كرست هجمات جماعة أنصار الله “الحوثيون” الأخيرة على آبار النفط في شرق المملكة السقوط المدوي للأمن القومي السعودي في ظل فشل وعجز غير مسبوقين لنظم آل سعود.
ويؤكد هذا الواقع مدى هشاشة وضعية المملكة الاستراتيجية والجيوسياسية نحت إدارة آل سعود، وإلا لما أقحمت نفسها في حروبٍ إقليمية مع دول حدودية، مثل اليمن والعراق، في حين تعجز عن حماية نفطها.
وتساءل مراقبون بحيرة حول إذا ما كانت المملكة عاجزةً عن حماية مصدر دخلها القومي ممثلا بالنفط، فكيف تحمي أمنها القومي؟ وذلك رغم أن نظام آل سعود ثالث أكبر مستهلك للسلاح في العالم، بعد الولايات المتحدة والصين.
ووفقا لمعهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام، فإن نظام آل سعود أكبر مستورد للسلاح الغربي، حيث أنفق في العام الماضي وحده ما يفوق 67 مليار دولار على المبيعات العسكرية والدفاعية.
وعقب انتخاب دونالد ترامب رئيسا، تعهد محمد بن سلمان بشراء أسلحة أميركية بقيمة 110 مليارات دولار. ومع ذلك، لا تزال المملكة عاجزة عن حماية منشآتها النفطية والاستراتيجية.
فقد أوقفت قبل أيام نحو نصف إنتاجها من النفط بعد هجمات الحوثيين على منشأتين لشركة أرامكو: في محافظة بقيق (150 كيلومترا شرق العاصمة الرياض) وتعتبر أكبر معمل لتكرير النفط في العالم: وفي منطقة خريص (190 كيلومترا إلى الجنوب الغربي من الظهران)، وتعتبر ثاني أكبر حقل نفطي في العالم.
ويتوقع أن تؤثر الهجمات على إنتاج خمسة ملايين برميل من النفط يوميا، أي قرابة نصف الإنتاج الحالي للمملكة.
وقال خبراء عسكريون أميركيون إنّ الهجمات الحوثية تحايلت على الدفاعات العسكرية السعودية، بما فيها ستة صواريخ باتريوت أنتجتها شركة الأسلحة الأميركية ريثيون، ويكلف الواحد منها حوالي مليار دولار.
إذن، لم يسعف السلاح الأميركي السعودية، على الرغم من تكلفته الباهظة. وهو ما دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى الرد على الهجوم بشيء من السخرية، مقترحا على السعودية الاقتداء بتركيا وإيران، وشراء منظومة صواريخ روسية من طراز أس – 300 أو أس – 400، وذلك “كي تكون قادرة على حماية البنى التحتية السعودية بشكل موثوق”.
وما سكت بوتين عنه أن نظام آل سعود فكر مرارا في شراء المنظومة الروسية، الأقلّ تكلفا وأكثر فاعلية، غير أن المملكة تخشى على علاقاتها مع إدارة ترامب، والتي باتت أشبه بعلاقة فرويدية منه بعلاقة بين دولتين.
وإذا كان نظام آل سعود يعوّل على ترامب فقد خسر الرهان، فقد صرح الرئيس الأمريكي مرارا بأنه لا يريد حربا مع إيران، على الرغم من تغريداته النارية. كما أنّ الكونغرس يعارض حربا جديدة، والحرب لا تحظى بشعبية في سياق المعركة الانتخابية الدائرة في الولايات المتحدة، سيما أنّ ترامب وعد، في حملته الانتخابية، بعدم توريط البلاد في حروب جديدة، فهو يدعو إلى سحب القوات الأميركية من أفغانستان، وعارض الحرب الأميركية في العراق بوصفها “أسوأ قرار اتخذ في تاريخ أميركا”.
كما أنه عزل مستشاره للأمن القومي، جون بولتون، على أثر دعوات الأخير المتواصلة لضرب إيران. وحاليا، يدور الحديث عن جهود دبلوماسية فرنسية للتوسط بين واشنطن وطهران.
إذن، سيجد نظام آل سعود نفسه وحيدا في أية مواجهة محتملة مع إيران، وسيقتصر الدور الأميركي على بيع المملكة مزيدا من الآليات الدفاعية والعسكرية، ومزيدا من صواريخ باتريوت. أما ترامب، فقد يكتفي بالتغريد والتشجيع عبر “تويتر”.
ولكن تجربة بقيق وخريص تعلمنا أن المملكة، مع ترسانتها العسكرية الهائلة، تكاد لا تقدر على حماية منشأتين نفطيتين، فلنا أن نتخيل كيف ستحمي نفسها في حرب إقليمية مع إيران.
وقبل يومين أعلن وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر، إرسال تعزيزات عسكريّة أميركيّة إلى الخليج بطلب من المملكة والإمارات، بعد الهجمات التي استهدفت منشأتَي نفط سعوديّتين.
وأضاف إسبر: “منعًا لمزيد من التّصعيد، طلبت السعودية مساعدةً دوليّة لحماية البنية التحتيّة الحيويّة للمملكة، كما طلبت الإمارات العربية المتّحدة مساعدةً” أيضاً.
وأوضح أنّه استجابةً لهذين الطلبين “وافق الرئيس على نشر قوّات أميركيّة ستكون دفاعيّة بطبيعتها، وتُركّز بشكل أساسي على سلاح الجوّ والدّفاع الصاروخي”.
ولم يتمّ بعد تحديد عدد للقوّات ونوع المعدّات التي ستُرسل، لكنّ رئيس هيئة الأركان الجنرال جو دانفورد أوضح في مؤتمر صحافي في البنتاغون، أنّ الجنود الذين سيتمّ إرسالهم في إطار التعزيزات لن يكونوا بالآلاف.
وقال ترامب الجمعة، ردا على سؤال بشأن الخيارات العسكرية مع إيران، إن “الولايات المتحدة دائما مستعدة”، معلنا فرض عقوبات جديدة على طهران تستهدف النظام المصرفي الإيراني، مؤكدا أنّها “العقوبات الأقسى على الإطلاق ضد دولة ما”.