مؤشر صادم جديد لتدهور اقتصاد المملكة
أظهر مؤشر جديد حدة التدهور الحاصل لاقتصاد المملكة في ظل تفاقم العجز في الموازنة واتخاذ إجراءات تقشف على وقع حرب أسعار النفط وأزمة تفشي جائحة فيروس كورونا.
فقد ارتفع معدل أسعار المستهلك (التضخم) السنوي في المملكة خلال فبراير/شباط الماضي، بنسبة 1.2 بالمئة (أعلى معدل منذ 2018). وهو ارتفاع يتم تسجيله للشهر الثالث على التوالي.
وأظهرت بيانات الهيئة العامة للإحصاء السعودي (حكومي)، ارتفاع التضخم بنسبة 0.3 بالمئة على أساس شهري.
وبلغ الرقم القياسي العام لتكاليف المعيشة، في فبراير الماضي 98.7 نقاط، مقارنة بـ 97.5 نقاط في الشهر ذاته من 2019، و98.4 نقاط في يناير/كانون الثاني الماضي.
وسجل التضخم في المملكة انكماشاً منذ مطلع 2019 حتى نهاية نوفمبر/تشرين ثان من العام ذاته على أساس سنوي، فيما بدأ الارتفاع منذ ذلك الحين.
وبدأت المملكة في يوليو/ تموز 2017، فرض ضريبة انتقائية على التبغ والمشروبات الغازية ومشروبات الطاقة بنسب بين 50 – 100 بالمئة.
فيما بدأت مطلع 2018، تطبيق ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5 بالمئة، كما رفعت أسعار الطاقة والكهرباء.
في هذه الأثناء حذر موقع أمريكي من مقامرة أسعار النفط التي أطلقها ولي العهد محمد بن سلمان قد تنقلب سريعا ضد المملكة.
وفي مقال نشره موقع “أويل برايس” الأميركي، قالت الكاتبة تسفيتانا باراسكوفا، إنه بعد مرور أكثر أسبوعين، يوجد حوالي أربعة ملايين برميل يوميا في السوق من إجمالي إمدادات النفط الموعودة خلال الشهر المقبل، وفي الوقت الراهن، تحاول كل من الرياض وموسكو حساب تكلفة انهيار الأسعار وتعديل نفقاتهما الحكومية.
من جهتها، توقعت روسيا حدوث انخفاض حاد في عائدات النفط على المدى القريب، نظرا لأن خام برنت بالكاد تمكن من الاستقرار قريبا من ثلاثين دولارا خلال هذه الفترة، فضلا عن مساهمة جائحة فيروس كورونا في تراجع الطلب بشكل كبير.
بالإضافة إلى ذلك، أعلنت المملكة هذا الأسبوع، أنها ستخفض الإنفاق الحكومي بمقدار 13.2 مليار دولار أميركي (50 مليار ريال سعودي)، أو ما يصل إلى 5% من إنفاق ميزانيتها لعام 2020 بعد أن وافقت الحكومة على إجراء تخفيض جزئي في بعض البنود بأقل تأثير اجتماعي واقتصادي.
ووفقا لوزير المالية القائم بأعمال وزير الاقتصاد والتخطيط، محمد الجدعان، تمت الموافقة على هذه الإجراءات في ضوء التطور الملحوظ في إدارة المالية العامة، ووجود المرونة المناسبة لاتخاذ إجراءات في مواجهة الصدمات الطارئة.
وذكرت الكاتبة أن المملكة اتخذت عدة تدابير للحد من تأثير انخفاض أسعار النفط، كما ستتخذ تدابير إضافية للتعامل مع الانخفاض المتوقع في الأسعار.
ويبدو أن المملكة تراهن على الاستفادة من الأموال الواردة من صندوق الثروة السيادي الخاص بها لرأب الصدع في الوضع المالي الحكومي الناجم عن انخفاض أسعار النفط.
وفقا لمؤسسة فيتش الدولية للتصنيف الائتماني، تحتاج المملكة إلى ارتفاع أسعار النفط لتبلغ 91 دولارا للبرميل في عام 2020، وذلك حتى تتمكن من موازنة ميزانيتها.
وأضافت مؤسسة فيتش أنه “بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، نقدّر أن هبوط سعر برميل النفط إلى عشر دولارات سيؤثر على العائدات الحكومية بنسبة تتراوح بين 2% إلى 4% من الناتج المحلي الإجمالي”.
وبحسب الكاتب عند الوصول إلى عتبة ثلاثين دولارا للبرميل ( في المتوسط)، ستُستنزف موارد صندوق الثروة السعودي بسرعة، وسيؤدي انخفاض الإنفاق الحكومي إلى توقف سير عمل الكثير من المشاريع، كما ستزيد معاناة القطاع الخاص غير النفطي، ويشار إلى أن هذا الضرر الناجم عن تراجع الأسعار لن يكون سوى لفترة وجيزة.
يشار إلى أن أسعار النفط انخفضت في تعاملات الأربعاء، إذ طغى تعثر الطلب على الوقود بسبب انتشار فيروس كورونا على حزمة أميركية هائلة للتحفيز الاقتصادي من المنتظر إقرارها.
وهبط خام برنت نحو 1.7% ليصل 26.70 دولارا للبرميل في التعاملات الصباحية، في حين انخفض الخام الأميركي ما يعادل 0.42% ليبلغ 23.9 دولارا.
وهبطت أسعار النفط نحو 45% منذ بداية شهر مارس/آذار الجاري.
وأكدت الكاتبة أن الضرر على المدى الطويل يتمثل في نقص الأموال لتنفيذ المشاريع الخاصة بخطة رؤية 2030 الاقتصادية لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان.
وشهدت هذه الخطط تراجعا بالفعل حتى قبل انهيار أسعار النفط بسبب تأخر تدفق المليارات من الاستثمارات الأجنبية إلى السعودية، في إطار خطط بن سلمان لتنويع الاقتصاد السعودي وعصر ما بعد النفط.
ونقلت الكاتبة ما جاء على لسان، جان فرانسوا سيزنيك، زميل أول غير مقيم في مجلس الأتلانتك الذي أوضح، “أعتقد أننا بدأنا نرى أن رؤية 2030 لا تسير على ما يرام”.
وأكد سيزنيك أن معدل التوتر بين السعوديين ارتفع، حتى بين الموالين الرئيسيين لولي العهد، في الوقت ذاته يحتاج بن سلمان إلى إجبار الروس على التخلي عن التخفيضات والموافقة عليها حتى وإن كان ذلك يضر بصناعة الصخر الزيتي في الولايات المتحدة.
ويبدو أن الروس -تقول الكاتبة- مستعدون جيدا لحرب أسعار النفط، حيث وعدوا بزيادة في إنتاج النفط تصل إلى خمسمئة ألف برميل يوميا، ولم يتوانوا عن التأكيد للسوق أن لديهم موارد كافية لتغطية عجز الميزانية، في حال أضحى سعر النفط بين 25 وثلاثين دولارا للنفط بين ست وعشر سنوات.
في الواقع -تقول الكاتبة- ستؤثر جائحة فيروس كورونا المستجد وتراجع النشاط الاقتصادي -إلى جانب هبوط أسعار النفط إلى النصف حتى قبل أن تفكك كلا من روسيا والمملكة العربية السعودية اتفاقية أوبك بلس- على عائدات روسيا وميزانيتها.
وصرح وزير المالية الروسي أنطون سيلوانوف، هذا الأسبوع بأن إيرادات روسيا من النفط والغاز ستتراجع بحوالي 39.5 مليار دولار (ثلاثة تريليونات روبل) عما كان مقررا، مضيفا أن موسكو تتوقع الآن حدوث عجز في ميزانيتها.
في المقابل، يدعي بعض المحللين بأن روسيا في وضع قيادي ضريبي ومالي وسياسي أفضل من المملكة العربية السعودية ما سيمكنها من الانتصار في حرب أسعار النفط.
وأفادت الكاتبة بأنه ستكون هناك دون شك انعكاسات اقتصادية سلبية ستطال كلا الجانبين في هذه الحرب، التي ستكون أولى ضحاياها قطاع الصخر الزيتي الأميركي وصناعة النفط الكندية، وقطاع النفط والغاز البحري في المملكة المتحدة.
ويبدو أن اللعبة النفطية التي تدور بين المملكة العربية السعودية وروسيا هي لعبة من سيضعف أولا ويتنازل قبل الآخر عن مواصلة تحدي منافسه.
في المقابل، يبدو جليا أن نظام آل سعود وتحديد محمد بن سلمان أساء تقدير دفاعاته المالية واستخف بتداعيات تفشي فيروس كورونا على قاعدة الطلب العالمية.