“الذباب الإلكتروني السعودي” .. اسم برز عقب حكم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي يحكم المملكة بالقمع والقتل والاعتقالات.
ولأجل تعزيز الحاكم الشاب سيطرته وحكمه، أنشأ جيشه الالكتروني فاحتل “تويتر” مكان الصدارة حيث تأتي 40% من التغريدات في العالم العربي من السعودية.
وجاء هذه الجيش في خطوة يدركها الأمير المجرم لحماية حكمه من هجوم المنظمات الحقوقية والمعارضين السعوديين والمنتقدين الأجانب.
وقاد سعود القحطاني، أحد مستشاري الديوان الملكي، مشروع “الجيش الإلكتروني”.
واتهمت النيابة التركية “القحطاني” فيما بعد لدوره في مقتل الصحفي السعودي “جمال خاشقجي”.
وقاد “القحطاني” حملة لإسكات النقاد، وتجنيد حسابات على “تويتر” لتعقب المنتقدين ونشر جيش من المتصيدين، الذين يشار إليهم أحيانًا باسم “الذباب”، لمضايقاتهم عبر الإنترنت.
وغالبًا ما يستخدم “الذباب الإلكتروني” لغة مسيئة لتشويه سمعة المدافعين عن حقوق الإنسان ويقومون بتحريف الحقيقة للترويج لأجندة الحكومة ومنع السعوديين من التفكير بشكل مستقل.
ومنذ انضمامه إلى جهود الدعاية للديوان الملكي، أصبح “الجيش الإلكتروني” السعودي أحد أكبر شبكات المعلومات المضللة في الشرق الأوسط.
فحذف “تويتر” آلاف الحسابات المزيفة المرتبطة بالدولة السعودية لكنه اعترف بأنه لا يمكنه القضاء على المشكلة بالكامل.
حكم محمد بن سلمان
ويبغي الإشارة إلى أن جهود الأمن السيبراني تُستخدم عادةً لحماية الأصول الهامة من التجسس والقرصنة. لكن في السعودية
يبدو أن الأولوية هي حماية صورة العائلة المالكة، التي تشعر بالقلق من أي تلميح للمعارضة ولا تتقبل النقد مهما كان معتدلاً.
وقام “الذباب الإلكتروني” مؤخرا باستهداف وشيطنة الفلسطينيين وذلك قبل التوصل إلى اتفاق تطبيع محتمل مع إسرائيل.
وجرى وصف الفلسطينيين أنهم من بقايا العصرين الكنعاني والروماني الذين أصبحوا “بمثابة عبء على دولة إسرائيل الشقيقة”.
وفي غضون ذلك، يعتبر “الذباب الإلكتروني” السلاح المفضل لـ”بن سلمان” ضد منافسيه في الداخل.
وقد بررت حملة منسقة على الإنترنت من قبل أنصاره تنحية سلفه “محمد بن نايف” من منصب ولي العهد بزعم أنه متهم بسوء الإدارة وتعاطي المخدرات.
وشملت حملة الاستهداف النخب التي لم تظهر ولاء لسياسات “بن سلمان”، بما في ذلك المجهود الحربي السعودي في اليمن ومشروع “رؤية 2030″ المثير للجدل.
تحسين سمعة ولي العهد
وتركز وسائل الإعلام السعودية ومنصات إلكترونية على اسم ولي العهد في الأخبار باستمرار
ونادرًا ما يمر يوم دون أن تضع الصحف السعودية صورته على مواقعها الإلكترونية وتبرز إنجازاته.
وتحتفل وسائل الإعلام السعودية و”الجيش الإلكتروني” حاليًا بأحدث قصة من “بن سلمان” عن جهود الحد من انبعاثات الكربون في الشرق الأوسط من خلال زراعة 50 مليار شجرة في مشروع تشجير ضخم.
ويعد المشروع جزءا من محاولة لإعادة تأهيل سمعة “بن سلمان” بعد سلسلة من الفضائح والإخفاقات.
فقد بدأ “بن سلمان” صعوده إلى السلطة بالحرب في اليمن التي تسببت في كارثة إنسانية جذبت انتقادات المجتمع الدولي.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2017، اعتقل “بن سلمان” العشرات من الأمراء السعوديين وكبار رجال الأعمال ووزراء الحكومة بزعم محاربة الفساد ولكن في الواقع كان الدافع وراء هذه العملية هو محاولة تركيز السلطة بين يديه.
وبعد شهر، أطلق “بن سلمان” مشاريع الترفيه السعودية، لصرف الانتباه عن تغييراته السياسية والاقتصادية.
وقد أدى إصدار تقرير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية مؤخرًا عن تورط “بن سلمان” في مقتل “خاشقجي” إلى تشويه صورته في الغرب.
ومن المهم الإشارة إلى أنه لا يعمل كل مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي السعوديين الذين يعبرون عن دعمهم الحماسي للمؤسسة الملكية تحت مظلة “الجيش الإلكتروني”.
وكثيرًا ما يصدر السعوديون بيانات دعم خادعة لتبديد أي اعتقاد بأنهم قد لا يكونون مواطنين صالحين.
نماذج للقمع والبطش
على سبيل المثال، خلال الحصار الذي قادته السعودية ضد قطر، أعرب العديد من السعوديين عن دعمهم لموقف الحكومة، حتى لو لم تكن القضية تعني لهم الكثير.
ونتيجة النظام الاجتماعي الصارم الذي يغرس أهمية الطاعة منذ سن مبكرة، فإن الثقافة السياسية السعودية لا تتسامح مع النقد أو طرح الأسئلة على القيادة.
ومن حين لآخر، يتساءل الكتاب السعوديون عن سبب رفض السعوديين الاستماع إلى الآراء المعارضة، فعندما يواجه هؤلاء أفكارًا تتحدى نظام معتقداتهم، فإنهم عادةً ما يرفضونها ويوجهون الإهانات لخصومهم.
وفي أحيان كثيرة، يؤدي تقديم أفكار جديدة إلى عزل المدافعين عنها ويخلق تنافرًا معرفيًا لدى الأشخاص الذين يعيشون في بيئة لا تشجع على التفكير الحر.
وتعتبر قضية “خاشقجي” مثالا بارزا على المصير الذي يمكن أن يواجهه أي معارض سعودي نتيجة غضب الدولة السعودية
ومن الأمثلة الأخرى الأميرة “بسمة”، ابنة الملك “سعود”، الذي حكم السعودية بين عامي 1953 و 1964، والتي أثارت استعداء “بن سلمان” عندما طالبت بالاعتراف بالحرية والعدالة ومبادئ حقوق الإنسان العالمية.
وفي عام 2019، جرى اعتقالها في سجن “الحائر” سيئ السمعة رغم تدهور حالتها الصحية.
ولم يتوقف الأمر عند السعوديين، ففي عام 2020 هدد دبلوماسي سعودي بارز علناً بقتل الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية “أجنيس كالامارد” بسبب التحقيق في مقتل “خاشقجي”.
واتهمها الجيش الإلكتروني السعودي بمحاولة ابتزاز الأموال من المملكة، وهو اتهام شائع موجه للأجانب. وتعتبر هذه الحالات رسائل للآخرين الذين قد يحاولون تحدي سلطة العائلة المالكة في المستقبل.