نظام آل سعود يكرس التطبيع مع إسرائيل كواقع عملي
كرس نظام آل سعود بخطوات تدريجية التطبيع مع إسرائيل -الذي ظل لسنوات يتخذ طابع السرية- إلى واقع علني وأمر واقع متجاوزا المعارضة الشعبية لأي علاقات مع دولة الاحتلال.
وجاءت خطوات إسرائيل بإقرار إصدار تصاريح لمواطنيها من أجل زيارة المملكة بمثابة قفزة نوعية في التصعيد غير المسبوق لوتيرة التطبيع مع نظام آل سعود.
وأعلنت وزارة الداخلية الإسرائيلية أنها صادقت على منح إسرائيليين تصاريح زيارة للمملكة في خطوة تمت بالتنسيق مع نظام آل سعود الذي يتورط برفع وتيرة التطبيع منذ وصول والي العهد محمد بن سلمان إلى السلطة.
وتضمن قرار وزارة الداخلية الإسرائيلية السماح للإسرائيليين بزيارة المملكة، بالتنسيق مع وزارة الخارجية وجهات معنية أخرى.
وبحسب القرار ستسمح الخطوة للإسرائيليين بزيارة السعودية لأداء مناسك الحج والعمرة ولحضور اجتماعات مع رجال أعمال.
ويعمد نظام آل سعود عبر مرتزقة له إلى فرض تدريجي للتطبيع مع إسرائيل من خلال تبادل زيارات مثيرة للجدل يهدف من ورائها التمهيد لإخراج علاقات التطبيع السرية منذ عقود إلى العلن.
ويؤكد معارضون أن قرار إسرائيل بالسماح لمواطنيها بزيارة المملكة هو تتويج لمجموعة من الخطوات السابقة التي قام بها الديوان الملكي ومهدت لهذه المرحلة من التطبيع.
كما أن القرار الإسرائيلي يأتي تتويجا لمجموعة الخطوات التي تم التنسيق فيها بين نظام آل سعود وإسرائيل، ومن ذلك زيارات متكررة لمرتزقة النظام إلى إسرائيل وزيارات مسئولين وصحفيين إسرائيليين إلى المملكة.
وبموجب المرسوم، سيسمح أيضا لفلسطينيي 48 بالسفر إلى السعودية بالجواز الإسرائيلي من أجل تأدية مناسك الحج والعمرة، مما يعني تطلع تل أبيب لإنهاء الوصاية الأردنية على الحجيج من فلسطينيي 48، الذين كانوا يدخلون المملكة بموجب جواز سفر أردني مؤقت.
كما يجيز المرسوم لليهود حملة الجواز الإسرائيلي السفر إلى السعودية والمشاركة في مؤتمرات تجارية واقتصادية واجتماعات عمل مع رجال أعمال سعوديين وعرب، أو البحث عن فرص للاستثمار التجاري بين البلدين.
ويشترط المرسوم ألا تتخطى مدة إقامة اليهودي الإسرائيلي في السعودية 90 يوما كحد أقصى، وذلك شريطة أن يكون مقدم الطلب للجهات الإسرائيلية قد حصل على تأشيرة من السعودية ويحمل دعوة من مسؤول أو جهة رسمية أو شركة تجارية.
تجدر الإشارة إلى أن منح السلطات الإسرائيلية التصريح للسفر ودخول السعودية مشروط بأن مقدم الطلب ليس لديه أي موانع قانونية لمغادرة إسرائيل.
ويترافق ذلك مع تصعيد نظام آل سعود حملته لمعاداة المقاومة الفلسطينية وشيطنتها ووصفها بالإرهاب وسجن أكثر من 60 فلسطينيا منهم مسئول التنسيق في المملكة لحركة المقاومة الإسلامية “حماس” محمد الخضري.
وإكمالاً لمسيرتها التطبيعية مع إسرائيل جاءت مؤخرا زيارة مسؤول رفيع في نظام آل سعود، معسكر الإبادة الجماعية لليهود في بولندا إبان الحرب العالمية الثانية، أوشفيتز، وذلك بالتزامن مع إحياء الذكرى الـ75 لـ “الهولوكوست”.
وجاءت زيارة وزير العدل السابق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى، يوم الخميس الماضي على رأس وفد إسلامي رفيع المستوى من علماء العالم الإسلامي من مختلف المذاهب، مصحوباً بقيادات دينية أخرى (مسيحية ويهودية) توجهوا إلى موقع الإبادة الجماعية في سربرنتسا في البوسنة والهرسك، ومعسكر الإبادة الجماعية في أوشفيتز ببولندا.
يأتي هذا ضمن جولة دولية في عدد من المواقع التي تعرضت للظلم والاضطهاد، للتأكيد على التنديد بتلك الجرائم البشعة دون استثناء أي منها، حسبما نقل الموقع الرسمي لرابطة العالم الإسلامي.
رجال دين إسرائيليون أعربوا عن اعتقادهم بأن العيسى يحظى بدعم القيادة في الرياض للقيام برحلة إلى أوشفيتز، حيث لم يكن ليجري الزيارة دون طلب من ولي العهد محمد بن سلمان.
وقد اعتبر الرئيس التنفيذي للجنة اليهودية الأمريكية ديفيد هاريس، أن زيارة محمد العيسى إلى بولندا “تمثل أرفع وفد على الإطلاق لزعماء دينيين مسلمين يقومون بزيارة أوشفيتس”، بحسب صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”.
وجاءت زيارة العيسى تنفيذاً لاتفاق موقّع بين اللجنة اليهودية الأمريكية ورابطة العالم الإسلامي، والذي نص على قيام الأمين العام للرابطة بالمشاركة في رحلة إلى أوشفيتز.
احتفاء كبير بزيارة العيسى أبدته مؤسسات وشخصيات صهيونية، حيث نشرت صفحة “إسرائيل بالعربية” التابعة للخارجية الإسرائيلية، مقطع فيديو يظهر الوزير السعودي الأسبق وهو يصلي في مقر معسكر أوشفيتز.
وفي تغريدة أخرى، نشر حساب تويتر التابع لـ “إسرائيل بالعربية”، صورة احتضان العيسى لرجل دين يهودي، معلقا عليها بأنها “صورة بألف كلمة”، معبرا عن اللقاء بـ “ترحاب أخوي يفتح صفحة جديدة من التسامح”، بحسب تعبيره.
وقال باول سافيسكي، وهو مسؤول في المكتب الإعلامي في المتحف لتخليد ذكرى أوشفيتز: إنه “في حين أن شيوخ وقادة ونشطاء مسلمين وعرب قاموا في السابق بزيارة المعسكر، ولكن يبدو أن العيسى هو أكبر زعيم ديني يزور الموقع”، بحسب صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”.
وفي 3 مايو/أيار الماضي، كشفت الخارجية الإسرائيلية أن وفداً يهودياً سيزور المملكة بناء على دعوة من رابطة العالم الإسلامي، وذلك خلال توقيع اتفاقية تعاون بينها وبين مؤسسة نداء الضمير الأمريكية لتعزيز قيم الوئام والتطرف.
اتفاق الزيارة بررته رابطة العالم الإسلامي في تغريدة على حسابها في تويتر بكونها ليست زيارة لوفد ديني خاص، ولكنها لوفد أمريكي مستقل ومتنوع دينيا، ومهتم بقضايا اللاجئين السوريين، والمجازر ضد الروهينغا.
وأشادت وزارة الخارجية الإسرائيلية بمشاركة مشايخ مسلمين إضافة إلى الوفد السعودي في إحياء ذكرى المحرقة في أوشفيتز، ووصفت الزيارة بـ “المهمة والتاريخية”، حسب مصادر صحفية.
نفس المعنى أكده زعيم تحالف “أزرق أبيض”، بيني غانتس، الذي ينافس على تشكيل الحكومة الإسرائيلية المقبلة، إذ كتب تغريدة قال فيها إن “مشاركة الوفد الإسلامي والسعودي في إحياء ذكرى المحرقة في بولندا، خطوة مهمة وتاريخية”.
وأوضح أن “هذه المشاركة للوفد السعودي تعكس التحولات والمتغيرات المهمة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، وتعبّر عن الفرص الجوهرية والمهمة التي تتوفر أمام إسرائيل”.
في مقابل ترحيب إسرائيل والمجتمع اليهودي بهذه التحركات، أثار الحدث غضب واستياء المغردين العرب والمسلمين الذين نددوا بتصعيد المملكة وتيرة التطبيع مع إسرائيل.
ويأتي هذا التصعيد في التطبيع مع استعداد الولايات المتحدة الأمريكية لطرح خطتها لتصفية القضية الفلسطينية المعروفة إعلاميا باسم “صفقة القرن” والتي يتولى بن سلمان دورا مشينها في دعمها.
وحسب صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية فإن صفقة القرن الأمريكية ستشمل فترة تحضير مدتها 4 سنوات، وإنها تنص على إقامة دولة فلسطينية منزوعة السيادة من دون أن تكون القدس عاصمة لها.
وحسب معلومات من مسؤولين إسرائيليين تحدثوا لها، أشارت الصحيفة إلى أن الخطة تتضمن تحديد فترة تحضيرية انطلاقا «ن قناعة أمريكية بأن الرئيس الفلسطيني محمود عباس سيرفض تنفيذها، لكن ربما يقبلها خليفته، وفق قول الصحيفة، وخلال فترة التحضير لتنفيذ الصفقة سيتم تجميد البناء في كل المنطقة (ج) في الضفة الغربية التي تسيطر عليها إسرائيل، ما يعني أن بإمكان إسرائيل مواصلة النشاط الاستيطاني داخل المستوطنات القائمة من دون توسيعها.
وتقترح صفقة القرن إقامة دولة فلسطينية على مساحة 70% من الضفة الغربية، يمكن أن تكون عاصمتها بلدة شعفاط شمال شرقي القدس، وتُبقي على 15 مستوطنة معزولة تحت السيادة الإسرائيلية، رغم عدم وجود تواصل جغرافي لهذه المستوطنات مع إسرائيل.
كما ستبقي على مدينة القدس المحتلة تحت “سيادة إسرائيل”، بما في ذلك المسجد الأقصى والأماكن المقدسة التي تُدار بشكل مشترك بين إسرائيل والفلسطينيين. وتقترح الصفقة 50 مليار دولار لتمويل المشروعات في المناطق المخصصة لإقامة الدولة الفلسطينية.
وحسب الصحيفة فإن مصادر مقربة من البيت الأبيض قالت إن بن سلمان سيكون ضمن آخرين في الخليج تعهّدوا أمام الأمريكيين بتوفير المبلغ المطلوب.