يجمع مراقبون على أن التعديل الوزاري الأخير في المملكة شكل تعزيزا لتوجهات ولي العهد محمد بن سلمان فيما حمل عودة لشخصيات فاسدة للواجهة أبرزها خالد الفالح.
ويقول المراقبون إن هدف التعديل الأخير إعادة هيكلة مؤسسات المملكة بشكل يخدم توجهات بن سلمان بما يتماشى مع رؤيته الاجتماعية والاقتصادية وتعزيز نفوذه دخل هذه المؤسسات.
واستحدث نظام آل سعود ثلاث وزارات للسياحة والاستثمار والرياضة، حسبما جاء في قرارات ملكية لدعم سياسة الانفتاح الاجتماعي والاقتصادي التي يقودها بن سلمان.
واستثمرت المملكة في السنوات الأخيرة ملايين الدولارات في قطاعي السياحة والرياضة أملا في استقطاب الزوار الاجانب والمستثمرين بهدف تنويع اقتصادها المرتهن للنفط لكن النتائج لا تزال مخيبة.
وبدأت المملكة نهاية العام الماضي بإصدار تأشيرات سياحية لمواطني 49 دولة اوروبية وأميركية وآسيوية.
وقرر الملك سلمان تحويل الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، والهيئة العامة للاستثمار، والهيئة العامة للرياضة، إلى وزارات للسياحة والاستثمار والرياضة على التوالي.
وتضمنت القرارات الملكية أيضا دمج وزارات وتكليف وزراء بمهام وزارية إضافية.
وقرر الملك سلمان ضم وزارة “الخدمة المدنية” إلى وزارة “العمل والتنمية الاجتماعية” وتعديل اسمها ليصبح “وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية”.
كما قرّر إعفاء وزير الإعلام تركي بن عبدالله الشبانة من منصبه الذي تولاه قبل أشهر وتكليف وزير التجارة ماجد بن عبدالله القصبي بوزارة الإعلام بالإضافة إلى عمله. وكلّف كذلك وزير الإسكان بعمل وزير الشؤون البلدية والقروية بالإضافة إلى عمله.
وشمل التغيير عودة خالد الفالح كوزير للاستثمار. وكان الفالح أقيل في أيلول/سبتمبر الفائت من منصبه كوزير للطاقة.
وفي حينه جرد محمد بن سلمان خالد الفالح من آخر منصب رسمي له في المملكة وذلك بعد تردد تقارير عن خلافات بين الرجلين بسبب أزمة طرح شركة أرامكو النفطية للاكتتاب العام.
وتم تجريد الفالح من أخر مناصبه الرسمية وهو رئاسة مجلس إدارة شركة التعدين العربية السعودية “معادن” عبر تعيين ياسر الرميان محافظ صندوق الاستثمارات العامة رئيسا لمجلس إدارتها.
وأشرف الفالح على أكثر من نصف اقتصاد المملكة من خلال وزارة طاقة عملاقة تأسست في 2016 للمساهمة في تنفيذ إصلاحات جديدة بشكل سلس.
ورغم الخطط الطموحة للصناعة والتعدين، فإن هذه القطاعات لم تشهد غير تحسن ضعيف نسبي.
وبعد أن كان الفالح يشرف على أكثر من نصف الاقتصاد في المملكة من خلال وزارته الضخمة “وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية”، التي تأسست في العام 2016 للمساعدة في تنسيق الإصلاحات الجديدة التي تبناها محمد بن سلمان والمتعلقة برؤية 2030، وجد الرجل نفسه فجأة في الشارع وفاقداً لكل المناصب خلال فترة وجيزة دون أن يعرف أحد السبب الحقيقي وراء كل هذا الغضب الجماعي والمفاجئ على رجل الطاقة والنفط الأقوى في العالم.
وكانت تعددت التفسيرات وراء الإطاحة بخالد الفالح بهذا الشكل السريع، منها مثلاً ما قيل عن معارضته طرح أسهم شركة أرامكو، وتعثر عملية الطرح في الأسواق الدولية خلال الفترة الماضية، لكن هذا السبب قد يبدو غير مقنع، إذ أن راسم السياسة النفطية في المملكة ليس هو وزير الطاقة والنفط، بل الملك وولي عهده.
ومنها ما قيل عن نقص الاستثمارات الأجنبية في قطاع الصناعة والتعدين، فلم يحرز الفالح أي تقدم يذكر نسبياً كما تردد، كما وأد كثيراً من المشروعات الاستثمارية المتعلقة بأرامكو وقطاع الطاقة حسب سعوديين على علاقة بالأمر.
وهناك من تحدث عن وجود تصدعات داخل وزارة الطاقة خلال فترة تولي الفالح المنصب، وهو ما دفع بصانع القرار إلى تقليص صلاحيات الرجل وسحب وزارة الصناعة والثروة المعدنية منه، ثم تجريده من سلطته الكاملة على القطاع وتوابعه.
ويعاني اقتصاد المملكة على وقع انخفاض اسعار البترول، وفشل نظام آل سعود في جلب لاستثمار وخلق فرص عمل في القطاعات غير النفطية الرئيسية كالسياحة والرياضة والترفيه.
ونظّمت المملكة العديد من الأحداث الرياضية الكبرى، فمطلع العام استضافت رالي دكار أحد أهم سباقات السيارات بالعالم، كما استضافت كأس السوبر الإيطالية والإسبانية بمشاركة أبرز نجوم الكرة العالمية كريستيانو رونالدو والارجنتيني ليونيل ميسي وغيرهما.
والأحد، عينّ وزير الثقافة الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان، جهاد بنت عبدالإله الخالدي رئيسة تنفيذية لهيئة الموسيقى، وهي واحدة من 11 هيئة ثقافية جديدة أطلقتها وزارة الثقافة السعودية.
وأعلن الخالد إطلاق مشروع “الموسيقى للجميع” في المملكة في تصعيد لانقلاب محمد بن سلمان على قيم ومبادئ المجتمع السعودي المحافظ.
وشهدت المملكة أخيرا وضع حد لدور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي كانت بمثابة شرطة دينية في البلاد. وبات انتشار عناصرها محدودا بل حتى معدوما ما سمح لبعض النساء بالسير دون عباءة أو غطاء للرأس خصوصا الأجنبيات.
ويأتي التعديل الحكوميّ بينما تحاول المملكة تحسين صورتها التي تضررت إلى حد كبير في أعقاب مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول في 2018، ما أثار تنديدا دوليا واسعا وثبوت دور محمد بن سلمان الحاكم الفعلي للبلاد في الجريمة.