أبرز تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية أن المملكة أصبحت عرضة لضربة مالية بعد قرار سلطات نظام آل سعود الحد من الحجاج لهذا العام بسبب أزمة جائحة فيروس كورونا المستجد.
ويخيّم الهدوء على مدينة مكة المكرمة في ظل قرار السعودية تعليق العمرة والسماح لعدد محدود من الحجاج بأداء المناسك هذا العام بسبب انتشار فيروس كورونا الجديد، ما يحرم المملكة من إيرادات ضخمة، ويشكل ضربة مالية تزيد من الصعوبات الناجمة عن تراجع عائدات النفط.
وكانت المدينة المقدّسة، التي تضم المسجد الحرام والكعبة، تعج بالحياة قبل بدء تفشي الفيروس، لكنها أصبحت شبه فارغة، وخيام الحجاج مهجورة والفنادق شاغرة.
والحد من المناسك، التي تدر نحو 12 مليار دولار سنوياً، يضرب في الصميم اقتصاد المدينة التي يبلغ عدد سكّانها نحو مليوني نسمة، وكذلك اقتصاد المملكة التي تعاني من تراجع عائدات النفط في ظل تراجع الأسعار عالمياً.
وولّدت طفرة البناء في السنوات الأخيرة مجموعة من مراكز التسوق والشقق والفنادق الفاخرة، بعضها يطل على الكعبة، لكنها أصبحت فارغة من زوارها الآتين من مختلف أنحاء العالم بسبب المخاوف من الفيروس.
وتُلحق الإجراءات الهادفة للحماية من الفيروس خسائر بالشركات التي تعتمد على الحج وتشمل مئات الآلاف من الوظائف، من وكلاء السفر إلى الحلاقين في الشوارع ومتاجر بيع الهدايا والمطاعم.
وتحدث كثيرون عن عمليات تسريح للعمال على نطاق واسع، أو تخفيض في الرواتب أو تأخيرها. وقال أحمد عطية (39 عاما)، المصري الذي يعمل لصالح شركة سفريات في مكة لوكالة فرانس برس، “صفر مبيعات، صفر إيرادات (…) لم نعتد على رؤية مكة فارغة”. وأضاف أن “للأمر عواقب وخيمة” على المدينة.
وليس سكان مكة وحدهم من يعانون. فالحجاج الذين ينفق بعضهم مدخراته لزيارة الكعبة، اضطروا كذلك لإلغاء رحلاتهم، ما تسبّب بمصاعب كبيرة لدى منظّمي رحلات الحج في العالم.
وفي قرار حساس سياسياً ودينياً، قالت السعودية إنها لن تسمح إلا لحوالي ألف شخص من المقيمين فيها بأداء الفريضة في الأيام الأخيرة من يوليو/تموز المقبل، مقارنة بنحو 2.5 مليون شخص في 2019.
وذكر مسؤول من جنوب آسيا على تواصل مع سلطات الحج “سيكون حدثا رمزياً، صور فوتوغرافية تسمح للمملكة بأن تقول إنها لم تلغ الحج كما توقّع كثيرون”.
وأكّدت السعودية أن الحجاج سيكونون من جنسيات مختلفة، لكنّ عملية الاختيار لن تكون مسألة سهلة، فيما قد تكون الأولوية لسكان مكة المكرمة.
ويرى محلّلون أنّ الحد من الأعداد، وإن كان ضروريا، سيعمّق المصاعب الاقتصادية للمملكة. فالقرار يتزامن مع التراجع الحاد في أسعار النفط والخسائر الناجمة عن إجراءات الحماية من الفيروس، وبينها إغلاق المطارات وفرض حظر تجوّل دام لأسابيع، فضلا عن كلفة الحرب الباهظة في اليمن والصراعات الخليجية.
واضطرت المملكة إلى اتخاذ إجراءات تقشفية مؤلمة، تضمنت وقف بدل الغلاء وزيادة ضريبة القيمة المضافة إلى ثلاثة أمثالها من 5% إلى 15%، وتقليص الإنفاق على المشروعات .
وقال ريتشارد روبنسون، الخبير في شؤون الشرق الأوسط في شركة “أكسفورد أناليتيكا” الاستشارية، لفرانس برس، إن قرار الحد من أعداد الحجاج “يضاعف الصعوبات الاقتصادية التي تواجه السعودية”.
والأربعاء الماضي، توقّع صندوق النقد الدولي أن ينكمش إجمالي الناتج المحلي للسعودية بنسبة 6.8% هذا العام، في أسوأ أداء له منذ ثمانينيات القرن الماضي.
ووفقا لمصدر وموظفين اشتكوا على وسائل التواصل الاجتماعي، أخّرت مجموعة بن لادن السعودية المعروفة بتطويرها المشاريع الضخمة، بما في ذلك مشروع نيوم الذي يتبناه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، دفع مجموعات من الرواتب لآلاف العمال في الأشهر الأخيرة.
وتداول هؤلاء وسم “تأخير_رواتب_بن_لادن” على تويتر في وقت يؤثّر التراجع الاقتصادي على أعمال الشركة. وقال المصدر إنّ الشركة تسعى لاستئجار سلسلة من الطائرات لترحيل العديد من عمّالها المتحدّرين من دول في جنوب آسيا إلى بلدانهم.
كما أعاق التباطؤ الاقتصادي خطط المملكة الطموحة لبناء صناعة سياحية من الصفر، وهي واحدة من الخطط الرئيسية لبرنامج “رؤية 2030” لتعزيز الإيرادات غير النفطية التي أطلقها بن سلمان.
وقال روبنسون “حدّدت الحكومة السياحة كمجال رئيسي للنمو في إطار استراتيجية تنويع الاقتصاد، ويمكن أن تؤدي خسارة عائدات الحج إلى تعثّر القطاع من خلال فقدان الاستثمار أو الإفلاس”.
وقالت كريستين ديوان، من معهد دول الخليج العربية في واشنطن، إن عدم تنظيم مناسك الحج في هذا الوقت من اضطراب أسواق النفط يشكّل ضربة.