أبرز تحقيق أمريكي أن التطرف يمثل سمة نظام حكم آل سعود وهو ما يمثل خطرا على سمعة المملكة وعلاقاتها الخارجية.
وقال التحقيق الذي نشرته مجلة “ناشونال إنترست” الأمريكية إنه “في الوقت الذي تعيد فيه السعودية تعديل عقدها الاجتماعي لتبتعد عن الدين إلى الوطنية فإنها تقوم بحرف السلطة من المتطرفين الدينيين الذين أثروا على سمعتها وأمنها”.
وأضاف التحقيق أن المملكة “منحت القوة لنسخة جديدة من القومية المفرطة والتي وإن لم ترغب بتحقيق العنف والخلافة العالمية كما أراد المتشددون مثل أسامة بن لادن إلا أن ممثلي الموجة الجديدة يمثلون خطرا ليس على سمعة المملكة بل على جارتها المستقلة فكريا وعلى علاقاتها مع الغرب”.
ويشير التحقيق إلى أن محمد بن سلمان ومساعديه من القوميين المفرطين مثل سعود القحطاني وعملاؤه في مركز دراسات الشؤون الإعلامية الذين قاموا بشن حملة واسعة ضد الناشطين والأكاديميين والشخصيات العامة لتحويل العقد الاجتماعي السعودي من ديني – قبلي إلى قومية حديثة، وما يدفع هذا التحول عدة أمور وفي مركزها العقد الاجتماعي السعودي الذي عفا عليه الزمن.
فقد قامت المؤسسة الدينية خاصة بعد حصار الحرم عام 1979 بربط المجتمع السعودي مع العائلة المالكة. ولكن التدين السعودي يتغير بشكل قوض من قوة رجال الدين لجذب الأتباع إليهم. فلم يعد نظام الرفاه الاجتماعي من المهد إلى اللحد قابلا للحياة. ففي الماضي كانت الرياض تستطيع ضخ الأموال للمواطنين والمناطق لشراء الولاء تجد الدولة اليوم نفسها أما تحد لتحويل السكان إلى مواطنين منتجين والاستفادة من القطاع الخاص الذي يتطور. ولأن أعمدة الدين والاقتصاد ضعفت في المملكة بحثت السعودية عن القومية كوسيلة لشحن العلاقة المتوترة بين الحكام والمحكومين.
وهي خطوة مثيرة خاصة أن القومية السعودية فكرة جديدة ولم يتم الاحتفال بالعيد الوطني السعودي إلا عام 1995 ويعترف به كيوم عطلة. ولم تبدأ العطلة تأخذ زخما في القطاع العام إلا في السنوات الماضية. وطالما نظر ملوك السعودية للقومية على أنها نوع من التودد للقوى المعادية للملكية والقومية العربية التي تبناها جمال عبد الناصر، ولهذا السبب حاولوا تقييد نموها.
واليوم تقوم المملكة بتبني الفكرة وبحيوية بالغة لتعزيز عقدها الاجتماعي. وعلى هامش الحركة القومية النامية هناك قومية مفرطة مكونة عادة من الرجال والشباب الذين يحرسون وسائل التواصل الاجتماعي، وفي بعض الأحيان على وسائل التواصل الناطقة باللغة الإنكليزية. وساعدوا على خلف سردية جديدة لسمعة المملكة وأسسوا لخطوط حمر يجب على الرياض أخذها بالاعتبار عندما تفكر بتشكيل سياسات.
ففي عام 2018 وحده قاموا بإثارة التوتر الكندي-السعودي ورحبوا باعتقال الناشطات المطالبات بحقوق المرأة وأثنوا بحماس على الإعدامات الجماعية للمعارضين السياسيين وبرروا جريمة قتل وتقطيع جمال خاشقجي. وتحملوا في الوقت نفسه مسؤولية الحفاظ على النظام العام وهو الدور الذي كان رجال الدين يتحملونه.
وفي الوقت الذي تختفي فيه محرمات المؤسسة الدينية تحل محلها القومية المفرطة وتقوم بقيادة الرأي العام. وأحيانا ما تكون القومية المفرطة وسيلة مفيدة للحفاظ على النظام العام وتشكيل سياسات. ومع حصول القومية على مصداقية يصبح عدم ارتياح المؤسسة الدينية من الإصلاح الاجتماعي غير مهم، خاصة فيما يتعلق بالسماح للمرأة بقيادة السيارة والعمل والسفر بحرية.
رغم الضربة التي تعرضت لها الدعاية الجهادية بهزيمة تنظيم “الدولة” إلا أن الشباب في قلب المناطق الداخلية ممن حرموا من منافع التحولات المتسارعة لا يزالون يجدون عزاء في الدعاة المتشددين.
كما وتسهم هذه القومية المفرطة بعزل المتطرفين الدينيين داخل السعودية، فرغم الضربة التي تعرضت لها الدعاية الجهادية بهزيمة تنظيم “الدولة” إلا أن الشباب في قلب المناطق الداخلية ممن حرموا من منافع التحولات المتسارعة لا يزالون يجدون عزاء في الدعاة المتشددين.
وقد يكون لهذه القومية منافع عسكرية حيث سيجد الجنود فيها إلهاما للتضحية والدخول في عمليات خطيرة. كما ويسمح للرياض تبني نهجا صداميا مع منافسيها مثل إيران وتخفيف التعب البادي من طول التدخل السعودي في اليمن. وفي بعض الأحيان كانت القومية المفرطة خطرا على السمعة والسياسة في سياق محاولات السعودية جذب المستثمرين الخارجيين وبناء تحالفات استراتيجية.
وكان القحطاني ملاما في العملية الفاشلة التي أدت لمقتل جمال خاشقجي ووترت علاقة السعودية مع الكونغرس. وقادت القومية المفرطة الجهود في الشجار الذي حدث بين السعودية وكندا في آب (أغسطس) 2018 بحيث عرض العلاقة الطويلة في التعاون التعليمي للخطر وأدت لقطع العديد من الطلاب دراساتهم هناك.
كما أثارت التوتر مع إيران، ففي افتتاحية نشرتها صحيفة “أراب نيوز” في أيار (مايو) 2019، دعت الصحيفة التي تعد جزءا من شركة التسويق والأبحاث التي تعد عجلة رئيسية في دفع الخطاب القومي إلى غارات عسكرية عقابية ضد إيران وانتقاما للهجوم على ناقلات النفط في خليج عمان والغارات الصاروخية التي ينفذها الحوثيون ضد السعودية.
والتطور المستمر للكرامة الوطنية يمثل تحديا دبلوماسيا لكل من الرياض وحلفائها. فهي وإن لم ترحب بالمواقف الأجنبية من شؤونها الداخلية إلا أنها تجاهلت الرأي العام باسم أمن الدولة كما فعلت عندما بررت استقبال القوات الأجنبية بقيادة أمريكية عام 1990 لطرد القوات العراقية من الكويت، وكما فعلت في الفترة الماضية عندما توصلت لتفاهم مع إسرائيل لمواجهة إيران. وأكثر من هذا اظهر القوميون المفرطون قلة تسامح مع الخروج عن الرأي.
ونالت قطر القسط الأكبر من هجماتهم. وأصبح الحصار المفروض عليها مشبع بنغمة قومية لا يمكن التخلص منها لو وجدت الرياض لاحقا نوعا من التفاهم مع الدوحة. وتواجه الكويت وعمان مستقبلا هجمات هؤلاء. وكان سلطان عمان، قابوس بن سعيد مستقلا للتعامل مع إيران أكثر من قطر ولمواجهة ضغوط الرياض.
وكان السلطان قابوس سببا في إفشال خطة سعودية لتقوية مجلس التعاون الخليجي وتحويله إلى وحدة عام 2013. وهو ما أغضب السعودية وطموحها لتحويل المؤسسة الخليجية لمؤسسة أكثر قوة قادرة على مواجهة التأثير الإيراني. ولم تنضم عمان إلى التحالف السعودي ضد قطر وقامت بدعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تشرين الثاني (نوفمبر) 2018 لتقوية تحالفها مع أمريكا. وسمحت لبريطانيا فتح قاعدة عسكرية لها في عمان وهي الأولى منذ عام 1970. وأخيرا تواجه العلاقة الكويتية-السعودية تحديا من ناحية الخلاف على حفل نفطي حدودي.
وربما منحت القومية السعودية بدعم لكي تقف ضد المطالب الخارجية الداعية لتغيير السلوك. فمع زيادة الضغوط عليها لتغيير سلوكها في اليمن وتصحيح ملف حقوق الإنسان تصبح القومية وسيلة للتأكيد على سيادة البلاد. وهذا تحول عن أيام جورج دبليو بوش الذي ضغط على الملك عبد الله لعقد انتخابات محلية، وسيجد حلفاء أمريكا أنه كلما حقق القوميون مكاسب كلما أصبح عقل المسؤولين مغلقا.