بين التسلط والرغبة بالانتقام.. سمات التهور تسيطر على بن سلمان
تسيطر سمات التخبط على ولي العهد محمد بن سلمان بين نهج التسلط والرغبة بالانتقام وما يجعله مؤهلا لزعامة “مافيا” وليس زعامة “دولة ” مثل بلاد الحرمين الشريفين.
أبرز سمات بن سلمان والتي انعكست بشكل مباشر على فترة حكمه هي أنه شديد الانتقام ضد كل من يعارضه وهو يشعر بالنصر الكاذب على خصومه.
ويعرف عن بن سلمان أنه متسلط يرفض أراء الأخرين ويعمل على استعباد المؤيدين له ويرى نفسه المنقذ الوحيد للأزمات وهو متهور لا يرى نتائج أفعاله السلبية ويعتمد على قدراته العقلية في اتخاذ القرارات بعيداً عن المتخصصين.
كما يعرف عن بن سلمان أنه يغار بشكل كبير من أصحاب القدرات الشخصية المتميزة ويسعى لإيذائهم وإبعادهم وهو كثير الكذب أمام الإعلام ويركز على ذاته ويبني هالة ايجابية حول نفسه.
واتخذ بن سلمان سلسلة قرارات خاطئة ومتهورة تنم عن غياب الخبرة والحكمة، اتخذها بن سلمان منذ مبايعته قبل نحو 3 سنوات، أزعجت النظام المؤسس بالدولة.
ومؤخراً، أمر بن سلمان باعتقال أكثر من 20 أميراً بتهمة “الخيانة العظمى”، على رأسهم عمه الأمير أحمد بن عبد العزيز الذي يراه أكبر منافس له على العرش، وابن عمه ولي العهد السابق محمد بن نايف، والأمير نواف بن نايف.
وحملة اعتقالات أعادت إلى الأذهان السجل الأسود لزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون الذي قام في 2013 بإعدام عمه جانغ سونغ تك؛ الرجل الثاني بالبلاد، بتهمة الخيانة العظمى أيضا، فيما قالت هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، إن كيم أعدم رمياً بالرصاص 15مسؤولاً رفيعاً بالدولة لاعتراضهم على سلطته.
اعتقال بن سلمان لعمه الأمير أحمد ابن الملك المؤسس، يعد واقعة لافتة، وفي حال أدت هذا الخطوة إلى ردود فعل عكسية، فإن ذلك سيعلن بدء مرحلة دموية من الصراع على السلطة داخل الأسرة الحاكمة.
ففي 1960، قام الملك فيصل بالانقلاب على أخيه سعود بن عبد العزيز، إلا أن معظم أفراد الأسرة الحاكمة دعموا هذا الانقلاب بذريعة أن الملك سعود عاجز عن إدارة المملكة، غير أنه لا يمكن القول إن الخطوة الخطيرة التي أقدم عليها بن سلمان قد حظيت بنفس الدعم، وبالطبع لا يمكن تجاهل موافقة ودعم الملك سلمان الذي أفسح الطريق أمام نجله، مع أنه يُعتقد أن موافقة الملك سلمان على ذلك لم يكن قراراً صائبا بالنظر إلى تراجع حالته الصحية.
والثابت أن اعتقال بن سلمان لعمه وأبناء عمومته يجعله وحيداً، ورغم أنه لا يمكن الحديث عن الديمقراطية في الأنظمة الملكية، إلا أن كل سلطات وصلاحيات الأسرة الحاكمة لا تتجمع في الملك فقط، ولكن حتى هذا التقليد يبدو أن بن سلمان يسعى للقضاء عليه وجمع كل القوة في يده.
كان بن سلمان يخشى عمه الأمير أحمد ويرى أنه يشكل عائقاً مهماً أمامه في طريقه إلى العرش، لأن أبرز الأسماء في الأسرة الملكية كانت ترغب في تعيين الأمير أحمد رئيساً لهيئة البيعة، وكان تولي الأمير أحمد رئاسة هيئة مهمة وحساسة بالدولة سيمنحه نفوذا أكبر، خصوصا أنه يحظى باحترام المحيطين به، كما أنه لم يقم بعد بمبايعة بن سلمان ولياً للعهد بالإضافة إلى أنه منزعج من سياسات ابن أخيه.
حتى أن أبرز الأسماء في النظام المؤسس للمملكة الذي يدير الدولة منذ نحو مئة عام، تشعر بالانزعاج من السياسات الداخلية والخارجية التي يرسمها بن سلمان في ظل أبيه المريض وبالتنسيق مع ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد.
الكاتب السعودي عبد الله بن عبد الكريم السعدون، اعتبر في مقال نشرته صحيفة “الرياض” السبت الماضي تحت عنوان “درس في الزعامة”، أنه من الضروري أن يتلقى قادة وزعماء المستقبل تعليماً بخصوص تقدير أفكار وقناعات مستشاريهم ومعاونيهم، واحترام العمل الجماعي ورأي الأغلبية.
عقب تولي بن سلمان ولاية العهد بحوالي 5 أشهر، قام بحملة توقيف بذريعة محاربة الفساد، شملت ابن الملك عبد الله الأمير متعب، والملياردير السعودي الوليد بن طلال وعشرات الأمراء والوزراء، واحتجزهم في فندق بالرياض.
وفسر البعض الخطوة على أنها محاولة لإسكات المقربين من الملك السابق عبد الله وإخماد أي محاولة للتمرد، وبعد ذلك أًطلق سراح هؤلاء الأمراء في صفقة سرية تقضي بتنازلهم عن قسم كبير من ثرواتهم مقابل إطلاق سراحهم، وبذلك تمكن بن سلمان من تحييد منافسيه المحتملين كما حصل على ميزانية إضافية بقيمة 100 مليار دولار.
وأكثر خطوات بن سلمان التي سببت انزعاجاً في أوساط الأسرة الملكية هي الاستثمارات التي قام بها بقطاع الترفيه، إذ لم تشهد السعودية أبداً استثمارات بهذا القدر في قطاع الترفيه قبل توليه ولاية العهد.
واستضافت المملكة أكثر من 5 آلاف فعالية ترفيهية بالعام الماضي فقط. وصرح القائمون على هذه الأنشطة أنه ستُضخ استثمارات بقيمة 64 مليار في قطاع الترفيه بالسنوات العشرة المقبلة، كما تم إنفاق أموال ضخمة على حفلات لمطربين عالميين أقيمت بجوار الأراضي المقدسة.
ومن الخطوات الأخرى المزعجة قراره تغيير محتويات الكتب الدراسية في خطوة تسببت في حدوث صدع في تحالف السلطة والعلماء التقليدي. كما أدى تحركه مع واشنطن في حملة مشتركة تحت مسمى “الإسلام المعتدل” لمواجهة “الإسلام المتطرف” بذريعة أنه يشرعن العنف، إلى حالة من الانزعاج لدى أوساط العلماء ممن لهم نفوذ على أفراد الأسرة الملكية.
وللتغطية على ذلك، قام باعتقال نحو 400 عالم من المعارضين لسياساته بتهمة الانضمام إلى جماعة الإخوان مثل سلمان العودة وعوض القرني، بينما استخدم بعض العلماء والدعاة المؤيدين له كأبواق تؤيد سياساته مثل عبد الرحمن السديس وعائض القرني وصالح المغامسي.
ويقوم ولي العهد الشاب بإغراء الغرب بعدة خطوات مثل الفعاليات الترفيهية والرياضية، وحقوق المرأة من أجل إفساح الطريق أمامه لعرش المملكة، وفي الأثناء يسعى من وراء الستار لتصفية معارضيه في الداخل والخارج وتعزيز موقعه بالقصر.
ومن أبرز سياسات المتهورة إدخاله المملكة في حرب على اليمن منذ مارس/ آذار 2015 عامها السادس، ليتضح أنها فشلت فشلا ذريعاً، وأدت إلى قيام الحوثيين باستهداف العديد من النقاط الاستراتيجية داخل المملكة على رأسها منشآت نفطية تابعة لشركة “أرامكو”.
كما تسببت الحرب بمقتل آلاف المدنيين في اليمن، ومع سحب الإمارات لقواتها، أصبحت السعودية وحيدة في اليمن، والآن تسعى الرياض إلى التوصل لاتفاق مع الحوثيين بوساطة من سلطنة عمان.
ويعد السبب الرئيسي لهذا الإخفاق والموقف الصعب الذي وقعت فيه المملكة السياسات المتهورة لولي العهد الشاب.