دخل اقتصاد المملكة مرحلة “شد الحزام” في ظل تكبده خسائر قياسية والتوجه نظام آل سعود لتقليص الإنفاق ما يهدد بتسريح مئات الآلاف من العمال.
ويتساءل مراقبون ماذا تبقى من رؤية 2030 لولي العهد محمد بن سلمان وماذا تبقى من الصورة الحالمة للمملكة واقتصادها بعد أن أصبحت أهم ركائز الرؤية وهي الاقتصاد تتداعى بشكل مريع بعد تهاوي أسعار النفط واستثمارات كبدت خسائر بمليارات الدولارات.
يحدث ذلك في ظل تقلص الاحتياطي الأجنبي وتنامي المديونية بشكل غير مسبوق.
وقد كان شرط نجاح رؤية بن سلمان بلوغ أسعار النفط 100$ للبرميل وعلى هذا الأساس كان تقييم شركة أرامكو قبل طرحها المثير للجدل فيما يشكل سعره 80$ للبرميل شرطاً لبلوغ التوازن في الميزانية العامة للمملكة.
لكن الأسعار اليوم عند مستويات متدنية جداً لتحقيق التوازن فضلاً عن الرؤية ولعل أكثر من يقف على جمر الإصلاحات الاقتصادية المتعثرة هم المواطنون والمقيمون على حد سواء بعد أن فرضت عليهم الحكومة رسوماً متعددة ومتنوعة استهدفت المقيمين والعمالة الأجنبية.
كما تم فرض حزمة من الضرائب الحكومية مثل ضريبة القيمة المضافة وضريبة الاستهلاكية وغيرها.
ومع تدهور الأوضاع الاقتصادية وتفاقم العجز في الموازنة اضطرت حكومة آل سعود إلى خفض الانفاق العام بقيمة 13 مليار دولار وهو ما يعني تسريح مئات الآلاف من العمال لا سيما في القطاع الخاص فضلاً عن غلق مناطق صناعية كما جرى في منطقة الدمام بسبب تفشي فايروس كورونا.
وفي الصورة الأخرى نظرياً يقف مشروع نيوم الذي يكلف نحو 500 مليار دولار شاهداً على حجم الخيال البعيد عن الواقع ومعطياته.
وهو الخيال ذاته الذي جعل خبراء كثيرين حول العالم يستغربون كيف تبدد الأموال الضخمة في مشاريع خاسرة كاستثمار 45 مليار دولار في صندوق رؤية من مجموعة سوفت بانك اليابانية والتي أشارت إلى أن صندوق رؤية تكبد خسارة استثمارية بقيمة تقترب من 17 مليار دولار بسبب بيئة السوق المتدهورة.
وتبدو خيارات نظام آل سعود محدودة جداً من أجل دعم اقتصاد المملكة المنهمك بسبب تهاوي أسعار النفط فإما اللجوء إلى الاحتياطي من النقد الأجنبي الذي تهاوي من 740 مليار دولار في شهر آب/أغسطس من العام 2014 إلى نحو 460 مليار دولار حالياً أو خيار التوسع بالاستدانة من الأسواق الخارجية وهو ما رفع إجمالي الدين العام للبلاد من نحو 38 مليار دولار في نهاية 2015 إلى حوالي 190 مليار دولار حاليا.
وروج نظام آل سعود بأن عام 2020 أصبح عام اعادة تجميع الأوراق في المملكة أو التي خلطتها السياسات الخاطئة داخلياً وخارجياً لكن صارت الرياح بالاتجاه التي دأبت عليه السفن فجاء فايروس كورونا ليزيد في بعثرة الأوراق والحسابات التي كانت قائمة على النفط وحده اقتصادياً وسياسياً.
وتطفو على السطح عدة مؤشرات سلبية عن واقع الأزمة الذي يعانيها اقتصاد المملكة وهي: تهاوي الاحتياطيات النقدية، وتفاقم العجز، وزيادة الديون إلى أرقام قياسية، وتراجع أرباح البنوك، وانكماش الاقتصاد.
في مقدمة ذلك انزلاق المؤشر العام إلى مستوى 6639.4 نقطة، متراجعا بنسبة 6.5%، حيث هبطت جميع القطاعات بنسب حادة، ليغرق اللون الأحمر شاشة التداول مع انخفاض أسهم 193 شركة من إجمالي 200 شركة مدرجة في السوق، بينما لم يرتفع سوى سهمين فقط، وحافظت 5 أسهم على مستويات الإغلاق السابق.
وقد خفضت وكالة موديز للتصنيف الائتماني العالمية، النظرة المستقبلية للمملكة إلى “سلبية” من “مستقرة”، بسبب المخاطر التي يمكن أن تواجهها المملكة من جراء تذبذب أسعار النفط الناتجة عن أزمة كورونا، ومن عدم اليقين الناتج عن تعامل المملكة للتخفيف من آثار هذه العوامل، من خلال موازنة الديون والإيرادات النفطية.
وتم تسجيل انخفاض احتياطي البنك المركزي السعودي من العملات الأجنبية في آذار/مارس الماضي بأسرع معدل له منذ 20 عامًا على الأقل، مسجلاً أدنى مستوى له منذ 2011، بينما تراجعت المملكة إلى 9 مليارات دولار من عجز الموازنة في الربع الأول مع انهيار عائدات النفط.
كما انخفض الاحتياطي العام للدولة الذي يحوّل إليه ما يتحقق من فائض في إيرادات الميزانية 1.2 مليار ريال خلال شهر مارس ليتراجع إلى 469.6 مليار ريال.
وهوت إيرادات المملكة من عائدات تصدير النفط بنحو 24% لتبلغ 192.072 مليار ريال. وفي المقابل، ارتفعت المصروفات 4% لتصل إلى 226 مليار ريال، كما بلغ عجز الميزانية في الربع الأول من 2020 نحو 34.107 مليار ريال.
وبحسب مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي) فإن صافي الأصول الخارجية للمملكة نزل في مارس/ آذار إلى نحو 1.775 تريليون ريال (473.33 مليار دولار) مقابل 1.865 تريليون ريال (497.33 مليار دولار) بنهاية شهر فبراير/ شباط السابق له، متراجعة بنسبة 4.8 في المائة بما يعادل 89.7 مليار ريال (23.92 مليار دولار.
وانخفضت استثمارات مؤسسة النقد السعودي في الأوراق المالية بالخارج، التي تمثل نحو 63 في المائة من إجمالي موجوداتها، بنسبة 7.1 في المائة (86 مليار ريال)، لتبلغ 1.122 تريليون ريال بنهاية الشهر الماضي، مقابل 1.208 تريليون ريال بنهاية الشهر السابق له.
كما انخفضت الأرباح المجمعة للبنوك العاملة في المملكة قبل الزكاة والضرائب خلال شهر مارس/ آذار 2020 إلى نحو 3.98 مليارات ريال (1.09 مليار دولار)، وبنسبة انخفاض قدرها 21% مقارنة بأرباح نفس الشهر من عام 2019، والتي بلغت آنذاك نحو 5.06 مليارات ريال (1.35 مليار دولار)، وذلك وفقاً للنشرة الإحصائية الشهرية لمؤسسة النقد العربي السعودي لشهر مارس 2020.
وكانت البنوك العاملة في المملكة سجلت انخفاضاً في أرباحها التراكمية منذ بداية العام 2020 لتصل إلى حوالي 13.67 مليار ريال، بنسبة انخفاض قدرها 2% مقارنة بنفس الفترة من عام 2019 والتي بلغت نحو 13.9 مليار ريال.
وأظهرت بيانات، نشرتها وزارة المالية على موقعها الإلكتروني مؤخراً، أن الديون المباشرة القائمة على الحكومة في 31 ديسمبر/كانون الأول 2019 بلغت 677.9 مليار ريال (180.8 مليار دولار)، منها 372.8 مليار ريال ديون محلية و305.2 مليار ريال (81.4 مليار دولار) ديون خارجية، مقابل ديون كلها محلية بلغت 142.2 مليار ريال نهاية 2015.
وتأثرت الشركة بانهيار أسعار النفط في السوق العالمية، والتي تلقي بظلال قاتمة على مستقبل صناعة الطاقة في المملكة، أكبر مصدر للنفط في العالم.
وأعلنت شركة بترورابغ التي تعمل في تكرير النفط وإنتاج البتروكيماويات في إفصاح للبورصة تسجيل خسائر بقيمة 1.79 مليار ريال (480 مليون دولار) بنهاية الربع الأول من 2020 ، مقارنة بأرباح 257 مليون ريال خلال نفس الفترة من عام 2019.
كما انخفضت أرباح أرامكو بنسبة 21 في المائة خلال العام الماضي إلى 330.7 مليار ريال، مشيرة إلى أن ذلك يعود إلى تراجع أسعار النفط الخام وكميات إنتاجه، بالإضافة إلى انخفاض الهوامش الربحية لقطاعي التكرير والكيميائيات.