يبدأ الحجّاج في مكة المكرّمة اليوم الأربعاء مناسك حج في ظروف استثنائية، وإجراءات وقائية غير مسبوقة، يخيّم عليها شبح فيروس كورونا المستجد المستمر في التفشي حول العالم، حاصداً مئات آلاف الوفيات، والذي تسبب في إجبار المملكة على تنظيم حج استثنائي لهذا العام، في حين أثارت طريقة انتقاء الحجاج المشاركين خيبة أمل لدى كثيرين.
ويشارك نحو 10 آلاف مقيم في المناسك التي تتواصل على مدى خمسة أيام، مقارنة بنحو 2,5 مليون مسلم حضروا العام الماضي، بعد عملية اختيار قامت بها السلطات السعودية واعتبرها البعض مبهمة، إذ شهدت قبول طلبات ورفض أعداد كبيرة أخرى.
يُعد الحج من أكبر التجمعات البشرية السنوية في العالم، وبؤرة رئيسية محتملة لانتشار الأمراض وبينها فيروس كورونا المستجد، ويمثل تنظيمه في العادة تحدّياً لوجستياً كبيراً، إذ يتدفّق ملايين الحجاج من دول عديدة على المواقع الدينية المزدحمة.
يأتي حج هذا العام، بينما أودى فيروس كورونا المستجد بحياة أكثر من 654 ألف شخص في العالم، منذ أن أبلغ مكتب منظمة الصحة العالمية في الصين عن ظهور المرض في نهاية كانون الأول/ديسمبر 2019، بينهم أكثر من 2700 في السعودية، حيث سجلت نحو 270 ألف إصابة.
ومع بدء مناسك الحج، تم تزويد الحجّاج بمجموعة من الأدوات والمستلزمات، بينها إحرام طبي، ومعقّم، وحصى الجمرات، وكمّامات وسجّادة ومظلّة، بحسب كتيّب “رحلة الحجاج” الصادر عن السلطات، بينما ذكر حجّاج أنه طلب منهم وضع سوار لتحديد تحرّكاتهم.
كانت المملكة قد أوجبت إخضاع الحجاج لفحص فيروس كورونا المستجد قبل وصولهم إلى مكة، وسيتعين عليهم أيضاً الحجر الصحي بعد الحج.
من جانبها، قالت وزارة الحج والعمرة إنها أقامت العديد من المرافق الصحية والعيادات المتنقلة وجهّزت سيارات الإسعاف، لتلبية احتياجات الحجاج الذين سيُطلب منهم الالتزام بالتباعد الاجتماعي.
وعشية بدء المناسك، شوهد عمّال وهم يعقّمون المنطقة المحيطة بالكعبة وسط المسجد الحرام، علماً أن السلطات ستمنع الحجاج من لمس الكعبة.
في تصريح لقناة “الإخبارية” الحكومية، قال مدير الأمن العام الفريق أول ركن خالد بن قرار الحربي، إنه ليس لدى الحكومة “أي هاجس أمني في ما يتعلق بخططنا التنظيمية”، مضيفاً أن “الخطر الوحيد الذي نعمل على منعه هذا العام هو خطر الجائحة وكيف نؤمّن سلامة الحجاج ونجعلهم يؤدون شعائرهم من دون أن يكون الوباء بينهم”.
من جهته، قال قائد القوة الخاصة لأمن المسجد الحرام يحيى العقيل، إنّ “صحن المطاف قسّم إلى عدة مسارات، وسيكون هناك تباعد بين الحجاج”، مشيراً إلى أنه لن يسمح لأي حاج لا يحمل تصريحاً رسمياً بدخول المسجد الحرام.
آلية غير واضحة لانتقاء الحجاج
أعلنت السلطات السعودية في البداية أن حوالي 1000 حاج فقط من المقيمين في المملكة سيسمح لهم بأداء المناسك، لكنّ وسائل الإعلام المحلية نشرت تقارير تفيد بأنّ عدد الحجاج يصل إلى نحو 10 آلاف حاج.
تبلغ نسبة غير السعوديين من المقيمين داخل المملكة 70٪ من إجمالي حجاج هذا العام، ونسبة السعوديين 30٪ فقط، وهم من “الممارسين الصحيين ورجال الأمن المتعافين من فيروس كورونا المستجد”.
من جانبها، ذكرت وزارة الحج أن المقيمين غير السعوديين في المملكة من حوالي 160 دولة تنافسوا في عملية الاختيار عبر الإنترنت، لكنّها لم توضح عدد المتقدمين، بينما اشتكى بعض الحجاج الذين أصيبوا بخيبة أمل من أن العمليّة كانت مبهمة.
الشيء المختلف لحج هذا العام أيضاً أن الصحافة الأجنبية غير مخوّلة بتغطية مناسك الحج، الذي عادة ما يكون حدثاً إعلامياً عالمياً ضخماً، إذ تسعى الحكومة لتشديد إجراءات الوصول إلى مدينة مكة المكرّمة وتضع قيوداً صحيّة صارمة لمنع تفشي الفيروس أثناء المناسك.
فقد يكون فيروس كورونا المستجد مصدر تهديد فعلي للحجّاج، لكن يبدو الحج هذا العام صحيّاً مقارنة بما كان عليه في السابق، بحسب الوكالة الفرنسية، فغالباً ما كان يعاني الحجاج لدى عودتهم إلى ديارهم بعد نهاية مشاعر الحج من أمراض تنفسية عدّة بسبب الازدحام الشديد أثناء أداء المناسك وعدم وجود أي قيود للتباعد الجسدي أو إلزام بارتداء الكمامات.
يقول محللون إن الحكومة قلّصت الحج، لأنه قد يكون مصدراً رئيسياً لانتشار فيروس كورونا المستجد، إلا أنّ هذه الخطوة ستعمّق الركود الاقتصادي في المملكة في أزمة طاحنة تشهدها أصلا بفعل فشل وفساد نظام آل سعود.