أحدثت الدعوة القضائية التي رفعها ضابط الاستخبارات السعودي السابق سعد الجبري، في المحاكم الأمريكية ضد ولى العهد محمد بن سلمان، صدمة وارتباكا كبيرين لدى ولي العهد الذي لجأ إلى شركات الدعاية الدولية لإنقاذ صورته.
وعلى الرغم من إنفاق بن سمان، ملاين الدولارات لصالح شركات دعائية أوروبية وأمريكية، لتحسين صورته الدولية، إزاء حرب اليمن المستمرة للعام السادس على التوالي، وجريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي في 2 أكتوبر 2018، إلا أن دعوى الجبري حملت ضرارا إضافية لصورته المهتزة.
ودفعت دعوى الجبري – التي فضحت ولى العهد بأنه مجرم يقود فرقا للموت – بن سلمان للتواصل مع شركات الدعاية الدولية المتعاقد معها مسبقا، من أجل تفادي أضرار الدعوى القضائية إعلاميا.
وحث بن سلمان شركات الدعاية الدولية على بذل جهودا كبيرة، مقابل أموالا جديدة، بحسب مصدر سعودي.
وقال المصدر الذي فضل عدم الكشف عن هويته لـ “ويكليكس السعودية” أن شركات الدعاية الدولية رفضت عرض ولى العهد، ومارست دور الابتزاز وطلبت مبالغ مالية أكبر بذريعة أن “القضية جديد وتحتاج لجهد كبير في الولايات الأمريكية”.
وأكد المصدر أن ولى العهد لا يزال ينفق ملاين الدولارات من ميزانية الدولة “وصندوق الاستثمار السعودي” الخاضع تحت سيطرته، مقابل إفلاس المملكة وشركاتها وارتفاع مديوناتها نتيجة سياساته الفاشلة.
وفي أعقاب سلسلة جرائم ارتكبها ولى العهد ولا تزال، بدأ الأخير خلال العامين الماضيين التركيز على الدعاية والإعلام الدولي في محاولة لمحو صورته الإجرامية، والإفساح لمكانته دوليا.
وانبرت منصّات وسائل الإعلام الغربي للتّصدي لهذا المهام، فظهرت عشرات المجلات والصحف والكتب والبرامج التلفزيونية التي تبثّ المديح لـ”إصلاحي جديد” محمد بن سلمان. والدفاع عن رؤيته الاقتصادية وأفكاره “التنويرية” ذات الصلة بعهد الحداثة.
وآخر تحرّكات الأمير القاتل في هذا الإطار، تمثّلت في إطلاق النسخة الفرنسية من الموقع السعودي الإخباري “آراب نيوز” لتحسين صورتها المشوّهة لدى الرأي العام الغربي.
وبحسب صحيفة “لوموند” الفرنسية، تعد الوسيلة الجديدة بمثابة بوابة سعودية كما يريدها محمد بن سلمان، فإن أول ما ظهر على الموقع هي “الإصلاحات” التي يقودها بن سلمان، وذلك لتحسين صورته التي تضررت لدى الرأي العام الغربي بسبب قضية الصحفي جمال خاشقجي.
وذكرت الصحيفة أن سلطات آل سعود اختارت تدشين الموقع الإخباري بالتزامن مع احتفال فرنسا بيومها الوطني، أي الثلاثاء 14 يوليو/تموز. وعلقت بالقول: “إن كل المؤشرات تدل على أن هذا الموقع لن يكون منصة لإبراز الكارثة الإنسانية المستمرة في اليمن أو سجن الناشطات المدافعات عن قضايا المرأة بالسعودية، رغم أن كلتا القضيتين، حسب قوله، من صنع بن سلمان كذلك”.
ويعود انتشار التغطية الإعلامية المضللة التي قامت بها وسائل الإعلام الغربي للسنوات القليلة الماضية عندما استولى محمد بن سلمان على ولاية العهد، وقد سوّقت جميع المنصّات التي اشتراها الرجل مقابل ملايين الدولارات، لإجراءاته كما لو أنها أعمالاً بطوليّة.
وسبق أن نشرت صحيفة الغارديان البريطانية مقالاً للمحرر الدبلوماسي، باتريك وينتور، تحدث فيه عن محمد بن سلمان بعنوان “الرجل المغامر الذي يملك رؤية متعطشة للإصلاح”.
وانبرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، أيضاً لتلميع صورة “الإصلاحي الجديد”، فقد كتب الصحفي الأمريكي توماس فريدمان في إحدى مقالاته: “لقد أجريت مقابلتين مع محمد بن سلمان… لقد لاحظت شغفه الحقيقي بالإصلاح، ودعمه الكبير لشباب بلاده ودعوته الملحة لإجراء تغيير جذري في المملكة العربية السعودية، وإذا لم يكن موجودا، لكان على النظام السعودي أن يجد شخصا مثله، قادر على قلب أوضاع البلاد”.
ونشرت الصحيفتين المذكورتين أيضاً مواداً تبرّر الاجتياح الوحشي لمنطقة العوامية في محافظة القطيف عام 2017.
كما لعبت شركات الدعاية والعلاقات العامة كذلك دوراً بارزاً في تلميع صورة ابن سلمان، بما في ذلك شركة “سي تي اف بارتنرز” للدعاية والعلاقات العامة، التي يديرها سير لينتون كروسبي، الحليف المقرب من رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، والتي بنت شبكة للتضليل تقدم مواداً للدعاية على أنها أخبار حقيقية على فيسبوك.
وقال جيم ووترسون، محرر شؤون الإعلام بعنوان في تقرير نشره بصحيفة الغارديان أن الشركة المذكورة تقدّم “تضليلاً احترافياً على الإنترنت”، وأنها قبلت عملاء مثيرين للجدل.
وكشف ووترسون أن الشركة حصلت على مئات الملايين من الجنيهات الإسترلينية من قبل ولى العهد السعودي لتلميع صورته، الذي “تورط لاحقاً في مقتل الصحفي جمال خاشقجي”.
وأكد ووترسون أن مراكز القرار في المملكة تعيش عقدة النبذ الغربية، لذا تضخ دورياً مبالغ مالية طائلة لتعزيز صورتها عند الرأي العام الغربي.
وقال: التنميط الإعلامي في الغرب الذي صوّر المملكة كبقعة متخلفة غير قابلة للتجديد هو تنميط ضارب في الزمن، ما يجعل كل جهود التأثير الحقيقي الذي تقوم به سلطات آل سعود يذهب أدراج الرياح بإستثناء تأثّر بعض المرتزقة لفترة قصيرة من الزمن إلى حين إيجاد مصدر آخر للدخل.
وأعلنت شركة المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق، سابقا، إطلاق قناة تلفزيونية اسمُها “الشرق” ستكون “مساهمةً كبيرةً في الفضاء الإعلامي العربي، تسعى لبث برامجها الخاصة السامة التي تديرها سلطات آل سعود.
ورغم ذلك، حِرصت الأسرة الإعلامية والحقوقية العريضة في الغرب على بقاء قضية خاشقجي حيةً في ذاكرة العالم أمرٌ ليس في وسع المملكة أن تتعامل معه بالكيفية التي نرى، وإنْ دفع خبراء علاقاتٍ عامةٍ تتعامل معهم مؤسسة ولاية العهد بن سلمان إلى أن يُشهر، في البرنامج التلفزيوني الشهير “60 دقيقة” في قناة سي بي إس الأميركية، مسؤوليته عن الجريمة، وأن يصفها نكراء، وأن يقرّ بعمل بعض مرتكبيها معه، وأن يؤكّد أن اقتصاصا سيتم منهم.
والظاهر أن نقصان الثقة في منظومة العدالة ومسطرتها في المملكة مهولٌ في الميديا الأميركية، وفي اللوبيات الناشطة في الولايات المتحدة، الأمر الذي جعل تأثير أقوال محمد بن سلمان هذه ضئيلا، وإنْ تعد تطوّرا ملحوظا عما كان يقوله السعوديون الرسميون.
وعندما تلحّ تقارير ومقالاتُ رأي في “نيويورك تايمز” وغيرها على ربط قتل خاشقجي، في ذكراه، مع مشهدٍ أعرض، من عناوينِه مواصلة المسؤول السعودي الأهم حربا مدمّرة في اليمن، تسبّبت بكارثةٍ إنسانيةٍ كبرى هناك، وكذا اعتقال نساء إصلاحياتٍ، فذلك يعني أن حل مشكلة ازورار شركات علاقاتٍ عامةٍ أميركيةٍ عن الاستمرار في العمل مع المملكة لا يتم بتقوية شركاتٍ أخرى جهودَها في مقابل أموالٍ أكثر.
وقد أوضحت شيئا من هذه التفاصيل “الإندبندنت” البريطانية، وذكرت “واشنطن بوست” أن الشركة المتخصّصة باتصال الأزمات “إم إس إل” حصلت من آل سعود منذ قتل خاشقجي على مبلغ 18 مليون دولار.