يمثل الإكراه على الطلاق انتهاكا إجراميا تمارسه السلطات السعودية بحق معتقلي الرأي الذين لم تقتصر السياسة العدوانية عليهم فقط بل تطال أسرهم وأزواجهم وأبنائهم.
وأوغلت السلطات السعودية في انتهاكاتها بحق معتقلي الرأي في المملكة، وتعدّدت صوره بين الإخفاء القسري والاعتقال التعسفي والتعذيب النفسي والجسدي والإهمال الطبي وعدم الإفراج عنهم بعد انتهاء محكومياتهم.
لكم من أبشع ما مارسته السلطات السعودية إرغام أزواج المعتقلين على طلب الطلاق وإنفاذ الأمر، وهذا فضلًا عن كونه جريمة بحق المعتقلين وأسرهم، فإنه يمثل انتهاكًا للقوانين الجنائية والمعاهدات الدولية التي تنص على عدم معاقبة أي شخص بجرم آخر أو الضغط على المعتقل عن طريق أهله وأبنائه وزوجته.
إذ يمثل الإكراه على الطلاق عقوبة لكل الأسرة وليس لمعتقلي الرأي فقط، وقد تم رصد عدة حالات لنشطاء وناشطات في السجون وبعضهم لاجئون خارج البلد ومنهم مفرج عنهم وممنوعون من السفر، تمّ الضغط عليهم من قبل السلطات بهدف التفريق بينهم وبين أزواجهم تحت التهديد والوعيد.
ومن أشهر الحالات التي مارستها السلطات إرغام آلاء نصيف زوجة جمال خاشقجي على طلب الطلاق عنه، وهدّدتها بالمنع من السفر ثم أبلغتها بذلك فعلًا بل وأوقفتها في المطار وأعادتها إلى البلد عند محاولتها الخروج وتم إجبارها برفع قضية خلع في المحكمة ونفّذت المحكمة الطلب الذي تم تحت التهديد.
وفي نوفمبر 2018 طالبت السلطات الناشط (ف ب) بتطليق زوجته المعتقلة (ل هـ) لكنه رفض هذا الأمر رفضًا قاطعًا، فهددوه بالسجن وإلصاق تهمة الاشتراك بالجاسوسية مع زوجته، فاضطر للرضوخ وتم طلاقه منها.
وأكّدت ذلك الناشطة المقربة من زوجته (ل ش) على حسابها تويتر قبل أن يتم اعتقالها لاحقًا!
من جهته المحامي والناشط الحقوقي (و أ خ) أُجبر أيضًا على تطليق زوجته (س ب) بعد أن اعتُقل في إبريل 2014، ليُعلن الطلاق بينهما بعد شهرين من اعتقاله، ولفّقت السلطات رواية كاذبة بأنهما اتفقا على الطلاق!
فكيف تمكّنا من الاتفاق وهو مخفي قسريًا ولم يتمكن من لقاء زوجته والاتفاق على أمر كهذا؟!.
ومن أبرز ضحايا الطلاق الإجباري ما حدث مع أحد مشاهير معتقلي الرأي (ع ح ع) الذي تم الضغط على زوجته للتفريق بينهما وهو ما حدث بالفعل ليعيش أوضاعاً نفسية صعبة بعد أن فرقت السلطات بينه وبين زوجته وأبقت عليه مسجونًا في انتهاك صارخ لحقوق الإنسان الذي لا يجوز إكراهه على فعل لا يريده.
الأمر نفسه حدث مع اللاجئ السياسي في الخارج (ع ع د) الذي خرج من المملكة بحجة العلاج، لكنّ السلطات عاقبته بتطليق زوجته منه بعد إرغامها على طلب الخلع تحت التهديد والوعيد رغم أن لديهما العديد من الأولاد، ليمّثل ذلك عقوبة مجحفة له وعبرة لكل من تسوّل له نفسه الخروج من البلد معارضًا.
وما تقوم به السلطات السعودية يمثل عقابًا مزدوجًا لكل من الناشط والسياسي وغيره من المعتقلين، الذي تزداد معاناته بشعوره أنه صار وحيدًا بلا أسرة أو أهل، وكذلك على ذويه الذين يفقدون الشعور بالأمان بتفريقهم عن المعيل والكبير الذي يستندون إليه، فينقطع الأمل به حتى لو خرج من السجن.
وهذه الحالات التي تم ذكرها عن الطلاق بالإكراه الذي يعاني منه ذوو معتقلو الرأي في المملكة، ثم توثيقها من قبل منظمة “ذوينا” المختصة بالدفاع عن معتقلي الرأي في المملكة والمسجلة رسميًا في الولايات المتحدة الأمريكية بولاية فرجينيا
وتؤكد المنظمة أنه كلما مر الزمن تزداد الانتهاكات في حق معتقلي الرأي في السعودية قساوة وخطورة، فـ الاخفاء القسري والاعتقال التعسفي والتعذيب النفسي والجسدي لم يعُد كافياً لإيذاء النشطاء والحقوقيين، بل وصل الحال إلى أُسرهم وأبناءهم وإرغام أزواجهم على طلب الطلاق وإنفاذه.
وهو الأمر الذي يضاعف المعاناة على الأُسر والأفراد، ويصنف هذا بالانتهاك الفضيع والسابقة في حق النشطاء والمعارضين السعوديين ويجب إدانته ومنعه فوراً.
ففي الاعلان العالمي والمعاهدات الدولية والقوانين الجنائية لا يحق لأي جهة أو سلطة أن تعاقبَ شخصاً بجرم شخص آخر، فلا يعاقَب على الجريمة إلا فاعلها.
وهذا على العكس مما يحدث للنشطاء والحقوقيين في السعودية فالعقاب يطال جميع أفراد الأسرة، والجميع يأخذ نصيبه من العقوبة، فالإكراه على الطلاق عقوبة لكافة الأسرة وليس لمعتقلي الرأي فقط.