تدهور قياسي للحريات العامة في عهد محمد بن سلمان
انعكست تناقضات محمد بن سلمان الحاكم الفعلي للمملكة في سياساته الخارجية والداخلية، والتعامل مع الملفات الطارئة، على الحالة الحقوقية للمملكة ومواطنيها في عام 2018, وفي النصف السنوي للعام 2019.
وبينما شهدت حقوق الإنسان في المملكة بعض بوادر التحسن في مستهل عام 2018 في ملفات معينة أبرزها ملف المرأة، فإنها سرعان ما تدهورت تدهوراً كبيراً في الحريات والحقوق السياسية والمعيشية، والاعدامات, بالإضافة إلى مقتل الصحافي المعارض جمال خاشقجي في داخل قنصلية المملكة في إسطنبول والذي مثّل ضربة قاضية لسجل البلاد الحقوقي، وجعل المملكة دولة مارقة دولياً, تسببت هذه الانتهاكات في إدانات واسعة من المنظمات الدولية.
وصدر تقرير أممي يطالب الرياض بإعادة النظر في الاحكام القضائية, والقمع بحجة الإرهاب, والانتهاكات التي قد تقوض سلطة مجلس حقوق الإنسان.
وبيّن المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب، السابق، بن إميرسون، الانتهاكات التي وصفها “بالشنيعة” التي تمارسها المملكة تجاه حقوق الإنسان بحجة مكافحة الإرهاب.
التقرير الذي قدمه المقرر إلى مجلس حقوق الإنسان في دورته الأربعين، جاء بعد زيارتين قام بها إلى المملكة في نوفمبر 2016، ومن 30 أبريل إلى 4 مايو 2017، بهدف تقييم ما أحرزته من تقدم في مجال قوانينها وممارساتها المتعلقة بمكافحة الإرهاب بالقياس إلى القانون الدولي لحقوق الإنسان والمعايير الدولية.
وذكر التقرير شواغل القلق الرئيسية المتعقلة بحقوق الإنسان والتي تكرست في ممارسات نظام آل سعود، ومن بينها تشريعات مكافحة الإرهاب، واستخدامها لقمع المعارضة، واستقلالية المحكمة الجزائية المتخصصة بالإرهاب، والمحاكمات غير العادلة التي تجري فيها، وممارسة التعذيب واعتماد الاعترافات المنتزعة به، إلى جانب استخدام عقوبات الإعدام بعد محاكمات غير عادلة بشكل واضح، والعمليات العسكرية في اليمن وسوريا.
التقرير وصف سياسات السعودية “بالقمعية”، معتبرا أنها تستخدم قوانين مكافحة الإرهاب لزيادة “البطش”، مبدياً قلقه وشعوره “بالجزع” بسبب الأحكام الجائرة وعمليات الإعدام.
وقد اعتبرت منظمات حقوقية هذا التقرير إثباتاً هاماً لضرورة زيارة المقررين الخاصين الميدانية إلى المملكة، والتي لم تسمح إلا بالقليل منها، في ظل وجود طلبات متعددة للزيارة وأكثرها متجاهلة من قبل نظام آل سعود.
وعلى الرغم من محاولات تزييف الحقائق وعدم السماح للمجتمع المدني بأن يكون طرفا لتقديم الحقائق خلال الزيارة، إلا أن التقرير نجح في إبراز شواغل في غاية الأهمية والمركزية.
أشار التقرير إلى أن نظام جرائم الإرهاب وتمويله 2014 يتضمن تعريفاً فضفاضا للغاية للجرائم الإرهابية، وفي إطار هذا التعريف الواسع، فإن أي شخص يطعن في سلطة الدولة أو سياساتها يمكن أن يعتبر إرهابيا، وبالتالي فإن التعريف لا يتفق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
واعتبر أن هذا القانون يفضي إلى “تأثير تقييدي بشكل خطير على المجتمع المدني، لأن أي عمل سياسي غير حكومي يمكن أن يجرم كفعل من أفعال الإرهاب”، كما يمكن أن يستخدم لطلب تسليم معارضين سياسيين سلميين ومدافعين عن حقوق الإنسان التمسوا اللجوء في الخارج.
واعتبر إميرسون أن تعديلات العام 2017 الصادرة على النظام، وسعت نطاق تعريف الإرهاب ليشمل من يصفون الملك أو ولي العهد بأي وصف فيه تهجم على الدين أو العدالة، كما أن “التعبير السلمي عن المعارضة يمكن أن يؤدي إلى الملاحقة بتهمة الإرهاب كما يجري قمع الحرية الفكرية والأكاديمية دون رحمة.
وأوضح إميرسون أنه كان قد أوصى في نهاية زيارته بأن على الحكومة التعجيل بمراجعة تعريف الإرهاب الوارد في نظام مكافحة الإرهاب لعام 2014 بغية مواءمته مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، إلا أنه وبدلا من مواءمته، وسعت السعودية نطاق تطبيق هذا النظام “للبطش بصورة قمعية أكبر على ممارسة الحقوق المدنية والسياسية التي تتمتع بحماية دولية”.
أشار إلى أنه وعلى الرغم من الطلبات المتكررة التي قدمها، فإن الحكومة “لم تمكنه من الوصول إلى أي من المحتجزين حالياً بسبب جرائم متصلة بممارسة الحق في حرية التعبير”. وكان قد قدم إلى السلطات المعنية قائمة بأسماء من كان يود مقابلتهم على انفراد، ذاكراً سليمان الرشودي، عبدالله حميد الحميد، محمد فهد القحطاني، عبدالكريم الخضر، محمد البجادي، عمر السعيد، فاضل المناسف، رائف بدوي.
وأبدى قلقه الخاص إزاء “نمط القمع المنهجي في المنطقة الشرقية التي تسكن فيها غالبية السكان الشيعة”. كما أوضح أن الاعتقالات والاحتجازات والإدانات لا تكشف العيوب الخطيرة في تشريعات مكافحة الإرهاب في السعودية فحسب، بل “توجه رسالة إلى المواطنين والمدافعين عن حقوق الإنسان مفادها أنهم سيلاحقون إذا انخرطوا في هذه الأنشطة المحددة بشكل فضفاض.”
وشدد على أن ضرورة مكافحة الإرهاب “لا يمكن أن يساء استخدامها كذريعة قانونية لقمع حملات الدعوة العامة التي يقوم بها منتقدون سلميون ونشطاء في مجال حقوق الإنسان وأفراد الأقليات, غير أن هذا ما يحدث بشكل معتاد حاليا في السعودية.”
ودعا إلى إيجاد آلية لإعادة النظر في جميع حالات الأفراد الذين يقضون حاليا عقوبات بالسجن بسبب ممارسة حقهم في حرية التعبير وحرية الفكر أو الوجدان أو الرأي أو التجمع السلمي وتكوين الجمعيات وينبغي أن تكون لهذه “الآلية صلاحية تخفيف الأحكام أو العفو فورا عن جميع هؤلاء السجناء”.
وأكد أنه بدلا من التحسين التدريجي لحالة حقوق الإنسان التي تحرص الحكومة على تصويرها على الصعيد الدولي “تبدو الصورة الحقيقية المتمثلة في أن السعودية تتراجع أكثر من أي وقت مضى نحو القمع السياسي الشديد”، موضحا أن طبيعة المحاكمات السرية التي تجري في المحكمة الجزائية المتخصصة تثير“مخاوف كبيرة بشأن نزاهتها”.
وفميا “أكد رئيس المحكمة الجزائية المتخصصة للمقرر الخاص، توفير الحماية لجميع الحقوق المكفولة للمتهم. لا يسلم المقرر الخاص بأن الأمر كذلك”.
وأشار إلى أن الحكومة أبلغت “المقرر الخاص خلال الزيارة بوجود ضمانات قانونية لمنع التعذيب بموجب نظام الإجراءات الجزائية لعام 2013.
وأوضح المقرر الأممي أن قضاة المحاكم لا يتعاملون بجدية على ما يبدو مع الادعاءات المتعلقة بالتعذيب أو غيره من ضروب سوء المعاملة، وبالتالي فإن قبول الاعترافات المنتزعة بالإكراه في المحكمة يوفر حافزاً لاستخدام التعذيب.
وأكد أنه لا علم له بملاحقة أي مسؤول على ممارسة التعذيب أو غيره من ضروب سوء المعاملة، معتبرا أن الحماية المكفولة نظرياُ بموجب القانون يبدو أنها “وهميّة في الواقع العملي”.
وأشار إلى أنه تلقى شهادات من أشخاص لم يروا محام قط خلال كامل مدة التحقيق، وأشخاص آخرون قابلوا محاميهم في مرحلة متأخرة للغاية من العملية.
واعتبر أن الاتصال بمحام في وقت مبكر أمر حاسم في تحقيق المستويات الأساسية من الشفافية، “أما الممارسة السائدة في المملكة فتترك المحتجزين تحت رحمة السلطة المحتجزة تماما”.
وشدد أن المملكة لم تتجاهل توصيات المقرر فقط، بل اعتمدت أحكاما جديدة “تشكل تحديا صارخا”. ورأى أن عدم توفير السعودية الحد الأدنى من الضمانات الإجرائية أثناء الاحتجاز والاستجواب، وممارستها القضائية المتمثلة في قبول الاعترافات المنتزعة بالإكراه كأدلة، يشير بقوة إلى أنها ممارسة تم “إقرارها بشكل رسمي”. وتشكل الحالة في السعودية “إنكاراً للعدالة بصورة منهجية وصارخة في هذا الصدد”.
وأعرب عن قلقه البالغ إزاء عدم مراعاة الأصول القانونية في قضايا الإرهاب عموماً, ويثير “هذا الشاغل قلقاً شديدا في الحالات التي تتعلق بفرض عقوبة الإعدام”.
وأوضح أن الإعدامات كانت عقب “إجراءات قضائية لم تستوف المعايير الدولية الدنيا للإجراءات القانونية الواجبة, من بينهم ذوي إعاقات نفسية، وأشخاص كانوا دون الثامنة عشر وقت ارتكاب الجرائم” وقد أدين بعضهم بارتكاب جرائم سياسية غير عنيفة “.