تؤكد حملة الاعتقالات الأخيرة لنظام آل سعود على خلفية مجرد انتقاد فساد وانحلال هيئة الترفيه طبيعة هذا النظام الاستبدادية وعدم قبوله بأي نوع من الحريات.
وفي إضافة لسجله الحقوق الأسود، اعتقلت سلطات نظام آل سعود خلال أيام ستة مواطنين على خلفية انتقادات وجهوها لـ”هيئة الترفيه”. ومن بين الموقوفين، أكاديمي وشيخ قبيلة وشعراء بارزين، وبعض النشطاء.
إذ تم اعتقال شاعر قبيلة الشرارات عايد رغيان الشراري رغم أنه مسن تجاوز الثمانين من عمره وذلك على خلفية تغريدة تتضمن أبياتاً شعرية له يبدي فيها رأيه بهيئة الترفيه وفسادها.
وقبل ذلك تم اعتقال الشيخ عبد الرحمن المحمود عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام (بالرياض) سابقاً، وهو حاليًا في سجن ذهبان (بمدينة جدة).
والاعتقال جاء بأمر من تركي آل الشيخ (رئيس هيئة الترفيه) بعد انتشار مقطع قديم له يعود للعام 2017، يستنكر فيه السماح لمن سماهم (السفهاء) بنشر الفساد في المجتمع.
ويوم الثلاثاء تم اعتقال شيخ قبيلة عتيبة فيصل بن سلطان بن جهجاه؛ على خلفية سلسلة تغريدات نشرها وأبدى فيها رأيه بممارسات تركي آل الشيخ عبر هيئة الترفيه.
وقبل ذلك بيوم تم اعتقال الشاعر سفر الدغيلبي، على خلفية قصيدة تضمنت إشارات غير مباشرة لممارسات تركي آل الشيخ وذلك بعد استعداء الأول للتحقيق.
إضافة إلى ذلك تم اعتقال الشاعر حمود السبيعي بعد نشره فيديو لقصيدة ينتقد فيها تركي آل الشيخ، بجانب شاب يدعى قنصل سبيع صمم له مقطع الفيديو.
ولا تفصح سلطات آل سعود عن أعداد “المعتقلين” على خلفية حرية الرأي في سجونها، ولا تسمح للمؤسسات الحقوقية بزيارتهم أو الاطلاع على أوضاعهم، ما يُثير شكوك حول ذلك.
ووفق مصادر اعلامية ونشطاء حقوقيين فإن “حصيلة من تم معرفة أسمائهم من معتقلي الرأي منذ سبتمبر/أيلول 2017، ارتفعت إلى أكثر من 110 شخصيات، إضافة إلى نحو 50 من المقيمين الفلسطينيين، وعدد آخر من المقيمين من جنسيات أخرى.
وفي 2017 بدأت المملكة حملة اعتقالات استهدفت أسماء أكاديمية ودينية بارزة منها: سلمان العودة، وناصر العمر، وعوض القرني، وعلي العمري، عدا عن اعتقال شعراء ومفكّرين منذ سنوات، لمخالفتهم رأي السلطة الحاكمة.
وتظهر اعتقالات آل سعود حدة التناقض بين ترويج النظام بأن هيئة الترفيه تستهدف استعادة ما يقال إنها الحالة الطبيعية للمجتمع السعودي قبل عصر الصحوة الإسلامية، في وقت أن أطيافا مختلفة من ذلك المجتمع تقبع في غياهب السجن؛ مما يشكل مفارقة في المملكة في عهد محمد بن سلمان.
أرادت سلطات آل سعود أن تعيش حداثة وتقدم ما حُرم منه الشعب عقودا، فقد قال بن سلمان في مؤتمر مبادرة المستقبل في أكتوبر/تشرين الأول 2017 إن “المجتمع السعودي لم يكن بهذا الشكل قبل 1979 (قيام الثورة الإيرانية وبداية انتشار الصحوة الإسلامية في السعودية)، نحن فقط نعود إلى ما كنا عليه، إلى الإسلام المنفتح على جميع الأديان والتقاليد والشعوب”.
وأضاف “نريد أن نعيش حياة طبيعية”، مهددا بالقضاء على ما أسماها “بقايا التطرف”، وهو يشير إلى الرموز الدينية والصحوية التي يمكن أن تنتقد توجهاته الاجتماعية، ومنها الترفيه.
غير أن تلك التصريحات صاحبتها حملة اعتقالات واسعة لمشايخ وعلماء دين مؤثرين في المجتمع، أو أكاديميين وناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي، استباقا لظهور أي نقد للترفيه أو سياسات الأمير محمد بن سلمان.
وإذا كان الكثير من تلك الرموز اعتقلوا، وهم الذين لم تعرف عنهم انتقادات واسعة للسلطة، فليس غريبا أن تعتقل السلطات شخصيات أخرى على خلفية انتقادات صبت جام غضبها لا على الترفيه كونه حاجة من احتياجات المجتمع، بل على النمط الذي يرونه يسير بالمجتمع بعيدا عن مراعاة تقاليده وعاداته الدينية، حسب رأيهم.
فقد اعتقلت سلطات آل سعود عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام (سابقا) الشيخ عبد الرحمن المحمود على خلفية قيام عدد من تلامذته بإعادة نشر جزء من إحدى حلقات برنامج كان يقدمه في مايو/أيار 2017.
وانتقد الشيخ في المقطع المتداول من سمّاهم “السفهاء”، في إشارة إلى هيئة الترفيه. وحذر من خطورة السماح لهم بإفساد المجتمع، على حد قوله، كما ذكر حساب “معتقلي الرأي” المعني بحقوق المعتقلين في السعودية.
وقبل ذلك اعتقلت السلطات فيصل بن سلطان بن جهجاه بن حميد شيخ قبيلة عتيبة، على خلفية تغريدات انتقد فيها هيئة الترفيه عبر رئيسها تركي آل الشيخ، ودعا فيها إلى أن يكون الترفيه بطريقة منطقية ومقبولة من دون المس بجوهر الدين والثوابت.
كما استدعت السلطات الشاعر الشعبي سفر الدغيلبي للتحقيق معه بسبب قصيدة تضمنت انتقادات غير مباشرة إلى آل الشيخ، واعتقلت السلطات كذلك قبل أيام الشاعر حمود بن قاسي السبيعي ومصمم الفيديو قنصل بن سبيع، على خلفية مقطع فيديو ينتقد ممارسات رئيس هيئة الترفيه.
كما كان تم اعتقال الداعية عمر المقبل الأستاذ بكلية الشريعة بجامعة القصيم، الذي قال في خطبة جمعة “لسنا ضد الترفيه، لكننا ضد سلخ المجتمع من هويته باسم الترفيه”.
وإذا كانت السلطات تريد أن يعود المجتمع إلى حالته الطبيعية في الانفتاح داخليا وخارجيا، فإن السؤال الذي يتبادر إلى ذهن المراقب: لماذا تقمع الدولة وبشدة أصواتا عديدة ومن أطياف مختلفة من الشعب تنتقد هذه العودة لما يفترض أنهم يريدونه ويطالبون به؟ ألا تمثل هذه الشخصيات أطيافا واسعة أو حتى معتبرة من هذا الشعب الذي تتحدث عنه السلطات؟
ويطرح متابعون إشكالية أخرى ناتجة عن هذا السؤال، وتعبر عن تحديد المجتمع الذي تريد عودته أو إعادة تشكيله السلطات هناك؛ فبالنظر إلى أن الفئة الرافضة هي أقلية وأصوات نشاز لا تؤثر في المجتمع كما تردد وسائل الإعلام السعودية؛ فيفترض ألا تتخوف منها السلطات كل هذا الخوف، وتتابع أي انتقاد حتى لو كان من شخصيات مغمورة.
أما بالنظر إلى أن هذه الفئة شريحة واسعة ترفض هذه التوجهات الترفيهية، فإن ذلك يدحض رؤية السلطات القائمة حاليا برغبتها في تنفيذ ما يريده المجتمع وإعادته إلى وضعه الطبيعي.
ويبدو الترفيه ووسائله المختلفة حاجة اجتماعية في أي بلد، خاصة في بلد حُرم منها عقودا، إلا أن اللافت في دولة الحرمين الشريفين إصرارها على الانتقال من المحافظة الشديدة التي تميز بها المجتمع السعودي إلى الانفتاح غير المنضبط، واستيراد ترفيه خارج سياق البيئة العربية والإسلامية، فضلا عن البيئة السعودية، ومحاولة تطبيعه في المجتمع، وهو ربما ما يفسر حملات الاعتقالات المنددة بالترفيه.
ويرى مراقبون أن سببا رئيسيا آخر من أسباب اعتقال من ينتقدون الترفيه، وهو نفوذ رئيس الهيئة تركي آل الشيخ الذي يعد أحد أقرب الشخصيات لمحمد بن سلمان وأكثرها ولاء له، وهو المعروف بتعامله الفظ حتى مع صحفيين ومصورين غير معروفين.
وقد قوبل حملة اعتقالات آل سعود بموجة غضب واسعة في المملكة. وكتب المعارض العروف عبدالله الغامدي على تويتر أن الاعتقالات بسبب رفض تفاهات هيئة الترفيه “رسالة واضحة من ابن سعود مفادها أن ابن سعود عازم على تتفيه وإفساد وإذلال الشعب. فرسالتي لأحرار وشرفاء بلاد الحرمين:لا خلاص لكم إلا بالثورة والانقلاب على ابن سعود”.