نشر مركز “البيت الخليجي للدراسات والنشر” دراسة تحليلية تتناول أسباب توقف الحوار السعودي الإيراني وتداعيات ذلك إقليميا.
وذكر المركز أنه حتى وقت قريب، كنا نسمع أخبارًا إيجابية عن الحوار بين إيران والسعودية، أكثر من ذلك، كان المنتظر اتخاذ خطوات نحو استعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد أن انقطاع دام 6 سنوات.
فمنذ أبريل 2021، انخرطت الرياض وطهران في جولات من المحادثات المباشرة على المستوى الأمني في العاصمة العراقية بغداد بقيادة رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته مصطفى الكاظمي.
خلالها، أنجز البلدان خمس جولات، وكان من المتوقع إقامة الجولة السادسة التي من المفترض أن يتم فيها الإعلان عن إعادة فتح السفارات في كلٍّ من الرياض وطهران.
لكن التطورات الاخيرة في العلاقات الإيرانية السعودية، وانتشار التقارير التي تفيد بتوقّف الحوار السعودي – الإيراني حتى إشعار اخر، قلّصت الآمال في إحراز أي تقدم أكبر في العلاقات الثنائية.
بل وزادت طهران من لهجتها الحادة تجاه الرياض، خلال الأحداث التي تمر بها الجمهورية الإسلامية بسبب الاحتجاجات المستمرة، والتي بدأت منذ وفاة الشابة الإيرانية الكردية، “مهسا اميني”، بعد أن اعتقلتها شرطة الآداب “دورية الإرشاد”.
وفي الآونة الأخيرة، ووسط زخم الاحتجاجات المناهضة للحكومة الإيرانية، خرج كبار المسؤولين الإيرانيين، أمثال وزير المخابرات، اسماعيل خطيب، ليتّهم السعودية بتأجيج الاضطرابات في إيران، قائلا “إن استراتيجية الصبر الإيرانية ليست مضمونة، وأنّ القصور الزجاجية ستنهار، ولن ترى هذه الدول الاستقرار”، في إشارة إلى دول الخليج.
كما ألمح المرشد الأعلى الإيراني أيضًا، آية الله علي خامنئي، إلى تورط السعودية في الاحتجاجات الحالية في بلده، قائلا أكثر من مرة أنها من صنع أعداء الجمهورية الإسلامية، من الولايات المتحدة، وإسرائيل، والسعودية.
لدي طهران أسبابها في إلقاء اللوم على الرياض في الاحتجاجات المستمرة، وعلى رأس هذه الأسباب، تأتي قناة “إيران الدولية”، الناطقة بالفارسية، والمعارضة الإيرانية، التي تتخذ من لندن مقرًا لها.
أصبحت طهران حساسة بشكل متزايد بسبب ما تبثه هذه القناة من أخبار وتقارير ترى أنها تزيد من الاحتجاجات في الشوارع، خاصة وأنها تتهم الرياض بتمويلها. والجدير بالذكر، أنه في عام 2018، قالت صحيفة “الغارديان” أن قناة “إيران الدولية” يتم تمويلها من شركات سعودية مرتبطة بولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
وعلى ضوء هذه الأمر، يكمن أحد أهم أسباب توقف الحوار السعودي-الإيراني في جولات المحادثات بين الرياض وطهران، وبحسب مصادر إيرانية، طلبت إيران من السعودية، التوقف عن الخطاب الإعلامي العدائي تجاه إيران، والتوقف عن شيطنتها، وإلغاء تمويل القنوات والمواقع المعارضة والناطقة بالفارسية، لكن مع الاحتجاجات الحالية، يبدو أن الطلبات الإيرانية بخصوص هذه المسألة لم يتم أخذها في الاعتبار من الجانب السعودي.
على الجانب الآخر، زادت إيران من لهجتها المعادية للسعودية، من خلال قنواتها التلفزيونية مثل قناة العالم وبرس تي في، وخصصت ساعات ومواضيع طويلة، لمناقشة حقوق الإنسان وحقوق المواطنين من الطائفة الشيعية في المملكة.
من جهتها ركزت المطالب السعودية في الجولات الخمس من الحوار مع إيران على الملف اليمني، وهو الذي يعتبر على رأس الأولويات السعودية.
فالحرب التي تقودها السعودية في اليمن منذ سنوات، ودعم إيران لجماعة أنصار الله، المعروفة بالحوثيين، جعل البلدين في حالة حرب بالوكالة لسنوات.
كان من نتائج جولات الحوار، بالرغم من الانطباع السعودي بعدم جدّية الإيرانيين في حل أزمة اليمن، الهدنة التي انهارت الشهر الماضي.
والحرب في اليمن هي أحد مناطق الصراع الرئيسية بين السعودية وإيران، وفي نفس الوقت إذا تم التوصل إلى حل بها، ستكون من أهم المسببات لنجاح أي حوار بين البلدين.
لكن مع انهيار الهدنة، وعودة التهديدات الحوثية تجاه الرياض، شعرت السعودية، بعدم الثقة من الجانب الإيراني، الذي من الممكن أن يستغل الحوثيين في أيّ لحظة وذلك للضغط على خصوم طهران للحصول على تنازلات، وهذا يشعر السعودية بخيبة أمل في نية إيران في كبح جماح الحوثيين، أو استيعاب مخاوفها الأمنية في اليمن التي على ما يبدو تتجاهلها إيران.
يجب على الطرفين النظر بجدية في مسالة الحل الدبلوماسي للأزمة اليمنية، لأنه السبيل الوحيد للخروج من هذا المأزق لكلا الطرفين، وتوقف الحوار بين الرياض والسعودية، مؤشر سلبي على تدهور الأمور في اليمن.
بموازاة ذلك كان الحوار بين الرياض وطهران أملًا بعيد المنال في فترات سابقة، لكن مع تولي مصطفى الكاظمي لرئاسة حكومة العراق في مايو 2020، ونظرًا لعلاقاته القوية بكلا الطرفين، أصبح الأمل متاحًا، وهذا ما حدث بالفعل في خمس جولات من المحادثات.
إنّ غياب مصطفى الكاظمي بانتهاء فترة ولايته سيزيد من تعقيد الأمور أكثر، كما أنه عامل من عوامل توقف الحوار بين البلدين.
خليفة الكاظمي، محمد شياع السوداني، يُنظر إليه على نطاق واسع سواء داخل العراق أو في السعودية ودول الخليج على أنه من ضمن المقربين لإيران لأنه جاء بترشيح من الإطار التنسيقي الشيعي الموالي لإيران، وهو مظلة تجمع أغلب الأحزاب الشيعية العراقية سواء المقربة من إيران أو المعتدلة بفصائلها المسلحة المختلفة.
إن الكاظمي وشخصيته وفريقه الذي عمل معه، كانوا عوامل هامة في بدء الحوار السعودي-الإيراني، وفي القدرة على جمع الإيرانيين والسعوديين على طاولة المفاوضات، حتى عندما واجهت جولات المحادثات بين الرياض وطهران بعض المشاكل والعقبات التي كانت تهدد بإنهائها، استطاع الكاظمي السيطرة على الموقف واحتواء غضب الطرفين لاستكمال الحوار.
لكن هناك شكوك كبيرة حول قدرة السوداني على استكمال الدور الذي قام به الكاظمي من قبل، خاصة وأن الرياض تنظر بعين الريبة للظروف السياسية التي جاءت بالسوداني، مع الأخذ بالاعتبار الاضطرابات في إيران واتهامها للسعودية، مما قد يعيق الوساطة العراقية على الأقل في المستقبل القريب.
ومن الواضح للجميع أن كلا من إيران والسعودية يمتلكان رغبة في الاستمرار بالتفاوض والتحدث حتى بعد قطع جولات مهمة من الحوار في الوقت الحالي، لذلك قد يخشى البعض من وقوع مواجهة مباشرة بين البلدين، مع غياب القنوات الدبلوماسية وتبادل الاتهامات.
لكن بالرغم من العودة إلى الخطاب الهجائي خاصة من ناحية إيران، فليس بالضرورة أن ينفجر الخلاف بين الرياض وطهران، ليصبح مواجهة مباشرة.
فالقادة الإيرانيون منشغلون الآن بالاضطرابات الداخلية، التي تبدو إلى الآن أنها لا تهدأ، بل تطورت إلى إشراك الأقليات ودخول الجماعات الانفصالية المتمردة والمسلحة على الخط، وإيران أخر ما تحتاجه الآن هو مواجهة مباشرة مع جارتها السعودية.
في الرياض، الوضع أيضًا مختلف، فخطة 2030 التي وضعتها الرياض لتنويع اقتصادها من النفط، تتطلب الاستقرار لجذب الاستثمارات الأجنبية، ولا تحتاج الرياض الآن إلى تهديدات الحوثيين، كما حدث في سبتمبر عام 2019، عندما تم مهاجمة منشآت نفطية بالصواريخ والطائرات بدون طيار.
لذلك، لا يمكن تجاهل التقدم الذي أحدثته جولات الحوار بين السعودية وإيران، حتى وإن توقفت حالياً. بعبارة أخرى، بينما نشهد الآن تجميد المحادثات الإيرانية-السعودية، وإصدار اتهامات من الجانب الإيراني للرياض، والتغييرات على الساحة الإقليمية في اليمن والعراق.
فلا تزال هناك فرصة لاستئناف الحوار بين البلدين وأن تلعب دولة عمان دورًا بديلًا عن العراق في الفترة المقبلة إذا قرر كلا من البلدين استكمال المحادثات.
في السنوات الماضية، كان من الصعب تخيل أن البلدين يمكن أن يجتمعا من أجل الصالح العام للمنطقة، لكن حتى بعد توقف الحوار بينهما والذي بدأ في العام الماضي، وبالنظر إلى الصراعات التي حمّلت المنطقة الكثير من التكاليف، فلا يزال هناك أمل في قدرة البلدين على احتواء عدائهما.