لا تزال الانتهاكات الحكومية السعودية تتواصل بحق قبيلة الحويطات التي ترفض التهجير من أراضيها لصالح مشروع نيوم الضخم قرب البحر الأحمر.
واشتكى مُسن سعودي في الثمانينات من عمره من قبيلة الحويطات في مقاطع فيديو انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي من قيام سلطات آل سعود بتعذيب أبنائه منذ ثمانية شهور.
وقال إبراهيم مقبول الحويطي “أبو رشيد” إن اثنين من أبناءه توجهوا إلى الشرطة لتقديم شكوى ضد مجموعة حاولت خطف حفيده بعد أن جاء عدد من الرجال بملابس مدنية لاختطافه من أمام المنزل، ولكن الشرطة قامت باعتقالهم بدلاً من الاستماع للشكوى.
وأشار الشيخ الحويطي إلى أن الأجهزة الأمنية السعودية ما زالت تعتقلهم لغاية اليوم.
وكشف الحويطي أن أبناءه تعرضوا للتعذيب بتعليمات وإشراف من مدير نيابة تبوك، مشيراً إلى أنه تم إحالتهم إلى المحكمة الشرعية بعد ضربهم وتعذيبهم بشدة.
وقال:”لهم 8 شهور محرومين من شرع الله، ومحرمين من عائلاتهم (17 شخصاً) ومن والدهم الثمانيني”.
وأضاف أن التهمة المزعومة ضد أبناءه هي “الاعتداء على رجال الدولة” مؤكداً بأنها تهمة ظالمة.
ومن المعروف أن أبناء قبيلة الحويطات في شمالي غرب السعودية يعانون على مر عقود من الظلم والتهميش، كما أفادت تقارير بأن الحكومة السعودية حاولت مراراً تهجيرهم من منازلهم قسراً من أجل إنشاء مدينة نيوم.
#مناشده_ابو_رشيد_الحويطي 1 pic.twitter.com/7QKXecwoCg
— ابو رشيد الحويطي (@WLEy7ZDs39tdU5o) August 26, 2020
وبدأت قضية قبيلة الحويطات تحديدا في يناير/كانون الثاني 2020 عندما أبلغت القبيلة سلطات آل سعود رفضها مغادرة أرضها من أجل المشروع أحد بناة أفكار رؤية ولى العهد 2030 ومن المخطط لها أن تمتد على مساحة شاسعة، تساوي مساحة بلجيكا، في أقصى شمال المملكة عند ساحل البحر الأحمر.
وسبق أن قتلت قوات الأمن السعودي، منتصف إبريل/ نيسان المنصرم، المواطن عبد الرحيم الحويطي الذي نشر سلسلة فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي انتقد فيها إجبار قبيلته على الرحيل من الأرض التي عاشوا فيها لأجيال في موقع المشروع في محافظة تبوك، واصفا إياه بإرهاب دولة آل السعود.
وأكد الحويطي أن معارضته قد تؤدي إلى قتله.
وأعلن الأمن السعودي، لاحقا، مقتل الحويطي في تبادل إطلاق النار مع قوات الأمن، مشيرا إلى العثور على عدد من الأسلحة في منزله، علما أن هناك ملكية السلاح داخل القبيلة.
وأثار مقتل الحويطي موجة استنكار واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تداول آلاف النشطاء العرب هاشتاغ من قبيل #استشهاد_عبدالرحي_مالحويطي # و#عبد الرحيم_ الحويطي و#الحويطات_ضد_ترحيل_ نيوم.
واحتجت قبيلة الحويطات على مشروع مدينة “نيوم” الضخم الأمر الذي يشكل عقبات متتالية أمام المشروع في خضم أزمة انخفاض أسعار النفط.
وأفادت وكالة الأنباء الفرنسية بأن عددا من أفراد قبيلة الحويطات رفضوا عروض التعويضات التي قدمتها لهم سلطات آل سعود مقابل ترك منازلهم والرحيل لمكان آخر.
وأفادت صفحة “معتقلي الرأي” -التي تُعنى بانتهاكات حرية الرأي في السعودية- بأن سلطات الرياض اعتقلت ثمانية من أبناء قبيلة الحويطات.
ويظهر هذا مقاومة داخلية لنظام آل سعود، في وقت تعاني المملكة من صعوبات اقتصادية بسبب التدهور التاريخي في أسعار النفط والإغلاقات بسبب انتشار فيروس “كورونا”، علاوة على حربها في اليمن والصراع مع إيران.
وقالت “نيوم” إنه سيتوجب على 20 ألف شخص الرحيل والانتقال إلى مكان آخر من أجل إفساح المجال لأعمال البناء.
ويفترض استكمال أول جزء من المدينة بحلول 2023.
يذكر أن “بن سلمان” أعلن عن “نيوم” عام 2016، لكنه يواجه صعوبات في جذب المستثمرين. ورأى نشطاء سعوديون أن مشروع “نيوم” مصمم لجذب الزوار الأجانب في مملكة محافظة، ولا يتوقع أن يستفيد منه السكان المحليون.
ويحذّر مراقبون من أن ترحيل السكان بشكل قسري قد يعود بنتائج عكسية، خصوصا مع تزايد الضغوط الاقتصادية.
وقال مركز “صوفان” الاستشاري للشؤون الأمنية إن “انخفاض أسعار النفط بشكل قياسي وزيادة الضغوطات الديموغرافية تشكل تحديات كبرى أمام خطط الأمير محمد المستقبلية”.
ورأى المركز أن “الحكومة ستكون لديها أموال أقل لتوزيعها لإرضاء المواطنين السعوديين. وسيؤدي تآكل العقد الاجتماعي بين الحكام والمحكومين إلى مشاكل كبرى خاصة في مجتمع قبلي”.
وكان خبراء ألمانيون، توقعوا في مقالتهما بصحيفة “تاغس شبيغل” الألمانية، انهيار “رؤية 2030” الذى يسعى ولى العهد تطبيقها في المملكة بسبب فيروس “كورونا” والانهيار التاريخي لأسعار النفط والحرب في اليمن والاحتقان داخل الأسرة الحاكمة، والصراع مع إيران، وقالوا إنها “تهدد بتبخر هذه الأحلام في سراب الصحراء”.
ومؤخرا، دعت منظمات حقوقية دولية، الشركات العاملة في مشروع “نيوم”، للتوقف عن مشاركتهم في بناء المدينة الواقعة بمحافظة تبوك والتي تقام على حساب أراضي قبيلة الحويطات.
وأعربت المنظمات الحقوقية عن تخوفها إزاء الانتهاكات المتكررة التي ترتكبها سلطات آل سعود في حملتها لتهجير بعض أبناء قبيلة الحويطات لصالح مشروع مدينة “نيوم” الذكية.
والشركات التي تقدم استشاراتها وخدماتها لـ”نيوم” التي يشرف عليها ولى العهد محمد بن سلمان، هي: أوليفر وايمان، ماكنزي أند كو، مجموعة بوسطن الاستشارية.
وجاء في الدعوة الحقوقية، أن مشاركة هذه الشركات في هذا المشروع لم تمنع آثاره الضارة بحق حقوق الإنسان لسكان المنطقة، بما في ذلك انتهاك حقّهم في استخدام الأرض والإجراءات العقابية لمن عبّروا سلميًّا عن رفضهم التهجير.
وشددت على ضرورة تحمل الشركات المسؤولية الأخلاقية والقانونية المدرجة تحت الأعمال التجارية وحقوق الإنسان الصادرة عن الأمم المتحدة، سيما أن هذه الانتهاكات تأتي بالتزامن مع حملات قمع أوسع للحقوق المدنية في المملكة.
وذكرتها بالبند المتعلق بالشركات “أن تسعى إلى منع الآثار الضارة بحقوق الإنسان التي ترتبط ارتباطًا مباشرًا بعملياتها أو منتجاتها أو خدماتها في إطار علاقتها التجارية، حتى عندما لا تسهم هي في تلك (13 ب) وأن تشمل مشاورات حقيقية مع الجماعات التي يحتمل تضررها (18 ب)”.
ودعت المنظمات الحقوقية الشركات العاملة لإعادة تقييم مشاركتها في مشروع “نيوم” وإيقافها تمامًا ما دامت لا تتوفر إمكانية التصدي لهذه الآثار الضارة بحقوق الإنسان.