إلى متى تستمر لعبة التباعد والتقارب بين السعودية وإسرائيل؟
لم يعد هناك شك بأن السعودية ستطبع علاقاتها مع إسرائيل، والسؤال هو: متى يحدث ذلك؟ فعلى مدى نحو أربعة أشهر الآن منذ انطلق موسم التطبيع الخليجي يخوض ولي العهد محمد بن سلمان مساراً يشبه لعبة التباعد والتقارب، فإلى متى يستمر هذا الوضع؟
صحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية نشرت تقريراً بعنوان: “لعبة التباعد والتقارب بين إسرائيل والسعودية”، رصد كواليس علاقة الشد والجذب بين تل أبيب والرياض.
مرت 4 أشهر على إعلان توقيع “اتفاقيات إبراهيم”، ولا تزال السعودية وإسرائيل تتحركان في ما يشبه اللعبة التلفزيونية الشائعة من التقارب والتباعد.
وعلى غرار شخصيات المسلسلات الهزلية المحبوبة، تبدوان مرة مقربتين ومرة أخرى تبتعدان، أحياناً بسبب سوء تواصل سخيف. لكن في هذه الحالة، العواقب أكثر خطورة بالتأكيد منها في مسلسل كوميدي.
وجاءت أحدث حلقات هذه الدراما الإسرائيلية-السعودية، يوم الأحد 6 ديسمبر/كانون الأول، في حوار المنامة، الذي نظمه المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في العاصمة البحرينية.
وكان المؤدون الرئيسيون: وزير الخارجية الإسرائيلي غابي أشكنازي والأمير السعودي تركي الفيصل، رئيس المخابرات في السعودية وسفير المملكة لدى الولايات المتحدة وبريطانيا سابقاً، بينما دور المضيف كان من نصيب وزير الخارجية البحريني عبد اللطيف الزياني.
وحقيقة أنَّ أشكنازي شارك في مؤتمر في المنامة -حتى لو افتراضياً- جديرة بالملاحظة، والأكثر منها لفتاً للانتباه هي حقيقة أنه كان في نفس فريق المناقشة مع الأمير السعودي.
ولأن الأمير تركي كان على استعداد للجلوس معه في لجنة لمناقشة موضوع “شراكات أمنية جديدة في الشرق الأوسط”، فقد مُنِح أشكنازي وطاقمه شعوراً بالأمان تبين أنه زائف.
إذ اتهم الأمير إسرائيل بأنها آخر “مستعمر غربي” في الشرق الأوسط، وبأنها تتبنى سياسات الفصل العنصري (أبارتهيد)، وأنها ليست ديمقراطية حقيقية، وتطلق العنان لنفسها في قتل الأشخاص وتدمير منازلهم.
وتبدو هذه المزاعم سخيفة كونها تصدر عن مسؤول في دولة تعاني فيها حقوق الإنسان من تراجع كبير حتى إن النساء لم يُمنحَن حق القيادة إلا منذ سنوات قليلة، وأشيد بهذا القرار على أنه خطوة كبيرة للأمام.
بالإضافة إلى ذلك، فإن اتهامات الأمير تركي هي شائعة وليست ذات قيمة لأي دبلوماسي أو مدافع إسرائيلي متمرس، لكن بالطبع، لم يدخل أشكنازي إلى عالم الدبلوماسية إلا منذ 7 أشهر، وكان يتوقع أن يكون المؤتمر استمراراً لمهرجان الحب الذي بدأته إسرائيل مع شركائها الجدد في الخليج: الإمارات والبحرين.
وبينما كان الأمير تركي نفسه ينتقد علناً العلاقات الدافئة بين إسرائيل والسعودية سابقاً، أشار أشكنازي، بعد أن أعرب عن “أسفه” لتصريحات الأمير، إلى أنَّ العلاقات الإسرائيلية مع الإمارات والبحرين لم تكن لتحدث دون موافقة السعودية.
ومنذ الإعلان عن تلك العلاقات، في منتصف أغسطس/آب، يتحرك السعوديون تارة بالتقرب من إسرائيل وتارة مبتعدين عنها.
وتحسنت العلاقات بين البلدين تدريجياً، خاصة خلال العقد الماضي. وباتت إسرائيل تنظر إلى المملكة العربية السعودية باعتبارها مصدراً للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط التي لا تزال تلتئم من جراح الربيع العربي، إضافة إلى أن كلاً من البلدين تريان أن لهما مصلحة مشتركة في معارضة إيران.
وهذا الصيف، أعطى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان موافقة ضمنية على اتفاقات إبراهيم، لكن بعض التقارير تقول إن والده الملك السعودي سلمان، لم يُبلَّغ بذلك مسبقاً.
ويعكس هذا إلى حد ما الانقسام في الديوان الملكي السعودي عندما يتعلق القرار بإسرائيل، الذي ينقسم في الغالب على أسس جيلية: إذ يرى محمد بن سلمان العلاقات مع إسرائيل على أنها ذات أثر صافي إيجابي على المملكة، في حين يشعر الملك بالتزامه الشديد تجاه الموقف العربي التقليدي من الفلسطينيين.
ولهذا، عندما أعلنت الإمارات العلاقات مع إسرائيل، كان رد السعوديين العلني أنهم ما زالوا يدعمون خطة السلام العربية.
ثم بعد نحو أسبوعين، سمحت المملكة العربية السعودية لرحلة تابعة لخطوط الطيران الإسرائيلية تَقِل على متنها أول وفد إسرائيلي إلى الإمارات العربية المتحدة بعبور مجالها الجوي، وقالت إنَّ أية رحلات طيران مع الإمارات يمكن أن تطير فوق بلادها.
وفي أكتوبر/تشرين الأول، انتقد رئيس المخابرات السعودية السابق والسفير لدى الولايات المتحدة، الأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز، القيادات الفلسطينية، في مقابلة خاصة من 3 أجزاء على قناة “العربية” التلفزيونية المملوكة للسعودية، واصفاً إياهم بأنهم “فاشلون… ويراهنون دائماً على الطرف الخاسر”.
وفي الأسبوعين الماضيين، حدثت تطورات بسرعة كبيرة لدرجة أنها يمكن أن تؤدي إلى رد فعل عكسي، إذ التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والأمير محمد بن سلمان في مدينة نيوم عالية التقنية على البحر الأحمر، قبل أسبوعين.
ويعد لقاء اثنين من كبار الشخصيات من هذين البلدين حدثاً تاريخياً. وناقش نتنياهو وابن سلمان التطبيع -الذي لا يزال مرفوضاً- وإيران، التي اتفق بشأنها البلدان على معارضة طموحاتها النووية وأعمالها الخبيثة في المنطقة، مثل دعم الحوثيين في اليمن، الذين يهاجمون السعودية، وحزب الله في لبنان الذي يهاجم إسرائيل.
وكان هذا عرضاً نادراً للوحدة بين إسرائيل والسعودية، إلى جانب أنَّ توقيته اختير بعناية واضحة لإرسال رسالة إلى الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن مفادها أنهما سيعارضان التحركات التي من شأنها منح تصريح دولي لإيران لتطوير سلاح نووي في نهاية المطاف.
لكن بعد ذلك، نفت وزارة الخارجية السعودية تقريباً عقد الاجتماع. بمعنى أنَّ النفي اقتصر على وجود مسؤولين إسرائيليين خلال لقاء محمد بن سلمان بوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، ولم يشمل لقاء محمد بن سلمان بنتنياهو.
وبحسب ما أفيد، لم يكن محمد بن سلمان سعيداً بانتشار خبر الاجتماع، وفي يوم الجمعة، 4 ديسمبر/كانون الأول، ذكرت صحيفة Yediot Aharonot الإسرائيلية، أنه ألغى اجتماعاً مع رئيس الموساد يوسي كوهين، تعبيراً عن انزعاجه.
والآن هناك رسالة حادة من الأمير تركي الفيصل. وصحيح أنَّ الأمير قال إنه يعرب عن رأيه الشخصي فقط، لكن عندما سُئِل عن الأمير بندر، قال الفيصل إن هذا الأخير يشاركه رأيه. ومع ذلك، فإن هؤلاء هم جميع أعضاء العائلة المالكة الذين يمكنهم الاطلاع على ما يحدث في رأس السلطة.
وفي أواخر أكتوبر/تشرين الأول، نقلت صحيفة The Jerusalem Post عن كوهين، قوله في محادثات مغلقة، إنه إذا فاز بايدن في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فإن السعوديين سيكونون أكثر حذراً في التفكير في التطبيع. فعلى سبيل المثال، من المرجح أن يكون بايدن أكثر انسجاماً مع فكرة أنَّ العلاقات السعودية مع إسرائيل يجب أن تكون مرتبطة بإحراز تقدم في السلام مع الفلسطينيين. وقد يرغب السعوديون في الاستفادة من التطبيع مع إسرائيل لتحقيق أكبر فائدة سياسية لهم، خاصة أن بايدن أوضح أنه سيكون أكثر صرامة تجاههم مما كان عليه ترامب.
ويبدو أنَّ هذا هو بالضبط ما حدث في الأسابيع التالية، ما بين تحمس محمد بن سلمان ومعارضة الملك سلمان. ونظراً لأنَّ الرياض تريد، لأسباب مفهومة، تحقيق أقصى قدر من المكاسب من الخطوة الدراماتيكية والتاريخية للتطبيع مع تل أبيب، فإنَّ أي تحرك نحو إسرائيل يشبه خطوتين إلى الأمام ثم خطوة إلى الوراء.
ما يمكن أن تفهمه إسرائيل من السعوديين الذين يعززون الدراما المستمرة من “سنفعلها.. لا لن نفعلها”، هو أنهم على خلاف ما تمناه البعض في إسرائيل، ليسوا مستعدين لإقامة علاقات مفتوحة بين البلدين. لذا، تحتاج إسرائيل إلى مواصلة التحرك بحذر للحفاظ على هذا التقدم في اتجاه “سنفعلها”.