يبحث نظام آل سعود عن طرق للاقتراض لتغطية العجز المتزايد في موازنة المملكة التي تكبدت خسائر هائلة خلال الأسابيع الأخيرة بفعل مغامرة ولي العهد محمد بن سلمان في إشعال حرب نفط وتأثيرات أزمة فيروس كورونا المستجد.
وذكرت وكالة رويترز للأنباء أن وزارة المالية في نظام آل سعود بدأت في استكشاف خيارات تمويل لمواجهة العجز المالي غير المسبوق في ميزانية المملكة.
وتؤثر قيود اجتماعية وعلى صعيد أنشطة الأعمال ناتجة عن جائحة فيروس كورونا بشدة على قطاعات حيوية في مركز التجارة والسياحة بالشرق الأوسط وفي مقدمتها المملكة.
وتستكشف ممالكة خيارات تمويل من خلال الاستدانة في مواجهة الضغط الاقتصادي على ميزانيتها بسبب الجائحة من ناحية، وأثر تهاوي أسعار النفط من ناحية أخرى. ورفعت المملكة الشهر الماضي سقف الاستدانة إلى 50% من الناتج المحلي الإجمالي، من 30%.
في هذه الأثناء كشفت وكالة “بلومبرج” الأمريكية، عن تداول سندات “أرامكو” الحكومية المستحقة في 2029، بعائد أعلى من ديون حكومة المملكة، ذات الاستحقاق المماثل.
ووفق الوكالة، فإن هذه الخطوة تخالف ما جرى العام الماضي، عندما أصدر عملاق الطاقة السعودي، سندات اليورو الخاصة به، وتم تسعير الأوراق النقدية بعائد أقل من تلك الخاصة بالحكومة نفسها.
وعلقت “بلومبيرج” على ذلك بالقول إنه “أمر نادر في أسواق سندات الشركات”. وحسب الوكالة، سجلت السندات خسارة بنسبة 8.2% في مارس/آذار، وهو أسوأ أداء شهري لها على الإطلاق.
وأضافت: “حرب أسعار النفط لا تقدم أي خدمة لحاملي سندات أرامكو”، بعد عام واحد من ظهور الشركة العملاقة في أسواق رأس المـال الدولية.
يأتي ذلك، بعد أن انخفضت أسعار النفط الخام بأكثر من النصف منذ بداية العام، بعد حرب أسعار بين المملكة وروسيا نتيجة لفشل تحالف “أوبك+”، الشهر الماضي، في الاتفاق على مزيد من الخفض في الإمدادات النفطية لوقف تدهور الأسعار.
ونقلت الوكالة عن شركة “تي رو برايس”، ومقرها بالتيمور الأمريكية، والتي تدير أصولا بقيمة 1.2 تريليون دولار، قولها إن “سندات أرامكو ستظل تحت الضغط، طالما فشل أكبر منتجيّ النفط في العالم في الاتفاق على قيود العرض”.
وكانت “أرامكو” أكبر شركة نفط في العالم، أعلنت في أبريل/نيسان 2019، عن طرح أول سندات دولية بقيمة 12 مليار دولار أمريكي.
من جهته قال رئيس المعهد الأميركي للنفط مايك سومرز إنه لا يوجد أي مستفيد من سعر النفط بهذا المستوى وأن المملكة في مقدمة الأطراف التي تخسر بشدة بسبب مغامرة بن سلمان.
وأضاف سومرز أن “ما نراه هنا هو أشخاص يتصرفون بما يخدم مصالحهم الشخصية، وعلينا أن نعيد التوازن للسوق، وأفضل طريقة لذلك هي تخفيض الإنتاج في المدى المنظور، ولكنني أعتقد أن النقطة الأساسية هنا هي أن المنتجين تحت ظل مستبد يريد تحديد سعر النفط كما يرغب هو” في إشارة إلى بن سلمان.
من جهتها قالت صحيفة “فورين بوليسي”، إنه في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعلم محمد بن سلمان درساً أن لا يخاف من أحد إلا إذا تلقى التهديد مباشرة من واشنطن سواء تعلق الأمر بحرب النفط أو حرب اليمن.
وأضافت الصحيفة أن تصرف بن سلمان بخفض أسعار النفط هو على الأرجح سياسة جنونية قد تسبب ضرراً كبيراً لأسواق النفط في المملكة والعالم.
وكان السيناتور الجمهوري عن تكساس تيد كروز هدد و12 عضوا أخرين بقطع العلاقات مع بن سلمان إن استمر بحرب أسعار النفط وتحدث كيف وبخوا سفيرة نظام آل سعود في واشنطن بشدة في اتصال معها.
أما صحيفة “International Business Times” فنقلت تصريحاً للمتحدثة باسم الخارجية الأمريكية مورجان أورتاجوس جاء فيه أن من مصلحة بن سلمان إنهاء حرب أسعار النفط بشكل فوري إن كان يريد الحفاظ على دعم إدارة ترامب.
ونشر موقع البيت الأبيض تفاصيل لقاء ترامب مع عدد من النواب ومدراء شركات النفط يوم الجمعة الماضي، ومنه تصريح النائب الجمهوري جون كورينن الذي قال فيه إن بن سلمان تصرف بشكل عير مسؤول بافتعال أزمة حرب أسعار النفط وسط أزمة وباء كورونا.
وما حدث خلال اللقاء أيضاَ ما قاله النائب الجمهوري كيفن كريمر لترامب: لقد أنفقنا نحو 81 مليار دولار للدفاع عن إمدادات النفط واليوم بن سلمان يفتعل أزمة كبرى وأرى أن نوقف دعمه ونتفق على دفاعنا الوطني.
يأتي ذلك فيما هبطت أسعار النفط، أمس الاثنين، مرتدة عن مكاسب الأسبوع الماضي؛ بعد أن أرجأت المملكة وروسيا اجتماعاً لتصويب أسواق النفط عالمياً.
وتسبب تأجيل اجتماع مجموعة “أوبك+”، الذي كان مقرراً أن يعقد أمس الاثنين، إلى الخميس القادم، مع استمرار الاتهامات المتبادلة بين روسيا والسعودية بشأن انهيار اتفاقية قائمة لخفض المعروض، في انخفاض الأسعار مجدداً.
وأنهت عقود خام القياسي العالمي مزيج برنت لأقرب استحقاق جلسة التداول منخفضة 1.06 دولار، أو 3.1%، لتسجل عند التسوية 33.05 دولاراً للبرميل.
وتراجعت عقود خام القياس الأمريكي غرب تكساس الوسيط 2.26 دولار، أو 8%، لتغلق عند 26.08 دولاراً للبرميل.
وهبطت أسعار الخام الأمريكي أكثر من خام القياس العالمي؛ بعد تقرير من شركة “جينسكيب” للبيانات أظهر أن مخزونات الخام في مركز تسليم عقود غرب تكساس الوسيط في كاشينج بولاية أوكلاهوما، قفزت نحو 5.8 ملايين برميل، الأسبوع الماضي.
وتشير التوقعات إلى أن “أوبك+” ومنتجين آخرين حول العالم سيعملون على التوصل إلى اتفاق لخفض إنتاج النفط بما يعادل نحو 10% من المعروض العالمي، أو 10 ملايين برميل يومياً.
وبينما يواصل ترامب تهديداته بفرض أقصى معدل من الرسوم على واردات النفط السعودية والروسية إلى بلاده في حال عدم التوصل لتسوية تنهي الحرب النفطية الحالية في اجتماع يعقد يوم الخميس، تتوالى التصريحات الإيجابية من كل من موسكو والرياض بشأن خفض كبير في الإنتاج يزيد عن 10 ملايين برميل يوميا.
وفي الوقت الذي تدعم فيه دول نفطية خليجية، منها الإمارات والكويت، دعوة السعودية لعقد اجتماع للاتفاق على خفض الإنتاج، بالتزامن مع تراجع الطلب في ظل تداعيات فيروس كورونا لإعادة الاستقرار لأسواق النفط، زاد غموض موقف كبار المنتجين الأخرين من الخفض المتوقع وفي المقدمة شركات النفط الصخري الأميركية وكندا والنرويج والدول غير الأعضاء في منظمة أوبك ولا تنضوي تحت تكتل أوبك +.
وتوعد ترامب، بفرض “رسوم ضخمة جداً” على واردات النفط، إذا ظلت أسعاره على حالها ولم تتغير. وأضاف في مؤتمر صحافي مساء الأحد: “إذا استمرت أسعار النفط كما هي.. سأفعل ذلك.. نعم سأضع رسوما ضخمة جداً”.
وتابع قائلاً: “في حال بقيت أسعار النفط عند مستواها الحالي، وفي حال لم تتفق روسيا والسعودية، سأفرض رسوماً جمركية رسوم كبيرة للغاية، كوننا مستقلين الآن ولدينا نفطنا الخاص.. هذا سيعني بوضوح أننا لا نريد نفطاً أجنبياً”.
وقدر محللون في نشرة “أويل برايس” الأميركية الرسوم التي سيفرضها ترامب، في حال لم تنفذ موسكو والرياض وعدهما بالخفض المطلوب، بأكثر من 20 دولاراً على البرميل.
ويقود لوبي شركات النفط الصخري، المطالب بالتحقيق في سلوكيات “أوبك +” وروسيا، الملياردير هارولد هام مالك شركة ” كونتننتال ريسورسس”، كبرى شركات النفط الصخري في أميركا، وهو صديق شخصي للرئيس ترامب.
وينظر في أميركا للملياردير هام على أنه من أهم الرجالات الذين ساهموا في إحياء الصناعة النفطية في البلاد وأعاد لها مجدها بعد أفول. كما انضم إلى الحملة المكثفة أخيراً وزير الطاقة الأميركي السابق ريك بيري.
وعلى الرغم من أن بعض أعضاء “أوبك+”، يرون ضرورة انضمام الشركات النفطية خارج الدول الـ 23 الأعضاء في أوبك وحلفائها، لمحادثات يوم الخميس، إلا أنه من الواضح، أن الشركات النفطية الكبرى في أوروبا وأميركا يبدو أنها لن تشارك في الخفض النفطي.
وترى غالبية الشركات الأميركية، أن مشاركتها في الخفض المرتقب تتعارض مع “حرية السوق”، وبالتالي تتعارض مع القوانين الأميركية خاصة قانون منع الاحتكار.
في ذات الشأن، تقول بعض الدول النفطية، مثل كندا، إن ” نار انهيار أسعار النفط أوقدتها دول أوبك+ وعليها اطفاؤها”، وهو ما يعني أنها لن تشارك في الخفض النفطي الذي ستجريه دول المنظمة وحلفاؤها في الاجتماع المخصص له الخميس المقبل.
على الصعيد الأميركي، يبدو أن هنالك انقساما بين الشركات الأميركية بشأن المشاركة في خفض الإنتاج، حيث ترفض شركات النفط في ولاية تكساس الغنية بالنفط المشاركة في خفض الإنتاج. ويقولون إن “مثل هذه المشاركة تؤذي الصناعة النفطية”، وذلك حسب تعليقات نقلتها قناة ” سي أن بي سي” عن تجمع الشركات النفطية بتكساس أمس الاثنين. لكن في مقابل هذا الرفض يرى البعض أن بعض الشركات ربما ستراجع موقفها.
من جانبها تقول النرويج، إنها ستشارك في مفاوضات خفض الإنتاج، وفقاً لتصريحات نقلتها وكالة ” ستاندرد أند بوورز” عن وزير النفط والطاقة النرويجية، تينا برو.
ويرى خبراء في صناعة الطاقة أن انهيار أسعار النفط وما تلاه من إفلاسات وسط شركات النفط الصخري وإغلاق الآبار الأميركية ستكون له تداعيات استراتيجية تمتد إلى أبعد من خسائر مئات مليارات الدولارات التي تكبدتها الصناعة النفطية، وأن هذه التداعيات تمس بشكل مباشر استراتيجية أمن الطاقة الأميركية في حال لم تحسم موسكو والرياض مسألة خفض الانتاج وبمعدلات لا تقل عن 10 ملايين برميل يومياً.
ويرى الخبير النفطي سيريل ويدر شوفن في تحليل بنشرة “أويل برايس” الأميركية، بهذا الشأن، أن “الانهيار الحالي في أسعار النفط يهدد بتحول استراتيجي في صناعة النفط العالمية”.
بل وذهب ويدر شوفن في تحليله إلى أبعد من ذلك قائلاً إن الدول النفطية وشركاتها ستفلس بالصناعة النفطية في أميركا ودول “النفط المكلف” في كندا والنرويج وبحر الشمال، وربما ستستغل بعد ذلك صناديق الثروة التي تملكها في شراء هذه الشركات المفلسة لاحقاً.
وهذا المفهوم رسخه لوبي النفط الصخري كذلك لدى مسؤولي الطاقة في أميركا وظهر في تصريحات المسؤولين أمس الاثنين. حيث قالت وزارة الطاقة الأميركية، إن الوزير دان برويليت تحدث إلى نظيره السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان خلال عطلة نهاية الأسبوع، حيث أبلغه أن النزاع السعودي الروسي على الحصص بسوق النفط العالمية له “تداعيات كبيرة” على الولايات المتحدة والعالم.
وفي حال فرض رسوم على النفطين السعودي والروسي، فإن شركة أرامكو ستكون من كبار المتضررين، إذ تمتلك أكبر محطة تخزين للنفط الخام في أميركا في مصفاة بورت آرثر التابعة لشركة موتيفا المملوكة بالكامل للشركة السعودية بقدرة تخزين 8.2 ملايين برميل من النفط.
وتشحن أرامكو في العادة سلسلة إمدادات موثوقة لا تقل عن مليون برميل يومياً للولايات المتحدة كعميل ثابت مع القدرة على زيادة الإمدادات وفق حاجة مصفاتها التي تعد أكبر مصفاة في شمال أميركا بطاقة إنتاجية أكثر من 650 ألف برميل في اليوم من النفط السعودي الخام بمختلف درجاته.
وذلك إضافة إلى شروع شركة موتيفا في استثمارات توسعية بقيمة 45 مليار ريال أي ما يعادل 12 مليار دولار لتعزيز عمليات مرفق بورت آرثر للتكرير إلى الكيميائيات بما يعزز قيم الاستهلاك الأكبر للنفط الخام وتنويع وتعظيم القيمة المضافة لكل برميل في المملكة وخارجها.