الحفلات وتغيير المناهج.. أدوات بن سلمان للانقلاب على قيم المملكة
بعد أن كانت الحفلات الغنائية محرمة في بلاد الحرمين الشريفين جاء ولي العهد محمد بن سلمان وأحدث تغييرات كبيرة داخل المملكة من ادخال حفلات غنائية راقصة وملاهي ليلية ومسارح وافتتاح دور السينما والكثير من الاشياء التي لم تكن موجودة في البلاد وكانت محرمة.
اتخذ بن سلمان هذه الحفلات والتغييرات لتحسين صورته وصورة نظامه القمعي أمام العالم العربي والغربي في ظل اتهامات له بارتكاب انتهاكات حقوق الانسان بشكل متزايد.
لم يتوقف الأمر عند الحفلات وجلب المغنين والفرق الفنية من خارج البلاد، بل لجأت المملكة إلى استدعاء علماء السلطة لشرعنة الغناء دينياً، واستخدام وسائل الإعلام للترويج لهذه الخطوات التي تقوم بها المملكة، وتصوير ولي العهد محمد بن سلمان بأنه “صانع الوجه المشرق” للمملكة.
وشهد العامان الأخيران تطورات وانفتاحاً فنيّاً داخل المملكة، بعد قرار السماح للمرأة بقيادة السيارة، وتشييد وافتتاح دور للسينما داخل المملكة، وجلب فنانين عرب وأجانب.
يظهر خطيب وإمام أحد مساجد الملوك في المملكة بإفتاء جديد محاولاً فيه إرضاء ولي العهد محمد بن سلمان تحت عنوان “السعودية الجديدة”، أو “دين السعودية الجديد”، ليفتي الشيخ السعودي، عادل الكلباني، بجواز الغناء، قائلاً إن الرسول “كان يستقبل المغنيات ويستمع لهن، ويكتب لهن الكلمات وغيرها “.
وفي تبرير لما يحدث في المملكة ذكر الكلباني، في مقابلة تلفزيونية، حديثاً عن عائشة رضي الله عنها قالت فيه: إن النبي سألها: “هل تعرفين هذه الفتاة؟ قالت: نعم، فقال لها: ناديها لي، فجاءت فأعطاها كلمات أغنية وغنتها لها”.
وزعم في حديثه أن النبي صلى الله عليه وسلم “كان موجوداً في عهد الغناء تحت حديث والجاريتين اللتين كانتا تغنيان”، واصفاً “المغنية التي كان يستقبلها النبي هي نفسها التي تُسمي فنانة اليوم”، مضيفاً: “كان هناك في عهده أيضاً معازف ومزهر والعود”.
وسبق أن أباح الكلباني سابقاً الرقص والغناء في المملكة قائلاً: “إنه لا وجود لدليل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يحرم الغناء والمعازف”.
واثارت تصريحات الكلباني موجة جدل واسعة في الشارع السعودي، وتساءل الكثير عن سبب تأخر مثل هذه الفتاوى، رغم أن السنوات الماضية كانت قد شهدت تحريماً وتجريماً للأغاني في المملكة من قبل العلماء والدعاة.
وقال الناشط أبو منيف الخالدي: إن الكلباني “يسيء إلى رسول الله في أنه كان يستقدم المغنيات والمطربات ويطرب لأصواتهن”، مضيفاً: “ذهب جماعة من أهل العلم إلى كفر من تعمد الكذب على رسول الله”.
فيما قال المغرد السعودي الشهير تركي الشلهوب: إن الأغاني والمعازف قبل إنشاء هيئة الترفيه “كانت (حرام حرام حرام)، وبعد إنشائها وانتشار الحفلات الراقصة، قالوا: “الرسول ﷺ كان يستقبل المغنيات ويطلب منهنّ الغناء، ويعدِّل لهن كلمات الأغاني”.
لم يكن حديث الكلباني إلا ضمن حملة تقودها المملكة عبر وسائل الإعلام المختلفة وعلماء وشخصيات سعودية، لمواجهة الانتقادات الموجهة لها، بسبب الانفتاح الكبير الذي تشهده المملكة ولتغطية الانتهاكات التي تقوم بها.
ورُصدت وسائل إعلام سعودية مختلفة تحدثت عن الغناء، ومن بينها صحيفة “عكاظ”، التي قالت في تقرير مطول بتاريخ 5 نوفمبر 2019: إن “فنون الغناء والشعر وأدوات الموسيقى كانت جزءاً من مظاهر الحياة الاجتماعية والثقافية في مكة المكرمة والمدينة المنورة، كأحد أبرز نماذج اللهو والترفيه منذ بزوغ فجر الإسلام”.
ولم يسلم القرآن الكريم من أجل استخدامه دليلا لا شك فيه بمواجهة الانتقادات، وزعمت الصحيفة السعودية أن القرآن الكريم لم يأت بشيء يحرم الغناء والعزف بالآلات الموسيقية، واستدلت ايضاً بحديث عن النبي حث فيه على “التغني بالقرآن”.
بدورها تقول صحيفة “إندبندنت” عربية، التي تصدرها المملكة إن المناهج التعليمية القديمة في المملكة كانت “مختطفة من تيار الإخوان والمتشددين من مختلف التيارات المنبثقة عنهم مثل “السرورية، والصحوة، والمستقلة عنهم من قبيل السلفية العلمية”، بسبب أنها لم تذكر في سياقها بجواز الغناء والموسيقى.
ونشرت الصحيفة تقرير مطول أيضاً، وعنونته بـ” الموسيقى في المدارس السعودية … تداعي آخر حصون “الإخوان”.
وكانت وزارة الثقافة السعودية قالت في صفحتها بـ”تويتر” في 7 نوفمبر الجاري، إنها اتفقت مع وزارة التعليم على “التعاون لإدراج الثقافة والفنون في مناهج التعليم، وتفعيل واستخدام وتشغيل مرافق وزارة التعليم كالمسارح المدرسية والجامعية”.
وتستخدم الرياض حفلاتها الفنية لتلميع بن سلمان، وكان الفنان اللبناني راغب علامة أحد الذين استخدموا حفلاتهم لهذا الأمر، حيث قال خلال إحيائه حفلاً في العاصمة الرياض ضمن فعاليات “موسم الرياض” الترفيهي: إن “لبنان يشهد ثورة شبان وشابات ضد الفساد”، مضيفاً: “اللبنانيون كانوا يتمنون وجود شخص مثل محمد بن سلمان ليكافح الفساد، لكن الشبان في لبنان يقومون الآن بهذا الدور”.
وأضاف علامة في تصريح آخر لتلفزيون الجديد اللبناني أن “لبنان بحاجة لأن يكون لديه شخص يضع الفاسدين في السجون، تماماً كما فعل ولي العهد السعودي عندما وضع الفاسدين في المملكة في فندق الريتز”.
تصريحات علامة دفعت إحدى أكبر المنظمات الحقوقية حول العالم للرد عليه، حيث نشرت منظمة “هيومان رايتس ووتش”، في 18 نوفمبر، تغريدة انتقدت فيها تصريح علامة.
وقالت هيومان رايتس ووتش: “بينما استفاد علامة من إزالة بعض القيود الاجتماعية ليغنّي أمام جمهوره في السعودية، يا ليته وجه تحية إلى النساء الشجاعات المسجونات بسبب دفاعهن عن أبسط الحريات الفردية”.
وأرفقت “هيومان رايتس ووتش” التغريدة بتقرير نشرته أول شهر نوفمبر، انتقدت فيه السياسات القمعية لولي العهد محمد بن سلمان، والتي تزامنت مع إصلاحات اجتماعية مهمة.
كما أرفقت المنظمة الحقوقية تقريراً آخر عن تورط جهات سعودية عليا في مقتل الصحافي السعودية جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في مدينة إسطنبول التركية العام الماضي.
وتواجه سلطات آل سعود المنتقدين للترفيه في المملكة ولسياسات محمد بن سلمان بالقمع، ولجأت إلى اعتقال الشخصيات الاجتماعية والناشطين ودعاة وعلماء.
وشهدت المملكة، خلال أكثر من عامين، اعتقال مئات من العلماء والنشطاء والحقوقيين، الذين حاولوا -فيما يبدو- التعبير عن رأيهم ومعارضة ما تشهده السعودية من تغييرات، وسط مطالبات حقوقية بالكشف عن مصيرهم وتوفير العدالة لهم.
وتعد هيئة الترفيه التي أسست منتصف 2016، من ضمن مشروعات “رؤية المملكة 2030” التي أعلن عنها بن سلمان ضمن خطة تحول وطنية شاملة، الراعية الرسمية للانفتاح الموجود حالياً بالمملكة.