يجمع مراقبون على أن اقتصاد المملكة الذي يواجه حالة من التراجع المستمر يدفع كلفة الغموض الفادحة المستمرة منذ أكثر من عام بفعل تهور سياسات ولي العهد محمد بن سلمان.
ويجد اقتصاد المملكة نفسه يخسر الكثير، كما خسر الكثير منذ اندلاع أزمة مقتل الصحفي جمال خاشقجي، وقبلها مغامرة حرب اليمن وبدء الأزمة الخليجية عبر حصار دولة قطر.
ذلك لأن هجرة الأموال إلى الخارج ستزيد في حال استمرار حالة عدم اليقين أكثر من اللازم، ومعها تهرب الأموال المحلية قبل الخارجية، وستفقد البلاد مليارات الدولارات التي تتدفق عليها في صورة استثمارات أجنبية سواء مباشرة أو غير مباشرة، وستتعرض البورصة لانتكاسات حتى ولو تم دعمها ومساندتها بأموال حكومية، فالقلق والترقب لا يصنعان استقراراً اقتصادياً.
وتعيش المملكة منذ أشهر طويلة حالة الغموض السياسي أو عدم اليقين والتي تشهدها الدول عادة عندما تمر بقلاقل وأزمات سياسية أو أمنية أو اجتماعية أو اقتصادية.
هذه الحالة طغت على المملكة عقب الكشف عن اغتيال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول مطلع تشرين أول/أكتوبر 2018، وزادت حدتها عقب تأكيد وكالة المخابرات الأميركية (CIA) ومشرعين أميركيين أن ولي بن سلمان هو من أمر بقتل خاشقجي.
حالة الغموض أو عدم اليقين تلك هي الأخطر على الاقتصاد والدول والمجتمعات، لأن مؤشرات خطرة تصاحبها من أبرزها، انسحاب الاستثمارات الأجنبية من الدولة، تهريب رجال الأعمال أموالهم، تأجيل إقرار التشريعات والقوانين، تأجيل اتخاذ القرارات الاقتصادية والمالية المهمة من قبل الحكومات والمؤسسات المالية والمستثمرين على حد سواء، تأجيل تنفيذ المشروعات الكبرى خاصة متوسطة وطويلة الأجل.
ببساطة، ترك كل القرارات المهمة معلقة، فالجميع لا يعرف ماذا يحمل الغد من مفآجات داخل المملكة، ومتى سيتم إغلاق قضية خاشقجي، وأي السيناريوهات سيتم تطبيقها في حال معالجة الأزمة القائمة وتأثيراتها على دول المنطقة.
ففي ظل حالة الغموض السياسي التي تشهدها المملكة، حاليا يسأل المستثمر المحلي قبل الأجنبي: ماذا سيحدث غداً داخل الأوساط السياسية السعودية وماذا لو هدد المشرعون الأميركيون بمسّ الاستثمارات السعودية في البنوك والأسواق الأميركية، أو تطبيق قانون جاستا والسماح لأسر ضحايا 11 سبتمبر بمقاضاة الحكومة السعودية أمام المحاكم الأميركية وطلب تعويضات بمليارات الدولارات كما حدث في قضايا التدخين الشهيرة، هل سيتوسع الكونغرس الأميركي في تطبيق قانون ماغنتسكي الدولي؟.
ثم ماذا عن مستقبل رؤية 2030 التي أطلقها محمد بن سلمان في العام 2016 وكان من أبرز ملامحها إجراء تنويع للاقتصاد والتخلي عن النفط كمصدر وحيد للإيرادات العامة، وزيادة الصادرات غير النفطية، والإسراع في بيع المرافق والهيئات والشركات التابعة للدولة؟
ماذا عن مشروع “نيوم” الواقع على البحر الأحمر وخليج العقبة بمساحة إجمالية تصل إلى 26500 كيلومتر مربع والذي اعتبره محمد بن سلمان بداية انتقال المملكة إلى المستقبل ورصد له استثمارات بقيمة 500 مليار دولار؟ وما موقف المستثمرين الأجانب الذين أعلنوا عن ضخ المليارات في هذا المشروع الاستثماري والسياحي الضخم.
وماذا عن مشروعات الترفيه وتأسيس دور سينما ومسارح في المملكة؟ ماذا عن الاستثمارات الأجنبية الجديدة المقرر ضخها في قطاع الترفيه الذي وصفه محمد بن سلمان بأنه واعد وجذاب؟
عشرات الأسئلة التي ينتظر المستثمر المحلي قبل الأجنبي الإجابة عنها قبل الإقدام على اتخاذ أي قرار استثماري جديد داخل المملكة.
أمام حالة الغموض السياسي تلك لا يمكن للمجتمعات أن تتطور وتتقدم، بل يصاب القرار الاستثماري والاقتصادي بها بحالة من الجمود وربما الشلل.