
كشفت أحدث بيانات حقوقية أن المملكة تتجه نحو تسجيل رقم قياسي جديد هو الأكثر دموية منذ عقود في تنفيذ أحكام الإعدام، وسط اتهامات بانتهاك المعايير الدولية لحقوق الإنسان، ولا سيما في قضايا المخدرات وحرية التعبير، وإعدام قاصرين.
وبحسب تقرير صدر عن المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان ومنظمة ريبريف (Reprieve)، نفذت السلطات السعودية ما لا يقل عن 180 إعداماً خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2025، وهو رقم يتجاوز أكثر من ضعف ما نُفذ في نفس الفترة من العام الماضي.
وفي حال استمرار هذا المعدل، يُرجح أن تتجاوز حصيلة إعدامات 2025 الرقم القياسي الذي سُجل في 2024، عندما أُعدم ما لا يقل عن 345 شخصاً، مقارنة بـ196 في عام 2022.
أغلبية الإعدامات لقضايا غير مميتة
تثير المنظمات الحقوقية قلقاً شديداً من أن أكثر من 65% من الإعدامات هذا العام مرتبطة بقضايا مخدرات غير مميتة، بينها ما نسبته 46% تتعلق بالحشيش، الذي يُعد أقل ضرراً في كثير من البلدان، حيث يُعاقب عليه غالباً بغرامات بسيطة أو تم تقنينه بالكامل.
وتشير الإحصاءات إلى أن عدد من أُعدموا في قضايا الحشيش هذا العام قد تجاوز بالفعل ضعف العدد المسجل في العام الماضي لهذه القضايا.
وقالت ريبريف والمنظمة الأوروبية السعودية إن هذه الممارسة تُعد انتهاكاً صارخاً للمعايير الدولية، التي تقصر استخدام عقوبة الإعدام على «أخطر الجرائم» مثل القتل العمد.
إعدامات للأجانب
من اللافت أن أكثر من نصف الإعدامات المنفذة هذا العام طالت أجانب، أغلبهم بسبب قضايا مخدرات غير مميتة. ورغم غياب الشفافية الرسمية السعودية بشأن أعداد السجناء المحكومين بالإعدام، تؤكد المنظمتان أن هناك عشرات الأجانب يواجهون خطر الإعدام الوشيك.
ومن بين هؤلاء 17 مصرياً محتجزين في سجن تبوك، أبرزهم: رامي جمال شفيق النجار، أحمد زينهم عمر، هشام التليس، عبدالفتاح كمال، عصام الشاذلي، محمد سعد، وعمر شريف.
كما تشير تقارير إلى وجود ما لا يقل عن 43 إثيوبياً و13 صومالياً على قائمة الإعدام في سجن نجران، معظمهم في قضايا متعلقة بالحشيش.
وأعرب خبراء الأمم المتحدة عن قلقهم العميق وطالبوا السلطات السعودية بوقف تنفيذ أحكام الإعدام ضد هؤلاء الأفراد فوراً، معتبرين أن هذه الأحكام «تشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان».
القاصرون في دائرة الخطر
من أخطر ما كشفه التقرير، استمرار التهديد بإعدام أشخاص ارتُكبت التهم المنسوبة إليهم عندما كانوا قاصرين.
وأكدت المنظمتان وجود ما لا يقل عن تسعة متهمين قاصرين لا يزالون معرضين لخطر الإعدام، بينهم عبدالله الحويطي، يوسف المناسف، وعبدالله الدرازي.
وتعد هذه الممارسات مخالفة صارخة للاتفاقيات الدولية، خصوصاً اتفاقية حقوق الطفل، بينما صنف فريق الأمم المتحدة المعني بالاحتجاز التعسفي احتجاز هؤلاء القاصرين بأنه تعسفي وطالب بإطلاق سراحهم فوراً.
حرية التعبير تحت المقصلة
لم يقتصر القلق الحقوقي على قضايا المخدرات، إذ أُعدم في 14 يونيو الصحفي السعودي تركي بن عبدالعزيز الجاسر عقب محاكمة سرية، ما أثار موجة غضب واسعة لدى المنظمات الحقوقية الدولية.
ويرى ناشطون أن إعدام الجاسر يذكر بجريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي في 2018، ويجسد حجم المخاطر التي تواجهها حرية التعبير في السعودية. ويواجه معتقلون مثل حسن المالكي وسلمان العودة تهديداً مماثلاً بالإعدام على خلفية تهم تتعلق بتعبيرهم عن آرائهم.
سياسة ممنهجة وليست استثناء
خلص التقرير إلى أن السعودية لا تستخدم الإعدام كأداة استثنائية، بل في إطار سياسة ممنهجة لقمع المعارضة وترهيب المجتمع.
فمنذ 2015، نفذت السعودية أكثر من 1300 إعدام، استهدفت في كثير من الحالات فئات بعينها مثل الأجانب، والفقراء، والمتظاهرين، والمعارضين السياسيين، في محاكمات تفتقر إلى أبسط معايير العدالة.
ودعت المنظمتان المجتمع الدولي إلى اتخاذ موقف أكثر حزماً إزاء ما وصفته بـ«حمام الدم» المستمر في المملكة، وحماية حياة المهددين بالإعدام، خصوصاً في القضايا التي لا تبرر العقوبة القصوى بموجب القانون الدولي.