الإخفاء القسري.. خطر يلاحق مواطني المملكة ومعارضي آل سعود
“لا أحد آمن” في المملكة في عهد محمد بن سلمان بحيث تحول الإخفاء القسري إلى خطر داهم يلاحق مواطني المملكة ومعارضي نظام آل سعود.
وأبرز تقرير مطول لموقع فانيتي فير (VanityFair) الأمريكي السجل الأسود لنظام آل سعود في قمع المعارضين أمراء ومواطنين صحفيين أو ناشطين أو رجال أعمال، فالكل أصبح هدفاً ويجب إسكاته أو قتله إن لزم الأمر، أو اعتقاله سواء داخل المملكة أو خارجها.
واستعرض “فانيتي فير” أشهر حوادث الاختفاء أو الملاحقة لأمراء ومواطنين في المملكة، يعتبرهم النظام معارضين له، وصولاً إلى المذبحة التي تعرض لها جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول 2 أكتوبر 2018.
من هؤلاء الأمير خالد بن فرحان آل سعود الذي يعيش في ألمانيا ويتأكد من حركاته في مدينة دوسلدورف حيث تتصل به الشرطة دائماً للتأكد من سلامته.
وقد أثار الأمير غضب العائلة في الرياض بمطالبته بحقوق الإنسان وأكثر من هذا تحدث علناً، وهذا أمر ليس عادياً من أحد أفراد العائلة، عن رغبته بإنشاء حركة سياسية.
وتحدث في مقابلة مع كاتب التقرير عن حادثة وقعت في يونيو 2018 عندما اتصلت به أمه وعرضت له العودة وإصلاح ذات البين مع العائلة.
وكانت والدته التي تعيش في مصر حيث اتصلت بها السفارة السعودية في القاهرة كي تقنعه بالعودة مقابل 5.5 مليون دولار أمريكي.
ومع أن العرض كان مغرياً لأنه كان يعاني من مشاكل مالية إلا أن اتصالاته اللاحقة مع السفارة أكدت له خطورة قبول العرض خاصة بعدما قالوا له إن الشرط للحصول على المبلغ هو الحضور إلى القنصلية أو السفارة.
وبعد فترة قرأ بن فرحان أخبار مقتل جمال خاشقجي، صحافي “واشنطن بوست” الذي دخل قنصلية بلاده في اسطنبول للحصول على أوراق خاصة ولم يخرج منها.
وقد اندهش بن فرحان وهو يراقب الأخبار ويشاهد خاشقجي وهو يدخل القنصلية لأخر مرة واكتشف أنه برفضه الذهاب إلى القنصلية لأخذ المال فإنه تجنب نفس المصير.
وتمت بعض العمليات لإسكات المعارضة في دول حليفة للسعودية، وواحدة منها كانت في فرنسا حيث تم تخدير الأمير سلطان بن تركي الذي عاش في أوروبا لعدة سنوات.
ففي يناير 2016 وصل الثلاثي مع الفريق الطبي وأصدقاء الأمير إلى مطار بورجيه خارج باريس, وذلك لركوب طائرة الأمير الخاصة التي كانت ستقلع من باريس إلى مصر.
وعندما وصلوا المطار وجدوا طائرة بحجم أكبر من نوع “بوينغ 737 – 900 إي أر” التي اعتقدوا أنها من السفارة السعودية في فرنسا.
وبعد ساعات من الطيران أطفئت الأنوار وتم توجيه الطائرة إلى الرياض. وعند وصولها يتذكر كري أن الأمير سلطان جُر إلى مدرج الطائرة، وكان يصرخ “القحطاني القحطاني”.
ويتذكر كري وبليك كيف تم نقل بقية الطاقم المرافق للأمير إلى فندق ريتز حيث تم استدعاؤهم واحداً بعد الآخر للتوقيع على ورقة تعهد بعدم الكشف، وبعد 3 أيام سُفروا من الرياض.
ورغم زعمهما مشاهدة سعود القحطاني في الفندق إلا أنهما لم يستطيعا التعرف على صورته. أما الأمير سلطان فلا يعرفان عنه وماذا حدث له.
يذكر أنه نشر تحقيقاً في 15 أغسطس 2017 عن “أمراء آل سعود المخطوفين”، موضحاً أنه تم اختفاء 3 أمراء سعوديين يعيشون في أوروبا، بعد انتقاداتهم لحكومة آل سعود، مؤكداً أن هناك أدلة على أن الأمراء الثلاثة اختطفوا أو رُحِّلوا إلى المملكة، حيث انقطعت أخبارهم ولم يسمع عنهم منذ ذلك الحين، من بينهم الأمير سلطان بن تركي بن عبد العزيز.
واختفى الأمير سلمان بن عبد العزيز بن سلمان الذي تزوج ابنة الملك عبدالله، وكان يتحرك بسهولة بين المسؤولين الامريكيين وأبناء العائلات المالكة في أوروبا.
وفي العام الماضي اختفى عندما استدعي لواحد من القصور الملكية في الرياض, ورغم اعتقاله بسبب التشويش على الأمن إلا ان تهما لم توجه ولا يزال معتقلا إلى جانب والده الذي ضغط للإفراج عنه.
وأشار الكاتب إلى عمر عبد العزيز الناشط السعودي المقيم في مونتريال بكندا، والذي كان صديقاً لخاشقجي وتعاونا معاً في عدد من المشاريع منها نشر تقارير عن مصير المعتقلين السياسيين في المملكة وإنشاء جيش النحل لمواجهة دعاية الذباب الإلكتروني.
والتقى الكاتب عبد العزيز بفندق بمونتريال حيث استعاد حادثاً حصل له في مايو عندما وصل إلى كندا ممثلان عن البلاط الملكي ويحملان رسالة من محمد بن سلمان.
وكان معهما شقيق عبد العزيز الأصغر، أحمد حيث حثوه في عدد من اللقاءات التي تمت في المقاهي والمتنزهات على وقف نشاطه وانتقاداته للحكومة والعودة إلى بلاده, وطلبوا منه زيارة السفارة لتجديد جواز سفره.
وكانت الرسالة واضحة أنه لو استمر في نشاطاته السياسية فستكون عائلته في خطر, واكتشف خلال النقاشات ان شقيقه يتعرض للضغوط.
وعندما رفض العرض تم اعتقال شقيقه حال عودته إلى المملكة، ولا يزال حتى هذا الوقت في المعتقل.
وبعد شهر من زيارة شقيقه وأربعة أشهر قبل مقتل خاشقجي اكتشف عبد العزيز أن هاتفه قد اخترق حيث تمت القرصنة على معلومات حساسة تتعلق بخطط له مع خاشقجي.
ويشير التقرير إلى يحيى العسيري الذي كان يعمل في قسم الإمدادات اللوجيستية في سلاح الجو الملكي ومقره مدينة الطائف.
وفتحت زياراته للأسواق المحلية في القرى القريبة من المدينة الجبلية عينيه على حالة الفقر والفساد والتباين في مستويات الحياة في المملكة.
وزاد وعيه من خلال دخوله على منابر الحوار في الإنترنت التي لم تكن ممنوعة في ذلك الوقت، أي 2008. وتطورت العلاقة من منابر الحوار إلى علاقات شخصية مع أفراد قلقين على الحال في البلاد حيث كانوا يلتقون سراً في بيوت بعضهم البعض.
وأشار العسيري إلى الدعوة من مسؤوله في سلاح الجو عام 2008 إلى مكتبه, وسأله عن استخدامه للإنترنت، حيث أنكر أنه يعرفها جيداً، مشيراً إلى أن زوجته تلجأ إليها أحياناً بحثاً عن وصفات للطعام.
ولكن الضابط أمسك بملف عنوانه “أبو فارس” أرسلته المخابرات التي رصدت منشورات ومقالات ناقدة للحكومة كتبها شخص بكنية مستعارة “أبو فارس” وسأله الضابط، هل انت أبو فارس.
وبعد محاولات اقتنع فيها المسؤول أن لا علاقة للعسيري بالملف، لكنه بعد اللقاء بدأ خطته حيث استقال من عمله وقدم طلباً للتدريب في لندن، وبعد أشهر كان هو وزوجته في بريطانيا.
ومع أن الحادث المعروف والأشهر عن الإختطاف وقع عام 1979 عندما اختفى معارض للسعودية من بيروت إلا أن عمليات الإختطاف تزايدت مع وصول محمد بن سلمان إلى السلطة، ضد معارضين وطلاباً وأمراء ورجال أعمال بارزين بالإضافة لأعداء ولي العهد في عدد من الدول بما فيها بريطانيا والولايات المتحدة وكندا وسويسرا وفرنسا ودول عربية وصولاً إلى الصين.
ويوضح أن ما سبق لا يشمل السعوديين في الداخل الذين طالتهم عملية القمع, ففي أبريل 2019 أعدمت السلطات 37 سعودياً منهم شاب كان قاصراً وقت اعتقاله.
وقبل عامين شن محمد بن سلمان حملة اعتقالات بذريعة مكافحة الفساد طالت أمراء ورجال أعمال ومسؤولين أفرج عن الكثيرين منهم بعد دفعهم أموالاً ولا يزال مصير 64 منهم غير معروف.
وقام الكاتب بتحقيق غطى 3 قارات والتقى فيه 30 شخصاً، ناشطا ًوخبراء في الأمن القومي وأقارب المختفين ومسؤولين أمريكيين وأوروبيين وشرق أوسطيين حيث تجلت الصورة عن محاولات الرياض إعادة وسجن وحتى قتل المعارضين.
ويرى أن عملية ملاحقة المعارضين للنظام بدأت في معظم الأحوال من خلال مراقبة الإنترنت.
وفي المملكة لم تكن هذه محلاً للرقابة بل نظر إليها الملك عبد الله كوسيلة لردم الهوة بين الحكام ومواطنيهم.
وبعد سنوات سيكتشف عسيري أن غرفة النقاش التي كان يدخل إليها كانت مرتبة وأنشأها المسؤولون عن الأمن الإلكتروني السعوديين لجر الأخرين إليها.
وفي الكثير من المنابر التي أنشئت كان القحطاني وراءها حسب شهادات ناشطين.
وأسهم القحطاني في تشكيل سياسة المملكة في الأمن الإلكتروني حيث شملت شبكته على قراصنة لملاحقة نقاد الحكومة في الداخل والخارج.
وعمل القحطاني حسب تقرير مع شركة “هاكينغ تيم” الإيطالية التي تقوم ببيع أنظمة للقيام بالهجمات الإلكترونية، فيما تتبعت تقارير أخرى علاقة الرياض إلى مجموعة “إن إس أو” الإسرائيلية التي طورت برمجية باسم “بيغاسوس” الذي لعب دوراً في ملاحقة 3 معارضين على الأقل.
وظهر هذا التطور في الوقت الذي عين فيه محمد بن سلمان مستشاراً بارزاً للديوان الملكي وبعد ذلك ولياً للعهد عام 2017.
وفي الوقت نفسه عانت الرياض من آثار تراجع أسعار النفط وتداعيات حرب اليمن التي شنها محمد بن سلمان والأسباب التي قادت إلى الربيع العربي والمخاوف من الإضطرابات الداخلية.
وكرئيس لأهم مجلسين في البلد مجلس الشؤون السياسية والأمنية ومجلس الشؤون الإقتصادية “ركز ولي العهد السلطة في يده” وبعدها سيسطر على سياسة البلد الخارجية والداخلية والجيش والحرس الوطني والمخابرات.
وكانت بمقدوره تشكيل فرقه الأمنية وهنا انتعش القحطاني بصفته مديراً لمركز دراسات الشؤون الإعلامية والفدرالية السعودية للأمن الألكتروني والبرمجة والطائرات المسيرة.
وبحسب سعوديين يقيمان في الولايات المتحدة فقد اتصل بهما عملاء فدراليين وأعطوهما بطاقات للإتصال من أجل توفير الأمن لهما حالة الضرورة.
وقال مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي أي) أن المكتب يقوم بالتفاعل مع أبناء المجتمعات لبناء علاقات متبادلة وحماية الرأي العام الأمريكي. ونفس التهديدات برزت في كندا وفي أوروبا.
وينوه الكاتب إلى أنه بحسب “مراسلون بلا حدود” فهناك 30 صحفياً معتقلين الأن في السعودية. ومن هؤلاء نواف الرشيد، الشاعر الذي لا يعرف عنه اهتماماً بالسياسة ولكنه ينتمي لعائلة معروفة في السعودية ومنافسة تاريخياً لآل سعود.
وكذا تم اختطاف مستشارين لأمراء سعوديين مثل فيصل الجبرا والذي كان مساعداً للأمير تركي بن عبدالله آل سعود.
ويشير الكاتب إلى قصة عبد الرحمن السدحان، الذي تخرج من أمريكا وعاد للعمل في السعودية المتغيرة وهو معتقل منذ العام الماضي، ولم تسمع منه والدته المقيمة في أمريكا ولا أخته.
وفي نفس اليوم الذي اختفى فيه السدحان تم اختطاف لجين الهذلول التي كانت تدرس في جامعة السوربون- فرع أبو ظبي ونقلت إلى المملكة ولا تزال في السجن الذي تعرضت فيه للتعذيب والتهديد بالاغتصاب والقتل.