يقوض اقتصاد المملكة.. بن سلمان لا يتعلم من أخطائه الكارثية
تظهر الوقائع أن ولي العهد محمد بن سلمان لا يتعلم من أخطائه الكارثية ما يهدد بتقويض اقتصاد المملكة التي دخلت في نفق مظلم بفعل تهور ولي العهد وتخبط سياساته.
ومن ذلك ما كشفته صحيفة “وول ستريت جورنال” بأن المملكة تُهدد بحرب جديدة في أسعار النفط مع أقرانها في أوبك، مشيرة إلى أن وزير الطاقة السعودي طلب خلال الأسابيع القليلة الماضية، من أنجولا ونيجيريا تقديم تعهدات مفصلة بتنفيذ تخفيضات إضافية في إنتاج النفط.
وأوضحت الصحيفة الأمريكية أن المملكة تهدد بإشعال هذه الحرب ما لم يقم أعضاء آخرون في أوبك بالتعويض عن فشلهم في الامتثال للتخفيضات الإنتاجية الأخيرة للمنظمة، مشيرةً إلى أن التهديد السعودي يأتي تزامناً مع ما أظهرته بيانات رسمية، من انكماش الاقتصاد السعودي 1% في الربع الأول من العام، لكن الأرقام لم تتضمن غير تأثير هامشي لانهيار أسعار النفط وأزمة فيروس كورونا التي تفاقمت في مارس/آذار.
وقالت الهيئة العامة للإحصاء: “يرجع ذلك بنسبة كبيرة إلى انخفاض النمو في القطاع النفطي بمقدار 4.6%، رغم تحقيق القطاع غير النفطي ارتفاعاً قدره 1.6%”، مستشهدة بتقديرات أولية.
ووفق تقرير لوكالة “رويترز”، يواجه أكبر بلد مصدّر للنفط بالعالم أسوأ تراجع اقتصادي له هذا العام، في ظل جائحة فيروس كورونا التي أضعفت الطلب العالمي على الخام وإجراءات احتواء الفيروس التي أضرَّت بالاقتصاد غير النفطي للمملكة.
وقال جيمس سوانستون الاقتصادي في “كابيتال إيكونوميكس” المتخصص بشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: “أزمة فيروس كورونا تعني أن هذه أنباء قديمة إلى حد ما، ومن المؤكد بدرجة كبيرة أن تكون بيانات الربع الثاني مروعة”.
وفي الربع الأول، هوت صادرات السعودية نحو 11 مليار دولار على أساس سنوي. وتفيد بيانات رسمية صدرت الشهر الحالي، بأنها انخفضت نحو 12 مليار دولار في أبريل/نيسان وحده.
ومن المرجح أن تؤثر تخفيضات إنتاج النفط الكبيرة في مايو/أيار ويونيو/حزيران، بهدف رفع الأسعار، على الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني، وأظهرت الأرقام الصادرة عن البنك المركزي هذا الأسبوع، أن معاناة الاقتصاد غير النفطي ستستمر في مايو/أيار.
ووجد مسح أجرته “رويترز”، أن إنتاج أوبك من النفط سجَّل أدنى مستوى له خلال عقدين في يونيو/حزيران، مع قيام المملكة وأعضاء آخرين من دول الخليج العربية بتخفيضات أكبر؛ مما دفع إلى امتثال المجموعة لاتفاق خفض الإمدادات إلى أكثر من 100%، على الرغم من عدم وفاء العراق ونيجيريا بكامل حصتيهما.
كما وجد المسح أن الدول الأعضاء في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، وعددها 13، ضخَّت 22.62 مليون برميل يومياً بالمتوسط في يونيو/حزيران، بانخفاض 1.92 مليون برميل يومياً عن الرقم المعدّل لشهر مايو/أيار.
وقال تاماس فارجا، من “بي.في.إم” للسمسرة في النفط: “من المتوقع أن يرتفع الطلب في النصف الثاني من العام، وهناك توافق عام على أن مجموعة أوبك+ ستفي بالتوقعات وستحقق امتثالاً كبيراً في يونيو/حزيران ويوليو/تموز”.
وأظهرت سجلات مسح لـ”رويترز”، أن إنتاج يونيو/حزيران سيكون الأدنى لـ”أوبك” منذ عام 2000 على الأقل، دون وضع التغير في أعضاء أوبك منذ ذلك الحين في الاعتبار.
وجاء أكبر انخفاض في المعروض من السعودية، التي ضخت 7.55 مليون برميل يومياً في يونيو/حزيران، أو أقل من حصتها بموجب اتفاق أوبك+ بما يقرب من مليون برميل يومياً، وهو الأدنى للمملكة منذ عام 2002 وفقاً لمسوح رويترز.
وقالت مصادر في المسح، إن الإمارات العربية المتحدة والكويت قدمتا تخفيضات طوعية إضافية. وانخفض إنتاج أوبك، بسبب تخفيضاتٍ أكبر نفذها العراق ونيجيريا، البلدانِ اللذان كانا متخلفَين عن الامتثال في مايو/أيار وفي اتفاقات سابقة لـ”أوبك”.
وتوصل أعضاء منظمة الدول المنتجة للنفط (أوبك) وحلفاؤها بقيادة روسيا (مجموعة أوبك بلس)، والولايات المتحدة وباقي المنتجين من خارج المجموعة، إلى اتفاق تاريخي لخفض الإنتاج العالمي للنفط بنسبة 20% بداية من أول مايو/أيار الماضي، ويستمر الاتفاق حتى أبريل/نيسان 2022، على أن تخف حدة التخفيضات القياسية بداية من يوليو/تموز الحالي، بحسب رويترز.
الاتفاق الذي أعلنت عنه مجموعة أوبك بلس، تم التوصل إليه في وقت متأخر من مساء الأحد 12 أبريل/نيسان الماضي، بعد مشاورات ماراثونية استمرت عشر ساعات متواصلة عبر تقنية الفيديو كونفرانس، وشارك فيها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والعاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وبحسب صحيفة “فزغلياد” الروسية فإن حرب أسعار النفط العام التي أطلقتها المملكة خلال الشهور الأولى من العام 2020 بهدف إلحاق الضرر بخصومها، أعادت بنتائج سلبية على المملكة واقتصادها وقطاعاتها المختلفة.
ووصفت “فزغلياد” في تقرير نشرته حول المشاكل الاقتصادية والسياسية الحادة التي تعاني منها المملكة، قرار الأخيرة حول حرب أسعار النفط العام “غير مدروس”، وتوقعت في الوقت ذاته “قادم أسوأ للملكة”.
وقالت إن سلطات آل سعود تجنى حاليا ثمار ما فعلته عندما أغرقت السوق العالمي بالنفط.
واستدركت: النتائج بدت للوهلة الأولى في صالح المملكة، فقد كان الغرض من خفض الأسعار هو استهداف المنافس الرئيسي في سوق النفط العالمية، الولايات المتحدة، والأهم من ذلك عدم الخضوع لأي سقف صادرات في سوق النفط العالمي.
وأوضحت أن موجة انخفاض الأسعار التي تسببت فيها المملكة أدت إلى إغلاق العديد من المنصات النفطية في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما جعل المملكة تتبوأ مجددا المركز الأول عالميا في تصدير النفط.
وصدرت المملكة في نيسان/ أبريل المنصرم قرابة 11 مليون برميل يوميا إلى الأسواق الأجنبية، في حين أن الولايات المتحدة صدرت 8.6 ملايين برميل فقط.
وأكدت الصحيفة أنه رغم انتهاء حرب الأسعار، ما زالت التوقعات فيما يتعلق بإنتاج النفط الصخري الأمريكي متشائمة.
ويرى مراقبون أن إنتاج النفط في الولايات المتحدة في السنوات القادمة قد ينخفض بمقدار الثلث أو ما يقرب من النصف، وهذا يعني أن الصادرات ستنخفض أكثر فأكثر.
وذكرت “فزغلياد” أن تراجع صناعة النفط في الولايات المتحدة لا يعني عودة الصادرات السعودية إلى السوق الأمريكي إلى معدلاتها السابقة، فإذا كانت المملكة قد زودت الولايات المتحدة في نيسان/ أبريل المنصرم بنحو 1.3 مليون برميل يوميا، فعند النصف الأول من حزيران/ يونيو، تراجع المعدل اليومي إلى حوالي 133 ألف برميل نفط.
وبحسب الصحيفة، فإن هذا الانخفاض في صادرات النفط السعودي إلى الولايات المتحدة فرضته واشنطن، ولم يكن قرارا سعوديا.
وحتى العلاقة القوية بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس دونالد ترامب لم تسهم في إعادة الأمور إلى نصابها، إذ تبقى المصالح الأمريكية وانتعاش قطاع النفط الصخري هي الأهم بالنسبة للرئيس الأمريكي.
وأشارت إلى أن الحرب النفطية التي أشعلها محمد بن سلمان مع روسيا ودول أخرى، بدأت تلقي بظلالها السلبية على المشاريع الطموحة بـ”الدب الداشر”.
وكان ولي العهد السعودي قد سوّق لصورته في الغرب عبر “رؤية 2030” التي كانت تهدف إلى تنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط، من خلال تنفيذ إصلاحات واسعة النطاق ومشاريع عملاقة رُصدت لها استثمارات بقيمة تريليون دولار، بالإضافة إلى الترويج إلى الانفتاح الثقافي والاجتماعي.
وطرحت الصحيفة الروسية التساؤلات والشكوك حول روية ولى العهد “2030”، وبحسب لنتائج الربع الأول من 2020، انخفضت أرباح شركة أرامكو السعودية بنسبة 25 بالمائة تقريبا، لتصل إلى 16.6 مليار دولار.
وقالت الصحيفة إن “القادم يبدو أسوأ بالنسبة للمملكة بسبب أزمة النفط وانخفاض رصيد العملات الأجنبية”.
وبحلول آيار/ مايو المنصرم، بقي حوالي 450 مليار دولار من احتياطيات النقد الأجنبي في خزينة المملكة، بعد أن أنفقت خلال الشهرين السابقين حوالي 10 بالمائة من احتياطياتها.
وأضافت الصحيفة أن جائحة كورونا مثّلت تحديا إضافيا للاقتصاد السعودي خلال الفترة الماضية، حيث تضررت كل القطاعات تقريبا، وهو ما اضطر المملكة إلى ضخ الكثير من الأموال من أجل إنعاش القطاعات الأكثر تضررا.
واعتبرت أن مشاكل اقتصاد المملكة قد لا تتوقف عند هذا الحد، بعد أن أعلنت الحكومة إمكانية إلغاء موسم الحج، كما تشير التقديرات إلى احتمال تخفيض العمالة الأجنبية في المملكة بحوالي النصف.
وأشارت إلى أنه من المنتظر أن تؤدي أزمة أسعار النفط وانخفاض الدخل وتراجع احتياطيات النقد الأجنبي والمشاكل الجيوسياسية إلى حالة من الارتباك داخل المملكة.
وخلصت الصحيفة الروسية إلى أن السبب الرئيسي فيما تمر به المملكة من أزمات “هو رغبة ولي العهد محمد بن سلمان في تحدي الدول الكبرى”.
وسبق أن توقع موقع أميركي أن تنهار سلطات آل سعود كليا في أية حرب نفطية قادمة، بعدما أثارت حربين خلال العقد الماضي وأسفرتا عن خسارتهما.
وقال موقع “أويل برايس” الأميركي إن المملكة أثارت حربين لأسعار النفط خلال العقد الماضي وخسرتهما، عازيا ذلك إلى أنها لم تكن قادرة على التعلم من دروس الماضي.
ورجح الكاتب سايمون واتكينز في مقاله الذي نشره “أويل برايس”، أن تلجأ المملكة لإثارة حرب نفطية ثالثة. مستدركا إن سلطات آل سعود خلقت لنفسها قيدا سياسيا واقتصاديا سيكون نتيجته عملية إفلاس حقيقية.
ورأى واتكينز أن هدف المملكة في كلا حربي النفط الأخيرتين، صناعة النفط الصخري الأمريكي. ففي الحرب الأولى التي امتدت ما بين 2014- 2016 كان الهدف هو منع تطور صناعة النفط الصخري من خلال زيادة الإنتاج وخفض أسعار النفط بطريقة تدفع هذه الشركات للإفلاس، حتى لا تمثل تهديدا للهيمنة السعودية على سوق النفط العالمي في تلك الفترة.
أما في الحرب الأخيرة مارس/ آذار 2019 حتى مارس/ آذار 2020 والتي انتهت قبل فترة، كان الهدف ذاته، وبهدف إضافي، وهو منع شركات النفط الصخري الأمريكية من الحصول على عقود إمداد للنفط التي لم تكن المملكة قادرة على الحصول عليها لالتزامها باتفاق “أوبك زائد” الذي حدد مستويات الإنتاج.
ويتوقع عدد من المحللين تراجع مجمل الناتج المحلي للسعودية هذا العام بنسبة 3 في المائة، وهو أول انكماش منذ عام 2017، والأعلى منذ عام 1999، فيما سيزيد العجز بالميزانية بنسبة 15 في المائة من مجمل الناتج الاقتصادي.
وأظهرت بيانات إحصائية، خسارة المملكة لأسواق الصين، لتصيح روسيا أكبر مصدر للنفط العام خلال إبريل/ نيسان المنصرم.
وتخطت روسيا السعودية لتصبح أكبر مصدر للنفط الخام إلى الصين في إبريل/ نيسان، حسب ما أظهرته بيانات الجمارك، إذ ارتفعت الصادرات 18 في المائة عنها قبل عام مع اقتناص شركات التكرير للمواد الخام بأسعار رخيصة وسط حرب أسعار بين المنتجين.