فضائح نيوم: اغتصاب جماعي وحالات انتحار وتجارة مخدرات
كشفت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، عن فضائح اغتصاب جماعي وحالات انتحار وتجارة مخدرات في مشروع مدينة نيوم بما يهدد الرؤية المستقبلية لولي العهد محمد بن سلمان.
وأشارت الصحيفة إلى أنه تم الترويج لنيوم كمدينة دولة مستقبلية ذات تصميم معماري مذهل، بما في ذلك ناطحات سحاب موازية تمتد بطول 106 أميال، وأطول من مبنى إمباير ستيت.
وتُعتبر نيوم مركز خطة محمد بن سلمان لتحويل بلاده الغنية بالنفط إلى اقتصاد حديث ومتنوع.
وقد أفاد موظفو نيوم بوقوع حوادث اغتصاب جماعي، وانتحار، ومحاولات قتل، وتجارة مخدرات في موقع المشروع، الذي من المقرر أن يغطي مساحة بحجم ولاية ماساتشوستس.
في العام الماضي، توفي مستشار من شركة ماكينزي في حادث تصادم أمامي ليلاً، رغم تحذيرات موظفي السلامة لإدارة نيوم بشأن خطورة القيادة ليلاً في طرق المنطقة.
في أحد مخيمات العمال المهاجرين، اندلعت احتجاجات عنيفة بسبب الإحباط من جودة الطعام. كما تم ضبط أطفال لا تتجاوز أعمارهم 8 سنوات يقودون شاحنات.
يقول موظفون حاليون وسابقون في نيوم إن هذه الحوادث تسلط الضوء على ما يمكن أن يحدث عندما يتجمع عدد كبير من الأشخاص في منطقة نائية لبناء مشروع طموح للغاية ضمن جدول زمني غير واقعي.
تواجه نيوم تدقيقاً متزايداً، حيث عيّنت الفيفا هذا الشهر السعودية لاستضافة كأس العالم 2034، ومن المتوقع أن يبني المشروع واحداً من الملاعب الرئيسية لهذا الحدث.
حاولت نيوم تحديد معايير عالية لإقامة العمال ذوي الياقات الزرقاء، وفقاً لموظفين حاليين وسابقين، إدراكاً للسمعة السيئة التي لحقت بمشاريع البناء الكبرى في الخليج، مثل كأس العالم 2022 في قطر.
قال متحدث باسم نيوم: “حماية رفاهية العاملين في الموقع أولوية قصوى”. وأضاف أن المقاولين والأطراف الثالثة ملزمون بالامتثال لمعايير الرفاهية الخاصة بنيوم، وأن نيوم تحقق في أي سلوك غير مناسب أو مزاعم بوقوع مخالفات.
وأوضح أن نظام إدارة السلامة في نيوم يعتمد على معايير دولية ويتم تدقيقه من قبل المجلس البريطاني للسلامة.
ومشروع نيوم يعاني من تجاوز التكاليف، وتبديل الموظفين، وثقافة التنمر والتحرش، بحسب تقارير صحفية. الشهر الماضي، غادر الرئيس التنفيذي لنيوم، نظمي النصر، بشكل مفاجئ، بعد مغادرة اثنين من كبار المديرين الذين ورد ذكرهم في تقرير صحفي سابق تناول سلوكهم غير المناسب.
في حين بدأت الحياة في نيوم بإثارة حماسية، إلا أن النقص في خدمات الطوارئ اللازمة للحفاظ على أمان المدينة كان واضحاً، وفقاً لتقرير مستقل تم تكليفه عام 2022.
وأفاد التقرير المستقل الذي أجرته شركة سيركو البريطانية، المتخصصة في الأمن والرعاية الصحية والنقل، بأن حالة خدمات الطوارئ في نيوم تعرّض الموظفين والمقاولين وسمعة المشروع لخطر وصفه بـ”الكارثي”.
كتب التقرير: “لا توجد أدلة على وجود خطة استراتيجية موحدة لخدمات الطوارئ تغطي جميع أنحاء نيوم”. وأظهرت مقابلات مع موظفي خدمات الطوارئ أن الثغرات لم تُعالج بعد.
وفي بيان، قالت شركة سيركو إنها شهدت بنفسها كيف تطورت معايير السلامة في نيوم وفي المملكة بشكل عام منذ تقريرها لعام 2022.
وقد عمل موظفو نيوم على تحسين الوضع، حيث قاموا بتنفيذ برامج تدريب مع المقاولين لتجنب الحوادث المرتبطة بالعمل وإطلاق حملة للسلامة على الطرق.
ورغم أن وفيات البناء تُعد جزءاً من أي مشروع ضخم، إلا أن نيوم سجلت ثماني وفيات في مواقع العمل العام الماضي، وفقاً لقائمة الوفيات لعام 2023 التي اطلعت عليها صحيفة وول ستريت جورنال.
وهذا يضع سجل السلامة للمشروع تقريباً على قدم المساواة مع صناعة البناء في الولايات المتحدة، التي سجلت 9.6 وفيات لكل 100 ألف موظف عام 2022، وفقاً لمكتب إحصاءات العمل الأمريكي. لكن موظفين سابقين يحذرون من أن العدد الفعلي قد يكون أعلى، لأن بعض الوفيات قد لا يتم الإبلاغ عنها.
تم تجهيز نيوم الآن بمستشفى في الموقع، بالإضافة إلى عيادة صحية مستقلة وسيارات إسعاف وطائرات هليكوبتر لحالات الطوارئ والإنقاذ، وفقاً لموظفين حاليين وسابقين على دراية بتحسينات المشروع.
ورغم التحسينات، ما زال المشروع يعاني من مشاكل في منع الحوادث والاستجابة لها. ففي أسبوع واحد في نوفمبر، أبلغت نيوم عن خمس وفيات في مواقع العمل وعلى الطرق، وفقاً لموظفين حاليين وسابقين.
قال أحد الموظفين: “لا يزال الوضع أشبه بالغرب المتوحش”.
بدأ محمد بن سلمان التفكير في نيوم منذ حوالي عقد من الزمن، مركّزاً على بناء مجتمع أكثر انفتاحاً بعيداً عن القيود الاجتماعية التي تميز باقي المملكة.
تتميز المنطقة بجمال طبيعي، بما في ذلك جبال وعرة وشواطئ بكراً وشعاب مرجانية، فضلاً عن درجات حرارة أقل من بقية المملكة الصحراوية.
وفي اجتماع لمجلس إدارة نيوم عام 2017، قال بن سلمان إنه يريد تحويل المنطقة إلى أكبر مدينة عالمياً من حيث الناتج المحلي الإجمالي، وفقاً لوثائق تخطيطية سبق أن نشرتها الصحيفة.
رغم عزلة المنطقة، لم تكن أرضاً خالية تماماً. فقد كانت موطناً لنحو 20 ألفاً من أفراد قبيلة الحويطات السعودية، الذين عارضوا خطط الأمير.
أطلق أحد أفراد القبيلة، عبد الرحيم أحمد محمود الحويطي، حملة انتقاد عبر الإنترنت. وفي عام 2020، قامت القوات الأمنية السعودية بإخلاء الحويطات قسراً من البلدات المقرر هدمها، وقتلت الحويطي البالغ من العمر 43 عاماً، قائلة إنه أطلق النار من منزله.
كما احتجزت القوات السعودية 24 آخرين من القبيلة بتهم إرهابية، ويواجه خمسة منهم الآن عقوبة الإعدام، وفقاً لمنظمة القسط لحقوق الإنسان.
وقد كانت البداية لمشروع نيوم غير مشجعة، خاصةً مع تسويق المشروع على أنه “مسرّع للتقدم البشري” بهدف جذب المواهب ورأس المال الأجنبي.
في عام 2020، تم نقل 450 موظفاً من ذوي الياقات البيضاء إلى نيوم للعيش بشكل دائم، حيث تم إسكانهم في مخيم مؤقت يتكون من وحدات سكنية متنقلة وصالة طعام.
في الأيام الأولى، وصف الموظفون السابقون والمستشارون أجواءً من الرفقة وروح الفريق، وشعر الجميع أنهم جزء من مشروع مثير في منطقة لم تُكتشف بعد.
في عطلات نهاية الأسبوع، كان الناس يتنزهون في الصحراء أو يغوصون في الشعاب المرجانية، ويتبادلون الأحاديث أثناء الاستراحة بين الغطسات وهم يجلسون على صناديق شاحناتهم.
ومع ذلك، شهدت تلك الفترة أيضاً حوادث مميتة. ففي عام 2021، توفي أحد كبار التنفيذيين في وحدة التصميم والهندسة التابعة لشركة أمريكية أثناء محاولته إنقاذ شخص آخر كان يغرق في البحر.
ومع زيادة عدد السكان في المنطقة، أصبحت سلامة الطرق تحدياً كبيراً. القيادة في المنطقة توصف بأنها مغامرة خطيرة، حيث يروي الموظفون قصصاً عن تجنب اصطدامات وشيكة مع شاحنات وسيارات تسير بسرعة كبيرة أو تتجاوز بشكل خطير.
في إحدى الحوادث عام 2021، اصطدم صبي سعودي يبلغ من العمر 8 سنوات يقود شاحنة مياه بشاحنة صغيرة تقل اثنين من العاملين في نيوم. توفي أحد الركاب على الفور، بينما توفي الآخر لاحقاً متأثراً بجراحه، ونجا الصبي.
أفاد تقرير صادر عن سيركو عام 2022 أن “أكبر خطر على السلامة الشخصية في نيوم” يتعلق باستخدام المركبات، مشيراً إلى حالتها غير الصالحة للاستخدام، وعدم الامتثال للوائح، والسائقين غير المؤهلين الذين يعملون بشكل غير قانوني.
كما أشار التقرير إلى ضعف تطبيق القانون، حيث لاحظ المؤلفون أن وحدات الشرطة تمر بجانب حوادث دون أن تتوقف.
وفي نوفمبر 2022، ضربت عاصفة يخت “برنسيس ماجدا” الذي كان يجري أبحاثاً على الشعاب المرجانية. أرسلت الطاقم نداءات استغاثة، لكنها لم تُستجب. غرق اليخت، وتم العثور على جثث ثلاثة من أفراد الطاقم.
وقد أوصى تقرير نيوم بتحسين أنظمة الإنذار العامة وتطوير قدرات التنبؤ بالطقس لمواجهة مثل هذه الحوادث.
ويعيش الموظفون ذوو الياقات البيضاء في وحدات سكنية مؤقتة توفر الحد الأدنى من الراحة، بما في ذلك المقاهي والمسابح. ومع ذلك، يشكو العمال المهاجرون من ظروف صعبة. في العام الماضي، وثقت نيوم وجود 168 مخيماً غير معتمد أو لا يلتزم بالمعايير، حيث يعاني العمال من الاكتظاظ وسوء الخدمات.
في عام 2023، اندلعت احتجاجات عنيفة في أحد المخيمات بسبب جودة الطعام. ألقى العمال أدوات المائدة والصواني على الطهاة قبل أن يتحولوا إلى إلقاء الحطام على المباني.
فضلا عن ذلك لا تزال نيوم تواجه تحديات متعلقة بالأمان والسلامة، على الرغم من التحسينات الأخيرة. تُظهر الحوادث المتكررة، سواء في مواقع البناء أو الطرق، الصعوبات التي تواجهها الإدارة في تحقيق التوازن بين الطموحات الكبرى وواقع التنفيذ.
قال أحد الموظفين: “لا يزال الطريق طويلاً قبل أن نصل إلى معايير المدن الحديثة”.