تصاعد التخبط الإداري.. نظام آل سعود يعزل وزير الاقتصاد
تصاعد التخبط الإداري في نظام آل سعود الذي عزل وزير الاقتصاد والتخطيط محمد بن مزيد التويجري من منصبه وذلك في ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة في المملكة.
وأصدر الملك سلمان مرسوما بعزل التويجري من منصبه وتكليف وزير المالية محمد الجدعان بالقيام بعمل وزير الاقتصاد والتخطيط، بالإضافة إلى عمله.
كما صدر أمر ملكي بتعيين محمد بن مزيد التويجري مستشاراً بالديوان الملكي بمرتبة وزير، وهي عادة متبعة لدى النظام من أجل إرضاء كبار المسئولين عن عزلهم من مناصبهم.
وكان التويجري تولى منصبه كوزير للاقتصاد والتخطيط، بناء على أمر ملكي، في 3 تشرين الأول/ أكتوبر عام 2017.
وجاء هذا القرار بعد نحو أسبوع فقط من سلسلة أوامر ملكية، بعدما أصدر الملك سلمان في 25 من الشهر الماضي سلسلة أوامر ملكية تقضي بإجراء تعديلات وزارية واسعة، وإدخال تغييرات على أسماء بعض الوزارات.
وشهدت السنوات الخمس الماضية أكثر سجل تعديلات وزارية في تاريخ المملكة، حيث لا يصمد الوزير في منصبه أكثر من عام حتى يُطاح به، إلى درجة أن هناك وزراء لم يصمدوا أكثر من عدة أشهر على كراسيهم.
ويبدو أن سياسة التعيينات تحاول ضرب استقرار أي مسؤول سعودي في منصب رفيع، في محاولة لمنع ازدياد نفوذه على حساب ولي العهد.
وتسعى المملكة لتمويل رؤية 2030 الاقتصادية التي يقودها محمد بن سلمان، إلا أنها واجهت وما زالت تواجه مشكلات وعثرات في طريقها، خصوصاً مع انخفاض أسعار النفط الخام مؤخراً، والذي تعتمد عليه الرياض كمورد أساسي، وهو سبب إضافي مرجح للتغييرات الوزارية الجديدة.
ومنذ تسلم الملك سلمان مقاليد الحكم في المملكة، بعد وفاة أخيه غير الشقيق الملك عبد الله بن عبد العزيز ، أجرى تعديلات جذرية في أسلوب الحكم عبر التعيينات والإعفاءات التي أقرها.
ومنذ عام 2015 تكررت التعيينات والإعفاءات أكثر من مرة، فيما يبدو أن مجلس الوزراء الذي يقود السلطة التنفيذية في البلاد غير مستقر، وتجري إطاحة الوزراء بسرعة غير مدروسة.
ويُضاف إلى ذلك أن بعض الوزراء أعفوا بعد تهم فساد ثم أعيدوا إلى السلطة خلال أشهر، ثم صدرت قرارات ملكية بإعفائهم مجدداً، ليعين آخرون بدلاً عنهم.
ولا يُعلم مدى تأثير القرارات المفاجئة لرأس الهرم الحاكم على سير الحكم في البلاد، خصوصاً أنها تخرج بدون أي مقدمات أو أسباب واضحة، حيث يمسي الرجل وزيراً ويصبح معفياً من منصبه، ويصبح الرجل وزيراً ثم يمسي بلا منصب.
وشهدت السنوات الخمس الماضية أكثر سجل تعديلات وزارية في تاريخ المملكة، حيث لا يصمد الوزير في منصبه أكثر من عام حتى يُطاح به، إلى درجة أن هناك وزراء لم يصمدوا أكثر من عدة أشهر على كراسيهم.
ويبدو أن الاستقرار السابق الذي شهدته السلطة التنفيذية بالبلاد، خصوصاً السيادية منها، لم يعد موجوداً في قصور الحكم بالرياض، حيث إن وزارة الخارجية السعودية التي أسست عام 1960 شغلها حتى عام 2015 ثلاثة وزراء، ثم مع قدوم الملك سلمان تسلم ثلاثة آخرون الوزارة هم: عادل الجبير (2015)، ثم وزير الاقتصاد السابق (كان ممن اعتقلوا بتهم فساد) إبراهيم العساف (2019)، وأخيراً الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله بن فيصل بن فرحان آل سعود (2019).
ويقول محللون إن عدم استمرار نفس تشكيلة مجلس الوزراء تعود إلى مركزية القرار بيد الملك سلمان ونجلح محمد، وغياب تام لاعتبارات التغيير التي يحتفظ بها الملك لنفسه، كما أن الأحداث على المستوى الإقليمي والعالمي تترك أثرها على التغييرات الوزارية.
ويبدو أن صعود محمد بن سلمان يحمل في طياته الكثير من الأجوبة عن أسئلة التغيير التي تُطرح مع كل سلسلة أوامر ملكية يقوم بها الملك سلمان.
فمع سعي ولي العهد لتثبيت قدميه في السلطة أكثر، يرى متابعون للشأن السعودي أن التعيينات والإقالات تعتمد على معيار الولاء لا الكفاءة في تقلد المنصب، خصوصاً في ظل وجود معارضين من داخل العائلة لتولي محمد بن سلمان الحكم، ومن أبرزهم أخو الملك الشقيق الأمير أحمد بن عبد العزيز وغيره من الأمراء.
ويبدو أن سياسة التعيينات تحاول ضرب استقرار أي مسؤول سعودي في منصب رفيع، في محاولة لمنع ازدياد نفوذه على حساب ولي العهد.
ويتكشف التخبط من تعيين خالد الفالح مجدداً كوزير للاستثمار بعد إعفائه من منصبه كوزير للطاقة، والذي كان مفاجئاً على المستوى العالمي، حيث شهدت المملكة، في سبتمبر 2019، ولأول مرة تعيين عبد العزيز بن سلمان (نجل الملك) وزيراً للنفط من داخل العائلة المالكة، حيث إنّ صحفاً عالمية مثل “وول ستريت جورنال” وصفته بـ “التحول المفاجئ”.
المثير أيضاً أن وزير الإعلام المطاح به (تركي الشبانة) وُضع في المنصب لتحسين صورة المملكة التي شوهت دولياً في الصحف العالمية بعد اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي بقنصلية بلاده بإسطنبول في أكتوبر 2018، على أيدي قوات أمنية مقربة من ولي العهد، واتهامات استخباراتية للأخير بالتورط فيها، إلا أن الشبانة يبدو أنه فشل في المهمة.
إلا أن إقالته، ووضع وزير لا علاقة له بالإعلام من قريب ولا من بعيد، قد تجعل مهمة تحسين صورة المملكة شبه مستحيلة، خصوصاً أن المكلف الجديد (ماجد بن عبد الله القصبي) هو وزير التجارة أيضاً.
كما يرى متابعون للشأن السعودي أنه من المرجح أن دمج بعض الوزارات مع أخرى هو خطة تقشفية من قبل السلطات لمحاولة تقليل المصاريف، خصوصاً مع الأرقام الرسمية الصادرة عن خسائر فادحة بالاقتصاد خلال عام 2019، ووصول العجز بالموازنة إلى نحو 50 مليار دولار.
ويعتقد مراقبون أن الملك سلمان يسعى لترسيخ الأرضية الحاكمة لنجله محمد وترضية عناصر الأسرة الحاكمة، وتوجيه رسائل توحي بمرونة المملكة وسعيها نحو التغيير المستمر.
ولا شك أن الوضع الخارجي المحيط بالمملكة يحمل معه تأثيراته أيضاً على التعيينات والتغييرات الدائرة في البلاد، فما زالت أزمة اليمن والتورط فيه عسكرياً، منذ عام 2015، عبر التحالف الذي تقوده الرياض بصحبة الإمارات، تشكل تهديداً أمنياً؛ بسبب هجمات الحوثي المتكررة على أهداف حيوية بالبلاد.
ويحمل تصاعد التوتر بين إيران والولايات المتحدة في الخليج، الذي تفاقم مع مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني في بغداد مطلع يناير الماضي، الكثير من المخاوف لدى الجانب السعودي، لدرجة أن الرياض دعت للتهدئة رغم حساسية موقفها من طهران.