تعزز التهدئة غير المعلنة الحاصلة بين نظام آل سعود وجماعة الحوثيين في اليمن الحديث المتواتر عن مباحثات سرية تشكل خضوعا من المملكة لإنهاء حرب اليمن.
وأعلنت جماعة الحوثيين منذ شهر ونصف وقف هجماتها ضد المملكة فيما أكد مسؤول في نظام آل سعود عن حوار يجري مع الجماعة، ليعزز مجمل التصريحات المعلنة من قبل الطرفين بالميل لإنجاح التهدئة.
وقال المسئول السعودي “نملك قناة مفتوحة مع الحوثيين منذ عام 2016. نحن نواصل هذه الاتصالات لدعم السلام في اليمن”، مضيفا “لا نغلق أبوابنا مع الحوثيين”.
وجاء تصريح المسؤول السعودي متماشياً مع التلميحات التي حملها خطاب محمد بن سلمان خلال توقيع اتفاق الحكومة والانفصاليين، حيث قال إن الاتفاق يفتح “الباب أمام تفاهمات أوسع بين المكونات اليمنية للوصول إلى الحل السياسي الذي ينهي الأزمة اليمنية”.
وعلى الرغم من عدم صدور تأكيد رسمي من قبل الحوثيين بفتح حوار مباشر مع السعودية، إلا أن التطورات خلال الأسابيع الماضية، عززت حالة التهدئة، حيث أفادت مصادر محلية لـ”العربي الجديد”، أن الغارات تراجعت إلى حد كبير في أغلب المحافظات، بما فيها صنعاء، منذ أكثر من شهر مضى.
في المقابل، ومع استمرار الضربات الجوية والمواجهات المتقطعة في المناطق الحدودية لمحافظتي حجة وصعدة اليمنيتين مع مناطق جازان وعسير ونجران من الجانب السعودي على مدى الأسابيع الماضية، فإن الحوثيين لم يعلنوا عن عمليات باتجاه السعودية، منذ إعلان مبادرتهم بوقف الهجمات ضد السعودية في الـ20 من سبتمبر/أيلول الماضي. علماً أن التصعيد الميداني، بلغ ذروته خلال الأسبوعين الأخيرين بالمناطق القريبة من الحدود لمحافظة حجة ومثلها بعض مناطق صعدة.
وسبق أن دخل الحوثيون بحوار مباشر مع المملكة خلال العام 2016، استمر لما يقرب من شهرين بالتزامن مع مشاورات الكويت، وتخللته زيارات رسمية لرئيس الوفد المفاوض عن الحوثيين محمد عبدالسلام إلى مدينة ظهران الجنوب السعودية (قرب الحدود)، إلا أن التصعيد عاد لاحقاً بالترافق مع فشل محادثات الكويت.
كما عقد مسؤولون عن الحوثيين لقاءات غير معلنة، مع سعوديين في العاصمة العُمانية مسقط، والتي تشهد من حين لآخر، لقاءات بين ممثلي الجماعة ودبلوماسيين، بما في ذلك أميركيون، إلا أن هذه الاجتماعات بقيت هي الأخرى، دون نتائج معلنة على الأقل.
ويلقى حوار الحوثيين مع آل سعود تشجيعاً دوليا، إذ بالإضافة إلى التصريحات الأميركية ذات الصلة، أعلن سفير بريطانيا لدى اليمن مايكل آرون، في تصريحات حديثة، أن بلاده التي تعتبر المقرر “حاملة القلم” بشأن اليمن في مجلس الأمن الدولي، ترى أن بالإمكان فصل الحوثيين عن إيران، وأنهم يمكن أن يدخلوا في علاقة ودية مع المملكة.
يشار إلى أن الحوار السعودي مع الحوثيين بقي مطلباً للأخيرة، منذ الشهور الأولى لتصاعد الحرب في العام 2015، إلا أن الأخيرة، ومثلها الأطراف اليمنية المؤيدة للشرعية، ترى أن الحوار على هذا النحو يعزز الرأي الذي يتبناه الحوثيون، باعتبار الأزمة مع السعودية، وليس مع الحكومة اليمنية التي تدعمها الرياض.
من زاوية أخرى، تتعزز المفاوضات السعودية – الحوثية، في ضوء جملة من التطورات المرتبطة بالملف اليمني، ويتصدرها طول أمد الحرب دون تحقيق تحول ميداني يذكر، فضلاً عن الضغوط التي واجهتها السعودية، سواء فيما يتعلق بعلاقاتها الدولية التي تتصل يمنياً بتدهور الأوضاع الإنسانية وبالوضع الكارثي الذي آلت إليه البلاد، أو على صعيد الهجمات الحوثية – الإيرانية، التي وصلت إلى أوجها في سبتمبر/ أيلول الماضي، باستهداف “أرامكو”، وأعقبها توجه سعودي بامتصاص التصعيد مؤقتاً على الأقل.
وكشفت وكالة “رويترز” العالمية للأنباء في تقرير نشرته الشهر الماضي، أن الرياض بصدد دراسة اقتراح للحوثيين المتحالفين مع إيران في اليمن لوقف إطلاق النار.
وقالت “رويترز” حينها إن ذلك من شأنه “تعزيز جهود الأمم المتحدة، خصوصاً إذا تم التوصل لاتفاق لإنهاء حرب مدمرة تؤثر على سمعة الرياض عالمياً”.
وفي 9 سبتمبر الماضي، كشف ديفيد شينكر، مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشرق الأدنى، لأول مرة، عن محادثات ستجري بين الرياض والحوثيين بشكل مباشر، بهدف إيجاد حل مقبول من الطرفين للحرب اليمنية.
وتدور الحرب في اليمن بشكل رئيسي بين جماعة الحوثيين المقربين من إيران، وقوات موالية للحكومة المدعومة من تحالف عسكري بقيادة نظام آل سعود، منذ أن سيطر الحوثيون على مناطق واسعة قبل أكثر من أربع سنوات.
وتسبب النزاع بمقتل عشرات آلاف الأشخاص، وبينهم عدد كبير من المدنيين، بحسب منظمات إنسانية مختلفة. ولا يزال هناك 3.3 ملايين نازح، فيما يحتاج 24.1 مليون شخص، أي أكثر من ثلثي السكان، إلى مساعدة، بحسب الأمم المتحدة التي تصف الأزمة الإنسانية في اليمن بأنها الأسوأ في العالم حالياً.
وبعد نحو 5 سنوات من اندلاعها، سببت الحرب في اليمن انزعاجا كبيرا للولايات المتحدة والمجتمع الدولي، لاسيما أن إدارة “ترامب” واجهت حملات في الكونجرس الأمريكي بسبب تبعات تلك الحرب، وتكلفتها الإنسانية الباهظة، واستمرار دعم واشنطن للتحالف العربي، الذي تقوده الرياض هناك، والذي تسبب بمقتل آلاف المدنيين جراء “الضربات العشوائية” لقواته، على حد قول مسؤولين أمريكيين وغربيين.
وتسارعت الرغبة السعودية في وضع حد للحرب في اليمن، بعد إقدام الإمارات على سحب قواتها من عدة مناطق في البلاد، ما مثل ضربة للتحالف الذي جمع الرياض وأبوظبي هناك، ومثل انتصارا معنويا للحوثيين.