التخبط يسيطر على نيوم السعودية وسط توالي فضائح المشروع

يسيطر التخبط على مشروع مدينة نيوم الذي يروج له ولي العهد محمد بن سلمان مع الكشف عن أن الرئيس التنفيذي سيغادر المشروع بصورة مفاجأة بعد تأخيرات وتجاوزات في التكاليف.

وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن الرئيس التنفيذي لمشروع نيوم ناظمي النصر تم تنحيته، في وقت يعاني المشروع من تأخيرات وتجاوزات في التكاليف وتدوير الموظفين، حيث يُعد هذا القرار تغييراً كبيراً في قيادة المشروع الذي يُعتبر من أولويات محمد بن سلمان.

وبحسب الصحيفة لم تُعرف الأسباب المحددة وراء مغادرة النصر، لكن المشروع يواجه تحديات مالية؛ حيث أدرك المسؤولون السعوديون أن البلاد لا تمتلك الموارد لتمويل جميع المشاريع العملاقة التي خُطط لها سابقًا.

وقد بدأت إدارة المشروع تنتقل إلى صندوق الاستثمارات العامة السعودي، حيث تم تعيين أيمن المضيفر كمدير تنفيذي مؤقت، وُصفت الخطوة بأنها “قرار استراتيجي وطبيعي لتطور المشروع”.

ومشروع نيوم، المُخطط ليكون بحجم ولاية ماساتشوستس، يواجه تحديات ثقافية أيضًا. في الأشهر الأخيرة، غادر اثنان من المديرين التنفيذيين الكبار، وهما واين بورج قائد قسم الإعلام، وأنتوني فيفيس مطور مشروع “ذا لاين”. وسبق أن تم تسليط الضوء على السجل الوظيفي لبعض المديرين وسلوكيات غير مناسبة في بيئة العمل.

كان النصر معروفاً بإنجازاته في البناء، حيث قاد توسعة حقل نفطي ضخم لشركة أرامكو في التسعينيات، وتطوير مجمع جامعي على البحر الأحمر.

لكن تحدي نيوم كان أكبر بكثير؛ فعند الإعلان عن المشروع في 2017، كان الهدف تحويل قطعة من الصحراء إلى مدينة تستوعب مليون شخص بحلول 2030 وبتكلفة تُقدر بـ500 مليار دولار. لكن تكلفة “ذا لاين” وحده قد تتجاوز 2 تريليون دولار، وهو مبلغ يفوق قدرة المملكة على الإنفاق.

وبعد تولي النصر القيادة في 2018، اتبع أسلوب إدارة قوي، وُصف بالقسوة، حيث كان كثيراً ما يوبخ الموظفين في الاجتماعات. وفقًا لتقرير سابق، قال النصر في أحد الاجتماعات: “أقود الجميع مثل العبيد”.

وسط هذه التحديات، أعلنت السعودية تأجيل بعض المشاريع وإلغاء أخرى. يمتلك صندوق الاستثمارات العامة السعودي حوالي تريليون دولار من الأصول، لكن معظمها مستثمر في أصول يصعب تصفيتها بسرعة، مثل حصص في أرامكو وشركة اتصالات سعودية وصناديق استثمارية خاصة.

يأتي ذلك فيما تزايد على نحو مضطرد الدعوات الدولية لمقاطعة مشروع مدينة نيوم التي توصف بأنها “جحيم كامل للعمال” في ظل الكشف عن العدد المذهل من الوفيات التي تسبب فيها المشروع العملاق.

وفي أوائل نوفمبر/تشرين الثاني، أصدرت شبكة التلفزيون البريطانية آي تي ​​في فيلمًا وثائقيًا بعنوان ” المملكة المكشوفة: داخل السعودية”، والذي يكشف عن ظروف العمال المهاجرين وهم يعانون ويموتون في العمل من أجل رؤية السعودية 2030.

ووفقًا لشبكة آي تي ​​في، فقد توفي 21 ألف عامل مهاجر من الهند وبنغلاديش ونيبال حتى الآن في الصحراء السعودية أثناء وضع الأساسات لهذه الأعمال. وتقدر صحيفة هندوستان تايمز أن 100 ألف عامل آخرين اختفوا.

وبقدر ما تبدو هذه الأرقام صادمة، فهذه ليست المرة الأولى التي تلطخ فيها دماء نيوم أيديها.

فقبل أربع سنوات، ذكرت صحيفة الجارديان عن الإبعاد القسري، تحت التهديد بالقتل أو السجن، لـ 20 ألف شخص أصلي من محافظة تبوك، شمال ساحل البحر الأحمر مباشرة، لإفساح المجال للمشروع.

في غضون ذلك، يصور الفيلم الوثائقي الذي بثته قناة آي تي ​​في المدينة-الدولة قيد الإنشاء على أنها جحيم كامل، ويكشف عن ظروف تنتهك بشكل لا لبس فيه معايير العمل الدولية.

بما في ذلك أيام العمل التي تبلغ 16 ساعة في حرارة شديدة تتخللها أربع ساعات من الرحلات داخل وخارج الموقع، مما يترك القليل جدًا من الوقت للنوم أو التعافي.

ووصف العمال أنفسهم بأنهم ليسوا أفضل من “المتسولين” و”العبيد المحاصرين”.

ولسنوات، غُمِر عالم العمارة بالعلاقات العامة وعروض العمل والرسومات البراقة والمقالات الصحفية المتعلقة بنيوم، وقد أقرضت بعض أكبر الشركات المرصعة بالنجوم في هذا المجال مصداقيتها لهذا الحلم القاتل الذي من غير المرجح أن يتحقق أبدًا.

ويتوقع مشروع ذا لاين، الذي قالت الحكومة السعودية إنه سيستوعب 1.5 مليون شخص بحلول عام 2030، الآن 300 ألف نسمة فقط.

وبالفعل فقد تراجعت بعض الشركات بالفعل عن المشروع ، بما في ذلك Morphosis وMecanoo وCoop Himmelb(l)au وDavid Adjaye and Associates بعد الكشف عن انتهاكات حقوق الإنسان السابقة.

وقالت مجلة “ذا نيشن” إن أولئك الذين لم ينسحبوا من كل شيء تحت مظلة رؤية السعودية 2030 متواطئون بنشاط في مخطط أدى بالفعل إلى وفيات ونزوح جماعي.

وبحسب المجلة تشير حصيلة القتلى والنزوح إلى مهزلة تضاهي حربا إقليمية. ولم يفت الأوان بعد لرفض إقراض اسم المرء لمثل هذا المخطط. كل شركة من هذه الشركات لديها التزام أخلاقي للقيام بذلك.

يتحمل العاملون في هذه الشركات نفس الواجب في التنظيم من أجل التغيير من الداخل. من العدل أن تُحاسب الشركات التي ترفض سحب استثماراتها من نيوم بعواقب حقيقية، من فقدان الترخيص إلى المقاطعة الأكاديمية. كيف يمكننا إيقاف مثل هذا التواطؤ؟ هل التحقيق الأخلاقي أو الإحراج المهني باهظ الثمن حقًا؟.