آل سعود.. بين وساطة لتخفيف التوتر مع إيران والتقرب من روسيا

سيطر الحديث عن وساطة باكستان لتخفيف التوتر بين نظام آل سعود وإيران من جهة وزيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى المملكة من جهة أخرى على المشهد في الأيام الأخيرة.
وقد تكتم نظام آل سعود على نتائج وساطة باكستان حتى الآن في وقت يبقي فيه عجز الرياض في مواجهة طهران هو البارز.
وكان رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان قد نقل المواقف الإيرانية إلى القيادة السعودية أثناء زيارته للرياض، بينما أوردت وكالة الأنباء الرسمية السعودية فقط أن الجانبين تباحثا بشأن المستجدات الإقليمية والدولية والجهود المبذولة خلالها.
ويرى مراقبون أن وساطة باكستان بين آل سعود وإيران بشأن التهدئة بينهما ونزع فتيل التوتر باءت بالفشل بالنسبة للرياض، رغم الترجيحات باختفاء نذر الحرب في المنطقة.
ويرجح المراقبون أن تكون طهران قد طالبت الرياض بتغيير سلوكها في المنطقة، خاصة في ظل حربها في اليمن وعدوان آل سعود وشركائهم في الإمارات على اليمنيين.
وهذا الأمر لا يناسب آل سعود رغم رغبتهم في مواءمة مواقفهم مع المعطيات الجديدة، في المقابل فإن إيران إن أقدمت على أي تنازل فسيكون لقاء حل الخلافات تجاه الولايات المتحدة التي تعتبرها طهران مؤثرا حقيقيا في المنطقة، بخلاف الرياض التي تحركها واشنطن.
ويعتبر المراقبون أن الوساطة الباكستانية ما زالت في مراحلها الأولى، خاصة أن خان يبحث إمكانية استضافة محادثات سلام في الوقت الذي يقوم فيه بوساطة على المسار الأميركي الإيراني.
ويبدو أن هناك شروطا يجب أن تراعيها إيران، تتعلق بوقف مشروعها للصواريخ الباليستية ووقف أذرع الحرس الثوري في المنطقة، وبالتالي فإن عدم تنفيذ تلك الشروط أو تعهد إيران بذلك سيعرقل أي محاولة لمفاوضات جدية بين طهران والرياض.
لكن من الواضح أن إيران تتعامل بأريحية مع ملف الوساطة مع نظام آل سعود، حيث تستمر في رفض الحوار معها، خاصة في ظل توقف مفعول أوراق الضغط الأميركية التي كانت تمارسها ضد طهران، بالإضافة إلى انشغال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية.
في المقابل يواجه نظام آل سعود ضغوطات كثيرة دولية وإقليمية، خاصة بعد تخلي الولايات المتحدة عنه واستخدام إيران ملف اليمن للضغط على المملكة ما يجعل طهران ستستدرج الرياض إلى هذا الحوار من أجل إيجاد شرخ في العلاقة بين المملكة وترامب ومن ثم توظيفه في مفاوضات طهران مع واشنطن.
في هذه الأثناء جاءت زيارة بوتين إلى المملكة بعد تاريخ من التوتر منه خمسون عاما من القطيعة الكاملة.
رسميا وقع الطرفان 30 اتفاقية اقتصادية وتجارية بنحو ملياري دولار وهو ضعف حجم التبادل التجاري بين البلدين.
إذ للمملكة ترتيب متأخر في قائمة الشركاء التجاريين مع روسيا فهي في المرتبة الثامنة والستين.
وقد بحث بوتين في المملكة عدة ملفات بينها النفط، إذ للذهب الأسود حكاية في تاريخ البلدين صاحبي ربع الإنتاج العالمي من النفط.
المملكة في منتصف الثمانينيات كان لها دور في تراجع أسعار النفط أحد أسباب انهيار الاتحاد السوفييتي لكن الرياض عملت مع موسكو جنبا إلى جنب قبل نحو أربع سنوات على مواجهة التراجع الكبير في أسعار النفط.
إذن دا أن تجاوز ملفات تاريخية إشكالية ممكن عبر تغليب المصلحة فلا المملكة اليوم هي كما الأمس ولا روسيا هي الاتحاد السوفييتي ظل على حاله، والمصالح حولت البرود في العلاقات إلى صداقة وفق وصف الرئيس الروسي لكن هل يمكن أن تتكفل بتحويلها إلى شراكة وهل يمكن أن يكون الطريق سالكا إلى كل الميادين ومنها العسكرية؟.
الإجابة تتكفل بها معادلة لا تسلم من التعقيد إن لم تكن مستحيلة في رأي البعض فهي مبتلاة بأرقام صعبة أبرزها واشنطن ولتفكيك هذه الصعوبة ربما اقتنصت موسكو الفرصة بعد الهجوم أرامكو في منتصف سبتمبر الماضي والإحجام الأمريكي عن الرد.
حينها صرح الرئيس الروسي بأن بلاده جاهزة لمساعدة المملكة لحماية شعبها.
يتم ذلك فيما الأزمة الخليجية الداخلية طالت بدون مردود سياسي لمفتعليها والتوتر مع إيران ينحو إلى الحوار وارتد التدخل في اليمن إلى داخل المملكة وهذه ملفات ربما تشكل مدخلا لدور الروسي الفاعل.
يضاف إلى كل ذلك الملف السوري وحاجة روسيا إلى دول الخليج لتمويل إعادة الإعمار إحدى نواقص حل سياسي تراه موسكو قريبا.
لكن في المقابل هل تجديف نظام آل سعود باتجاه روسيا هين وسلس وآمن في محيط من الملفات المتشابكة ومنافسين تربطهم علاقات مرحلية دافئة نظريا على الأقل مع موسكو وفي مقدمتهم طهران وأنقرة.
التحديات وفق مراقبين كثيرة في وجه الرياض للمضي قدما في علاقات استراتيجية أعمق مع موسكو والتي من شأنها لا أن تحدث تغييرا طفيفا أو توازنا أو حتى تحولا بل انقلابا على ما راكمته المملكة طيلة عقود بعيدا عن روسيا وقبلها الاتحاد السوفييتي فهل المملكة جاهزة سياسيا وهل بنيتها التحتية الاقتصادية والعسكرية مهيأة لمثل هذه الانعطافة الحادة.
يكفي مثلا ذكر أن حجم التبادل التجاري بين المملكة والولايات المتحدة يعادل 70 ضعفا ما هو قائم بين روسيا والسعودية ربما يكون من المبالغة الحديث عن منافسة روسيا للولايات المتحدة في الخليج وخصوصا أن الكثيرين يتساءلون عن إمكانية الكبح واشنطن أي محاولة للإتيان بروسيا لموازنة نفوذها في المنطقة فضلا عن أن تكون هذه المحاولات من المملكة صاحبة التحالف العريق والمتشابك مع الولايات المتحدة.