تمارس السلطات السعودية جميع أنواع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وفي مقدمتها الإخفاء القسري الذي يمثل الجريمة المستمرة في المملكة للتخلص من نشطاء الرأي.
ويمارس نظام محمد بن سلمان الإخفاء القسري سواء بالاغتيال أو بالاعتقال أو الإسكات بالترهيب والتهديد، فضلا عن انتهاكات التعذيب والتنكيل وغيرها من الجرائم المنافية للقيم الإنسانية والعهود الدولية.
وبحسب موقع “صوت الناس” المعارض، يتبع الإخفاء القسري في السعودية كافة الجرائم الأخرى وتمتهن خلالها كرامة وحرية الإنسان، ويكوى بنارها المعتقل وذويه بالخارج الذي يعيشون معاناة لا تنتهي، ويظلون يتفقدون أثر المختفي قسريا ويترقبون ظهوره.
وهؤلاء يطرقون كل الأبواب لمعرفة أي معلومة عن سلامته وحقيقة وضعه وإذا كان لا يزال على قيد الحياة أم فارقها نتيجة ما يتعرض له داخل محبسه المجهول.
وبحسب الأمم المتحدة، فإن الاخفاء القسري يقصد به الاعتقال، أو الاحتجاز، أو الاختطاف، أو أي من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده.
ويُعَرَف الاختفاء القسري بثلاثة عناصر متراكمة هي الحرمان من الحرية ضد إرادة الشخص المعني، ضلوع مسؤولين حكوميين، على الأقل بالقبول الضمني، رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، وغالبًا ما يُستَخدم الاخفاء القسري كاستراتيجية لنشر الرعب ضمن المجتمعات.
وكل هذه المعاني تنطبق على المخفيين قسرياً في سجون السلطات السعودية، الذين زادت أعدادهم منذ وصول محمد بن سلمان، إلى ولاية العهد، إذ شهدت المملكة ازدياداً في حالات الإخفاء القسري وثقتها المنظمات الحقوقية، ودعت مرارا للكشف عن مصير أصحابها، وطالبت السلطات بتطمين ذويهم والإفراج الفوري عنهم دون أدنى استجابة.
ومن بين المخفين قسريا في سجون السلطات السعودية المدافع عن حقوق الإنسان الدكتور محمد القحطاني المعتقل تعسفياً في سجن الحائر منذ عام 2013 بسبب عمله السلمي في مجال حقوق الإنسان ودعواته إلى إجراء إصلاحات ديمقراطية، وممنوع من التواصل مع أسرته والعالم الخارجي منذ 24 أكتوبر/تشرين الأول 2022.
واتبعت زوجته كل الوسائل الممكنة لمعرفة مصيره حتى باتت تغرد بين يوم وآخر على حسابها بمنصة x، مطالبة بمعرفة مصيره وإطلاق سراحه ومحاسبة المسؤول عن إخفاءه؛ وبحسب منظمة القسط الحقوقية، فإن السلطات السعودية تواصل رفضها إعطاء معلومات واضحة عن مكان وجوده، مما يجعله ضحية للاختفاء القسري.
وأعربت عن مخاوفها على صحة وسلامة القحطاني نظرا لتعرضه للمضايقة وسوء المعاملة على نحو متكرر أثناء سجنه، وإضرابه عن الطعام عدة مرات احتجاجًا على سوء المعاملة التي كان يعاني منها، بما في ذلك حبسه في زنزانة للسجناء الذين يعانون من مشاكل متصلة بالصحة العقلية، واعتدى عليه زملاؤه السجناء مرتين.
ويضاف إلى سجل المخفيين قسرياً بالمملكة، الناشط في المجال الإنساني عبد الرحمن السدحان، المعتقل منذ مارس/آذار 2018 من مقر عمله بالهلال الأحمر السعودي في الرياض، واختفى قسريًّا لمدة 23 شهرًا، وحُكم عليه في أبريل/نيسان 2021 بالسجن 20 عامًا على خلفية نشره تعليقات سلمية على تويتر.
ثم أخفي السدحان قسريًّا مرةً أخرى بعد ظهوره في محكمة الاستئناف في أغسطس/آب من ذلك العام، ومنعته السلطات من الاتصال بأهله لأكثر من عامين؛ ورفضت كل الطلبات التي تقدموا بها لزيارته؛ كما شابت محاكمته انتهاكات جسيمة للضمانات الدولية للمحاكمات العادلة، منها عقد جلسات استماع سرية، وتوجيه تهم ملفقة له -بحسب القسط-.
وتواصل أريج السدحان شقيقته عبدالرحمن التي تعيش حالياً في كاليفورنيا، طرق كل الأبواب الممكنة لإنقاذ شقيقها وإطلاق سراحه حتى وإن اغلقت في وجهها، منها مناشدة الإدارة الأميركية الحليفة للسلطة السعودية، ومقاضاة السلطات السعودية ومنصة إكس التي عدتها أداة في حملة القمع العابرة للحدود التي تشنها السلطات السعودية.
ويلحق بقائمة المخفيين قسرياً لدى السلطات السعودية، أحد أبرز دعاة المملكة سليمان الدويش، المعتقل منذ أبريل/نيسان 2016، على خلفية نشره تغريدات يظن أنه ينتقد فيها الملك سلمان بن عبدالعزيز ونجله محمد الذي كان نائباً لولي العهد حينها، وتبع اعتقال قمع غير مسبوق لعدد من أفراد عائلته منهم من أطلق سراحه ومنهم من لا يزال مخفي قسرياً.
وقال الدويش في تغريداته “لا تفرط في منح ابنك المراهق المدلل مزيدًا من الثقة والصلاحيات دون مراقبة ومحاسبة وإلا فانتظر كل يوم ٍ فاجعة تأتيك منه حتى تهدم بيتك”.
وأضاف “محبّتك لابنك وترك محاسبته تنمّي عنده شعورًا يوصله غالبًا إلى الاستخفاف بك والاعتداد بنفسه بحيث لا يبالي بخسارتك لمنجزاتك التي كنت تفخر بها”.
ووفق منظمة القسط لحقوق الإنسان، فإن الدويش، محتجز في سجنٍ غير رسمي أقيم في قبو أحد القصور الملكية بالرياض ويديره أعضاء من الدائرة المقربة لولي العهد، ولم ترد عنه أي أخبار منذ يوليو/تموز 2018.
كما أنه تعرض للتعذيب على يد أحد كبار المسؤولين السعوديين الذي تعدى عليه بالضرب المبرح حتى غرق بالدماء، وتدخل بعض الحضور لمنع قتله.
وتعاني عائلة الدويش منذ اعتقاله، إذ طال الاخفاء القسري أبنائه لمطالبتهم بمعرفة مصير والدهم، بعدما يأسوا من مراجعة الجهات المعنية وتواصلهم مع الأجهزة الحكومية ومناشدة الأمراء للتوسط لطمأنتهم على والدهم، إذ بدأ النظام باعتقالهم تباعا، وتعرضوا للتعذيب، في انتهاك صريح للقوانين والمعاهدات الدولية.
وفي 11 مارس/آذار 2024، كشف منظمة القسط عن ورود معلومات لها أنه سيتم عقد جلسة محاكمة جديدة بعد رمضان لمالك نجل الدويش، الذي اعتقل في يوليو/تموز 2022 انتقامًا منه لمناصرته لوالده، وحكم عليه بالسجن لمدة 27 عامًا؛ وكان مالك قد اعتُقل من قبل بسبب مقطع فيديو نشره يطالب فيه بمعرفة مصير أبيه ونشرت صحف غربية.
وطال الإخفاء القسري إلى جانب الدعاة والحقوقيين والنشطاء الإنسانيين، الصحفيين والإعلاميين ومنهم الصحفي تركي الجاسر المعتقل منذ مارس/أذار 2018 بعد مداهمة منزله، وتعرضه للتعذيب ومنع من الزيارات أو المكالمات الهاتفية لما يقرب من سنتين، ورفضت السلطات السعودية أن تجيب على أي استفسار عنه.
وأجرى الجاسر مكالمة هاتفية واحدة أجراها مع أهله في فبراير/شباط 2020، ثم مُنع مرة أخرى من أي تواصل آخر، وأفادت تقارير صحفية بأن اعتقاله جاء بعد كشف السلطة إدارته حساب “كشكول” المعارض على منصة تويتر “إكس حاليا” من خلال جواسيس لها في المكتب الإقليمي للشرق الأوسط بدبي، اطلعوا على بياناته في خوادم الاستضافة.
وبدورها، دعت منظمة القسط المجتمع الدولي إلى التعامل بحزم وجديّة مع الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين في السعودية، وملاحقة ومعاقبة الجناة وضمان عدم إفلاتهم من العقاب، مؤكدة أن هذه الممارسات تشكل خرقًا صارخًا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، بل وتخرق حتى بعض التشريعات المحلية.
وأوضحت في تقارير لها في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أن نظام الإجراءات الجزائية ينص على أنّ الادعاء العام لا يحق له تمديد فترة احتجاز المعتقل لما يزيد عن ستة أشهر كحد أقصى، بعدها يجب الإفراج عنه أو إحالته إلى القضاء، ولكن المادة 19 من نظام مكافحة الإرهاب تنقض هذا الحد.