على تدوينات اليمنيين في خبر عودة الحكومة، بين التفاؤل والتشاؤم والحذر من صياغة تفسير واضح لما ستشهده الأيام المقبلة ومدى قابلية تنفيذ الحكومة والمجلس الانتقالي لبنود اتفاق الرياض، وركز مدونون على استقبال ضابط سعودي للحكومة فيما تحدث آخرون عن منع وزراء من السفر إلى عدن.