البطش بنشطاء الإصلاح.. مخاوف محمد بن سلمان من تهديد استبداده
يكرس ولي العهد محمد بن سلمان نهج البطش بنشطاء الإصلاح والمدافعين عن حقوق الإنسان تعبيرا ع مخاوفه من تهديد استبداده.
ويمثل الناشط الحقوقي والسياسي محمد القحطاني نموذجا صريحا لواقع البطش الحاصل في المملكة بحيث يتواصل عزله عن العام الخارجي محروما من الحرية والرعاية الطبية وحياته معرضة للخطر.
والقحطاني المؤسس المشارك لجمعية الحقوق المدنية والسياسية السعودية “حسم” يتواصل احتجازه بشكل تعسفي في سجن الحائر سيء السمعة في الرياض، بحسب أوساط المعارضة السعودية.
وجمعية “حسم” أسسها 11 ناشط حقوقي وأكاديمي في 2009 بهدف التوعية بحقوق الإنسان، وأوضحوا في إعلانها التأسيسي، أن أهم دواعي تأسيسها أن حقوق الإنسان في المملكة تتعرض لانتهاكات خطيرة، وازدياد هيمنة وزارة الداخلية على شؤون العباد والبلاد، معلنة فتح سجل لانتهاكات حقوق الإنسان، يرصد الانتهاكات العامة لحقوق الأمة والخاصة بحقوق الأفراد.
وكان من بين النقاط التي سلطت حسم الضوء عليها هي فتح سجل لانتهاكات حقوق الإنسان على العموم، والمتهم والمعتقل على الخصوص ولاسيما الخطيرة منها، كما طالب مؤسسوها بتطبيق مبادئ “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”، والتوصية بخلق نظام فيه برلمان مُنتخب ومؤسسات قانونية شفافة تخضع للمساءلة.
ولكن السلطات السعودية حلت الجمعية وحظرتها في 2013، وصادرت ممتلكاتها، واعتقلت جميع أعضائها واخضعتهم لمحاكمات مطولة ومعاملة قاسية ووجهت لهم تهم معلبة، ومارست ضدهم التعذيب الممنهج.
ومازال مؤسسيها قيد الاعتقال، فيما توفى أبرز مؤسسيها الدكتور عبدالله الحامد في 9 أبريل/نيسان 2020 داخل محبسه لعدم تلقيه الرعاية الطبية اللازمة، ورفض إجراء العملية اللازمة له، بعدما أمضى 7 أعوام في المعتقل.
وتحظى قضية القحطاني وما يتعرض له من انتهاكات بدعم حقوقي وسياسي واسع، سواء على مستوى المنظمات الحقوقية السعودية المعنية برصد انتهاكات السلطة في الداخل السعودي أو غيرها من المنظمات والهيئات الدولية.
كما يولي حزب التجمع الوطني السعودي المعارض أهمية خاصة لمعاناة القحطاني ورفاقه داخل السجون السعودية.
وصرح الأمين العام لحزب التجمع الوطني عبدالله العودة “نراقب ما يحدث داخل السجون، خاصة وضع الدكتور القحطاني”، متعهدا ببذل كافة الجهود لكشف انتهاكات السلطات وبطشها الرهيب بكل إصلاحيي الداخل.
ورأى العضو المؤسس لحزب التجمع الوطني يحيي عسيري، أن ما يتعرض له القحطاني من تنكيل وإخفاء قسري متعمد وإعادة محاكمات ومنعه من التواصل مع ذويه، واحتجازه مع المرضى النفسيين، ومنعه من العلاج وتعريض حياته للخطر، يكشف دعاوى كل المدافعين عن السلطات السعودية ويجهض مزاعم إمكانية اتجاهها للإصلاح.
وأكد عسيري، أن الخطوة الأولى للإصلاح تبدأ من الداخل بالإفراج الفوري عن كل شخص تم اعتقاله عقابا له على إبداء رأيه، لأنه لا يجوز لسلطة تدعي الإصلاح أن يكون السجن مصير كل من ينتقدها أو يعلن موقفه من سياستها، مذكرا بأن القحطاني ورفاقه “سجناء رأي”.
واستنكر عسيري، إصرار السلطات بكل صلف على عدم إخراج القحطاني وحرمانه من أسرته ومن حقوقه المشروعة وتقييد حريته بعد أن أمضى الحكم الجائر الذي أصدرته ضده، رغم أنه صادر بناء على محاكمات غير عادلة، في إثبات على أنها سلطة قمعية متوحشة تزيد من انتهاكاتها، متمنيا الحرية له ولكافة المعتقلين في السجون السعودية.
ومن جانبه، أشار عضو حزب التجمع ومدير ديوان لندن عبدالله الجريوي، إلى أن الدكتور القحطاني ورفاقه رموزًا وطنية للشعب السعودي، لذلك فإن السلطات تخشاهم وتخشى أي صوت إصلاحي في الداخل يسعى لبناء عمل مؤسسي ويواجه فساد السلطة وانتهاكاتها وتحاول الانتقام منهم لصناعة رموز أخرى لا قيمة لها”.
وفي سبتمبر/أيلول 2018، منحت مؤسسة “رايت ليفيلهوود”، القحطاني ورفيقه عبدالله الحامد ووليد أبو الخير، جوائزها نظير عملهم الإنساني في الدفاع عن حقوق الإنسان، بسبب جهودهم الشجاعة لتعزيز الإصلاحات السياسية؛ وأصبحوا بذلك أول فائزين من السعودية بالجائزة.
وعقب شهرين أطلقت المؤسسة التي تأسست في 1980 ويقع مقرها في العاصمة السويدية ستوكهولم، حملة دولية للمطالبة بالإفراج الفوري عن الفائزين الثلاثة.
وفي 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أعربت الأمم المتحدة عن قلقها بشأن القحطاني، مشيرة إلى وجود اتجاه لإبقاء المدافعين عن حقوق الإنسان في السجن بعد انتهاء عقوبتهم، بإلغاء العقوبة الأصلية والأمر بمحاكمات جديدة دون تزويدهم بمعلومات كافية أو مساعدة قانونية، في انتهاك لمبدأ “عدم جواز المحاكمة على ذات الجرم مرتين”.
وفي 26 أبريل/نيسان 2023، طالبت 18 منظمة حقوقية دولية السلطات السعودية بالإفراج عن القحطاني، والكشف عن مصيره ومكان وجوده، ومنها، منظمة القسط، ومنظمة العفو الدولية، والمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب، والمركز الأوروبي للديمقراطية وحقوق الإنسان، والفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، ومنظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي.
ونهاية أبريل/نيسان 2023، أفادت زوجة القحطاني بأن هناك جلسة في المحكمة الجزائية المتخصصة لزوجها، رغم أنه أنهى حكمه الجائر 10 سنوات، مؤكدة أن ما يحصل من إجراءات هي “غير قانونية ومخالفة لجميع الأنظمة المحلية والدولية” ومهزلة وتخبط في السلك القضائي.
وفي 2 مايو/أيار 2023، تأجلت الجلسة لعدم إحضار القحطاني، وقالت زوجته: “لا نعلم إلى الآن ما هي التهم ولا لماذا لم يحضر محمد من السجن إلى المحكمة؟!”، مطالبة بتمكين زوجها من التواصل معهم وحذرت إدارة السجن من استمرار الانتهاكات.
وتكرر الأمر ذاته في 8 مايو/أيار 2023، إذ تأجلت أيضا الجلسة إلى الأسبوع التالي لعدم إحضار القحطاني، وتساءلت زوجته عن أسباب تعمد منع زوجها من التواصل معهم أو مع المحامي، مطالبة المحكمة باحترام القوانين المحلية والدولية والإفراج الفوري عن زوجها دون قيد أو شرط.
وبحسب منظمة منا لحقوق الإنسان، فإن السلطات السعودية ردت في 30 يناير/كانون الثاني 2023 على بلاغ سابق للأمم المتحدة، مؤكدة أنه: “فيما يتعلق بقضية المواطنين عيسى النخيفي ومحمد القحطاني، اتهما بارتكاب عدد من الجرائم الجنائية داخل السجن، وتحريض الآخرين على ارتكاب جرائم جنائية بانتهاء مدة عقوبتهم”.
وأضافت السلطات السعودية في ردها، أن النيابة العامة قامت بالتحقيق في الجرائم التي وجهت إليهما وأصدرت مذكرتي توقيف بحقهما ومددت توقيفهما بناء على قانون الإجراءات الجنائية، ولا تزال القضية قيد التحقيق وكلاهما محتجز في إصلاحية الرياض.