يثير الوضع الذي آل إليه التعليم في المملكة غضب السعوديين، واستمرار التغييرات في المنهج الدراسي، تنشغل وزارة التربية والتعليم بخلافات وحرب باردة مع قيادة الوزارة السابقة، وسط اتهامات من كل طرف للآخر بالتسبب في فشل إدارة التعليم.
ويمر التعليم في المملكة بمستوى منخفض من حيث معايير وجودة التعليم، على الرغم من أن الإنفاق السعودي على التعليم يحتل مرتبة متقدمة على مستوى الوطن العربي.
ومع ضخامة الميزانية لأعوام متتالية، ما يزال الطلاب السعوديون كل عام دراسي يدرسون في مبانٍ حكومية متهالكة تنتظر الصيانة، وسط تغييرات مستمرة في المناهج، وتخوفات من إدراج مواد لا تتناسب مع البيئة السعودية، خصوصاً مع إعلان السعودية، في فبراير 2018، إدراج اللغة الصينية في المنهج، وسحب مناهج دراسية من المدارس والمساجد، وفق التوجيهات الجديدة لولي العهد، محمد بن سلمان.
مؤخراً اندلع خلاف بين “هيئة تقويم التعليم والتدريب”، التي يديرها وزير التعليم السابق الدكتور أحمد العيسى، ووزارة التعليم، التي هاجمت الهيئة على خلفية مؤتمر أقامته مؤخراً، والذي كشف عن تراجع “أداء الطلاب خلال الدراسة في العام الماضي”.
البداية كانت من العيسى، الذي قال في مقال نشره في صحيفة “الحياة” السعودية، في أكتوبر 2019: إن “الاختبارات الوطنية التي أعلنتها هيئة تقويم التعليم يجب ألا تمر مرور الكرام؛ فهي لا تتوافق مع نتائج الاختبارات الدولية التي أجريت الأعوام الماضية، وتؤكد على أن التحصيل العلمي لدى طلابنا لا يزال دون المستوى المطلوب وبعيد عن طموحات قيادتنا وتطلعات شعبنا”.
وأضاف: “هذه النتائج تؤكد على أهمية دعم جهود وزارة التعليم في إيجاد حلول طويلة المدى لرفع كفاءة الأداء في الميدان التربوي، وعدم الاكتفاء بعمليات جراحية تجميلية، وتؤكد أن مستوى التحصيل في مدارس البنات أفضل من مدارس البنين”.
وعلى ضوء ذلك ردت الوزارة في بيان رسمي قالت فيه: “بعيداً عن التنظير؛ تؤكد وزارة التعليم أن النتائج التي أعلنتها الهيئة ليست جديدة عليها، حيث تنبهت في وقت مبكر إلى ضعف نتائج المملكة في مشاركاتها في الاختبارات الدولية عام 2015؛ نظراً لعدم وجود منظومة إصلاحات تعليمية حقيقية خلال السنوات الثلاث الماضية (في عهد العيسى)، أو المحاسبة عليها”.
وأضافت: “كان من الطبيعي أن تظهر نتائج الاختبارات الوطنية خلال 2018 مكملة لما تم الإعلان عنه دولياً في 2015، وهو كذلك ما تتوقعه الوزارة من نتائج اختبارات PIZA الدولية، التي أقيمت في أبريل 2018، وستعلن نتائجها في الثاني من ديسمبر 2019، ومتوقع للأسف أن تعبّر عن فاقد عالٍ في سنوات التعليم”، في إشارة إلى المرحلة التي ترأس إدارة الوزارة الوزير السابق العيسى.
وتكشف هذه الاتهامات إلى أين وصل تدهور التعليم في المملكة، واستخدام الاتهامات بين المسؤولين السعوديين، وتحميل كل منهم الآخر للخروج من دائرة الفشل، وهو ما اتضح من تصريحات سابقة للعيسى أثناء توليه منصب الوزير، قبل عزله في ديسمبر من العام الماضي، وتعيين حمد آل الشيخ بديلاً له.
واعترف العيسى، في أكتوبر 2018، بوجود خلل في التعليم بالمملكة، وقال: “الخلل في نظام التعليم ليس وليد لحظة معينة؛ بل تراكم سنوات طويلة من السياسات التعليمية التي أدت إلى وصولنا للوضع الحالي”.
وواجه الوزير السابق انتقادات في 4 ملفات؛ تتصدرها إجازات المعلمين، وساعة النشاط، والتأمين الصحي للمعلمين، والخصخصة في مدارس التعليم العام، والتي أثارت الجدل داخل الأوساط التعليمية.
العيسى في مقاله أشار أيضاً إلى أن “مشروع إصلاح التعليم يشرف عليه ولي العهد شخصياً من خلال أحد برامج تحقيق الرؤية”، مضيفاً: “إذا ما تم تنفيذه بحسب الخطط والمشاريع والمبادرات المعتمدة له فإنه سيحقق خلال عشر سنوات تغييراً جذرياً في واقع نظامنا التعليمي”.
هذه النقطة دفعت الوزارة، في بيان أصدرته في الـ22 من أكتوبر 2019، للقول إن مشروعها للإصلاح “انطلق منذ 10 أشهر، وهو قائم على رؤية وطنية عميقة، ويطبق واقع الميدان بعيداً عن التنظير، ويحظى بدعم غير مسبوق من القيادة الرشيدة”.
وتخسر المملكة بسبب المقررات الدراسية سنوياً ما يقارب 460 مليون ريال (122.6 مليون دولار)، في ظل إلقاء الطلاب كتبهم في نهاية العام الدراسي.
وذكرت صحيفة “عكاظ”، في فبراير 2019، أن وزارة التعليم تخسر أكثر من 300 مليون ريال سعودي (80 مليون دولار) على المقررات الدراسية سنوياً، حيث كشف الوزير السابق، أحمد العيسى، في سبتمبر الماضي، أن الوزارة قد أوقفت طباعة كتب النشاط لعام 2019؛ وهو ما أدى إلى انخفاض كلفة طباعة الكتب بعد توظيف التقنية، إذ كانت تصل كلفة طباعتها إلى نحو 460 مليون ریال سنوياً.
وأضافت الصحيفة نقلاً عن المتخصص في الطباعة والتغليف والمستثمر بالسوق السعودية، علي العماش: إن “وزارة التعليم ظلت تنفق في فترات سابقة نحو 250 إلى 300 مليون ريال سنوياً على طباعة المقررات، ولا جدوى اقتصادية من إعادة تدوير الكتب المدرسية، أو إلزام الطلاب إرجاعها، خصوصاً أن فكرة تجديد الكتب غير عملية، لا سيما أن ما يمكن تجديده هو الغلاف، وتستحيل إعادتها كما كانت، والتكلفة قد تكون أعلى من طباعتها”.
وقالت المجلة العربية للعلوم التربوية والنفسية السعودية: إن “43% من طلاب المرحلة الابتدائية بمدارس المملكة يلقون كتبهم في نهاية العام الدراسي، مقابل 40% لطلاب المتوسط، و17% لطلاب الثانوي، في حين أكد 71% من الطلاب أن ذلك لا يعني عدم رضاهم عن المعلم”، وفق الصحيفة.
ورغم الخلافات والاتهامات بين الإدارتين السابقة والحالية لوزارة التعليم بالمملكة فإن الغضب لا يزال يسود في أوساط المعلمين، الذين خرجوا عن صمتهم بسبب الإجراءات المستمرة من وزارة التربية والتعليم في البلاد، والتي وصفوها بـ”الظالمة” وغير المهنية، بعدما وضعت الأخيرة قيوداً تعجيزية قبل صرف علاوتهم السنوية المستحقة.
وارتفع صوت المعلمين السعوديين منذ مطلع سبتمبر الماضي، بعد إعلان وزير التربية والتعليم، حمد آل الشيخ، لائحة خاصة لمنح العلاوة السنوية ضمن سُلَّم الرواتب؛ تتضمن عدة شروط يجب على المعلم استيفاءها كشرط للحصول على حقه الذي أقره النظام السعودي.
وأثار قرار آل الشيخ غضب المعلمين، حيث ربط منح العلاوة السنوية للمعلمين المبدعين والمتميزين، بعد إرسال قائدي وقائدات المدارس أسماءهم، مع تغييرات واشتراطات جديدة سيتم وضعها قبل صرف المكافآت.
وتشترط لائحة وزارة التربية والتعليم السعودية الجديدةُ أيضاً أن يحصل المعلم على رخصة مزاولة المهنة بعد اجتيازه اختباراً خاصاً بها، وفي حال عدم الحصول عليها يُحرم من العلاوة السنوية، وفق رؤية 2030 التي أطلقها ولي العهد.