يدعي محمد بن سلمان أنه يقوم بالإصلاحات داخل المملكة وفق رؤية 2030 المزعومة وفي ذات الوقت يحكم بقبضة من حديد ويعتقل وينكل ويتجسس ويقتل وكل ذلك يضر باقتصاد المملكة.
وبعد أكثر من 3 سنوات من إطلاق إصلاحات “رؤية 2030” المزعومة يهرب المستثمرين ورؤوس الأموال من المملكة خوفاً من الانتهاكات المستمرة بحق المواطنين فيما يتعلق بحقوق الانسان.
وتحرص المملكة على تقديم نفسها للعالم كاقتصاد مزدهر ولاعب جيوسياسي رئيسي.
في عام 2017، أعلن ولي العهد “رؤية 2030″، وهو برنامج للإصلاحات واسعة النطاق يحتوي مخططا لتنويع الاقتصاد السعودي وتقليل اعتماده على النفط، ولكنه يحتوي أيضًا على خطط لتطوير العديد من جوانب القطاع العام، من التعليم إلى السياحة.
ولكن منذ ذلك الوقت، انخفض الاستثمار الأجنبي، وارتفعت أسعار المنازل، وغادر العديد من العمال الأجانب البلاد.
ربما يكون من المحتم أن تشهد أي دولة انخفاضا قصير الأجل في الاستثمار بعد إعلان أنها ستخفض اعتمادها على مورد مالي كانت تعتمد عليه بشدة في السابق. وهذا ينطبق بشكل خاص في حالة وجود مورد مربح مثل النفط.
في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017 كان “بن سلمان” وراء حملة وحشية ضد العديد من منافسيه السياسيين، حيث تم جمع أفراد العائلة المالكة السعودية وشخصيات قوية أخرى في معتقل فاخر في “ريتز كارلتون” في العاصمة الرياض.
وتعرض المعتقلون للتعذيب النفسي والابتزاز والتعذيب البدني. وتم اعتقال مئات من أفراد العائلة المالكة والسياسيين والمستثمرين في ذلك المساء الاستثنائي، حيث تحولت القاعات الرخامية البراقة في فندق “ريتز كارلتون” إلى سجن كبير.
وتم إخبار المحتجزين أن عليهم التنازل عن جزء كبير من ثرواتهم من أجل إطلاق سراحهم.
ووصف “بن سلمان” القمع العنيف ضد خصومه بأنه عمل وطني، يهدف إلى القضاء على الفساد في البلاد، ولكن من الواضح الآن أن هذه الخطوة لم تكن أكثر من محاولة لتعزيز سلطته الخاصة وإرسال رسالة إلى منافسيه المحليين.
وقال مسؤول أمريكي سابق إن عمليات الاعتقال صُممت “لتذكير الناس أن ثروتهم ورفاههم ستعتمد على ولي العهد وليس على أي شيء آخر”. كان العديد من المستهدفين على مقربة من الدائرة الداخلية للملك الراحل “عبد الله” بمن في ذلك اثنين من أبنائه.
في أعقاب ذلك، حكم “بن سلمان” المملكة بقبضة حديدية، وجاءت اللحظة الأكثر شهرة ووحشية في 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، عندما قُتل الصحفي في “واشنطن بوست” الأمريكية “جمال خاشقجي” في القنصلية السعودية في إسطنبول.
ووفقا لوكالة المخابرات المركزية، أمر “بن سلمان” شخصيا بعملية الاغتيال.
بخلاف ذلك تم رصد العديد من الانتهاكات التي ارتكبت في المملكة في تلك الحقبة، مثل احتجاز أعداد كبيرة من ناشطي حقوق المرأة في عام 2018، الذين تعرض كثير منهم للتعذيب والاعتداء الجنسي في السجن.
أضف ذلك إلى تصاعد الحرب الوحشية في اليمن، ولهذا ليس غريبا أن سمعة المملكة تراجعت تحت قيادة “بن سلمان” وتضررت بشكل لا يمكن إصلاحه.
وفي ظل هذه الخلفية، كان لابد للاستثمار الأجنبي في البلاد أن يتعثر.
وكان لما حدث فندق “ريتز كارلتون” تأثير فوري على الاقتصاد السعودي.
وبشكل عام، تم توجيه الاتهام لـ 201 شخص في تحقيق الفساد المفترض الذي تلا ذلك، بمن في ذلك 11 من الأمراء وتم تجميد أكثر من 1700 حساب مصرفي، وتم التحقيق في أكثر من 100 مليار دولار بسبب جرائم مالية.
وبالنسبة للكثيرين في البلاد، كان هناك قلق حقيقي من أن هذه الأنواع من الإجراءات تجعل القيادة في البلاد تبدو غير مستقرة، مما يؤجل دخول المستثمرين الأجانب في القطاع الخاص وفق أهداف رؤية 2030.
وبالفعل، قرر العديد من المستثمرين الأجانب في ذلك التوقيت إما الاحتفاظ بأموالهم إلى أن يستقر الوضع، أو البحث ببساطة في مكان آخر.
ومع استمرار ركود الاستثمار الأجنبي بعد مقتل “خاشقجي”، حول “بن سلمان” انتباهه إلى الشركات السعودية.
وقد ذهب البلاط الملكي إلى حد إنشاء مجموعة “واتساب” حيث يمكن للقادة في مجال الصناعات والشركات الصناعية التحدث مع “بن سلمان” وكبار المسؤولين.
ومع ذلك، فإن الشركات السعودية هي التي تحملت وطأة سياسات “بن سلمان” حتى الآن.
وقد قال مسؤول تنفيذي أجنبي: “هناك حوالي 7000 شركة صناعية في المملكة وكثير منهم يخسرون المال أو بالكاد يكسبون المال”.
وقد عزا المحللون هذا إلى عوامل مثل التخفيضات الهائلة في دعم الطاقة وإدخال ضريبة القيمة المضافة، وما صاحبها تأثير سلبي على إنفاق الأسر.
والأمر الأكثر إثارة للقلق هو حقيقة أنه بعد تراجع أسعار النفط في عام 2014، لم تُدفع عشرات المليارات من الدولارات من العقود الحكومية.
كما كان هناك هجرة كبيرة من المغتربين، الذين شغلوا حوالي 90% من جميع وظائف القطاع الخاص قبل صعود “بن سلمان” بسبب الزيادات الكبيرة في التعريفات على العمال الأجانب. وأدى ذلك إلى ارتفاع التكاليف وانخفاض الأرباح بالنسبة للشركات.
على الرغم من كل ما حدث في المملكة على مدى السنوات الخمس الماضية، تظل هناك حقيقة واحدة لم تتغير وهي أن المستثمرين يتبعون المال في النهاية.
وفي حين قاطع العديد من المؤسسات والشخصيات المالية السعودية يعد مقتل “خاشقجي”، فإنهم يبدون أكثر ترحابا للتعامل مع الرياض في الوقت الراهن.
ومع ذلك، ورغم أن المستثمرين يذهبون دائما حيث يوجد المال، فإن تكتيكات “بن سلمان” الوحشية ستواصل تهديد مناخ الاستثمار في المملكة.