قوبلت حملة الاعتقالات الأخيرة التي شنتها سلطات آل سعود وطالت مجموعة من الناشطين والأكاديميين في المملكة بانتقادات حقوقية دولية واسعة النطاق.
وقالت منظمة “العفو الدولية” إنها “تتابع بقلق شديد الأنباء التي تحدثت عن قيام السلطات السعودية منذ أكثر من أسبوع باعتقال ثمانية شبّان من الفنانين والمفكرين والكتاب ورواد الأعمال”.
وطالبت المنظمة المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان “بالإفراج الفوري عنهم، أو توجيه تهم رسمية إليهم والسماح لهم بتوكيل محامين والتواصل مع أسرهم، وحمايتهم من التعذيب وسوء المعاملة”.
من جهته قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن سلطات آل سعوداعتقلت عددًا من النشطاء السلميين منهم الناشط الإصلاحي فؤاد الفرحان، في خطوة تشكل تناقضًا صارخًا مع ما تروّج له السلطات من حملة إصلاحات واسعة منذ ما يزيد عن عامين.
وأوضح المرصد الأورومتوسطي ومقره جنيف في بيان صحفي، أنّه وثق حالات اعتقال طالت نحو 10 نشطاء بارزين من بيوتهم في العاصمة الرياض ومدينة جدة الساحلية هذا الأسبوع من قبل أفراد أمن يرتدون ملابس مدنية دون الكشف عن سبب الاعتقال.
وأفاد الأورومتوسطي أنّ من بين المعتقلين الأكاديمي سليمان الناصر، والصحفية مها الرفيدي والصحفي بدر الراشد، والناشط والأكاديمي وعد محيا، والكاتب عبد المجيد سعود البلوي والمدوّن عبد العزيز الحيص.
وعقب تولّي الأمير محمد بن سلمان منصب ولي العهد في يونيو 2017، شهدت المملكة حملات اعتقال موسّعة، كان أبرزها في أيلول/ سبتمبر 2017م، وطالت أكثر من 100 داعية ومفكر ومغرد.
وقال الباحث لدى المرصد الأورومتوسطي محمد عماد إنّ السلطات السعودية أصبحت واحدة من أكثر الدول انتهاكًا لحرية الرأي والتعبير في المنطقة، رغم زعمها تبني برنامجًا إصلاحيًا يطلق بعض الحريات التي كان تقيّدها المملكة على مدار عدة عقود.
وأشار “عماد” إلى أن المعتقلين الجدد لم يوجّهوا نقدًا مباشرًا للحكومة السعودية، لكنهم على ما يبدو اعتقلوا على خلفية عدم إظهارهم تأييدًا واضحًا للسياسات الحكومية.
وبيّن المرصد الأورومتوسطي أنّ المسؤولين السعوديين لم ينسبوا أي اتهامات للمعتقلين الجدد، رغم أن نظام الإجراءات الجزائية المعمول به منذ عام 2002م يستدعي أن توجه السلطات الاتهام للمشتبهين وأن تأخذ أقوالهم خلال (48) ساعة من القبض عليهم.
ونبّه إلى أن الفرحان وهو مؤسس منصة رواق، اعتقل من جهاز المباحث السعودي طيلة خمسة أشهر تقريبًا دون توجيه اتهامات أو محاكمة في ديسمبر/ كانون الأول 2007م.
وقال المرصد الأورومتوسطي إنّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أكد الحق في حرية التعبير وعدم التعرض للاعتقال التعسفي، وتلك الحقوق ذاتها وردت في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والمادتان 14 و32 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان -الذي صدق عليه مجلس الشورى السعودي (برلمان مُعين) في مارس/آذار 2008- تضمنان عدم التعرض للاعتقال التعسفي وحرية التعبير.
ودعا المرصد الحقوقي الدولي في ختام بيانه مؤسسات الأمم المتحدة إلى تحمل مسؤولياتها من خلال الضغط على السلطات السعودية لوقف حملات اعتقال النشطاء الحقوقيين والصحفيين وإطلاق سراح جميع المعتقلين فورًا ما لم يدانوا بارتكاب أي مخالفات.
وفي السياق أدان معهد باريس الفرانكفوني للحريات بشدة شن السلطات السعودية حملات اعتقال جديدة بحق صحافيين ومدونين بشكل تعسفي وخارج نطاق القانون.
وذكر معهد باريس أنه تلقى إفادات بشن السلطات السعودية خلال اليومين الماضين حملات اعتقال طالت الكاتبة الصحفية “زانة الشهري” والصحفية “مها الرفيدي” والمدون “سليمان الناصر” ومؤسس ومدير منصة رواق الإعلامية “فؤاد الفرحان” والصحفي “بدر الراشد” وعددا أخر من الكتاب والأكاديميين.
وأشار إلى أن السلطات السعودية كعادتها لم تتبع أي من الإجراءات القانونية الواجب اتخاذها في إجراءات التوقيف والتحقيق ولم تقدم أي تبرير لحملات الاعتقالات الجديدة.
وقال إن استمرار ازدياد أعداد معتقلي الرأي في السجون السعودية يشكل ازدراءً صارخا للمجتمع الدولي ومواقفه العلنية المتكررة بضرورة الإفراج عن المعتقلين في المملكة ووقف انتهاكات حقوق الإنسان فيها.
وأضاف “ترافق حملات الاعتقالات الجديدة بعد يومين فقط من تسلم السعودية رئاسة قمة العشرين الدولية يوجه رسالة تجاهل من حكومة المملكة بإمكانية استجابتها للمطالب الدولية بالحاجة إلى تجسين سجلها في حقوق الإنسان والذي يتعرض لانتقادات واسعة منذ سنوات”.
وجدد معهد باريس الفرانكفوني للحريات مطالبته السلطات السعودية بالإفراج فورا عن جميع المعتقلين على خلفية آرائهم العلنية ووقف انتهاكاتها الممنهجة للحق في حرية الرأي والتعبير.
وكشفت مصادر عن أسماء معتقلين شملتهم حملة جديدة شنتها سلطات آل سعود، خلال الساعات الماضية، بينهم أكاديميون ومغردون. (طالع المزيد).
وتقدم سلطات آل سعود بشكل دوري على تنفيذ حملات اعتقال تشمل ناشطين وحقوقيين وأكاديميين وعلماء دين، وحتى رجال أعمال، ويتم توجيه اتهامات لهم بالتآمر على المملكة والتواصل مع جهات خارجية لهذا الغرض.
وكانت أبرز الحملات، تلك التي حدثت في مطلع سبتمبر/أيلول 2017، والتي شملت مئات من رموز “تيار الصحوة” من أكاديميين واقتصاديين وكتاب وصحفيين وشعراء وروائيين ومفكرين، وهو التيار المقرب من فكر جماعة “الإخوان المسلمون”، وشن ولي العهد “محمد بن سلمان” هجوما عليه.
وفي 2018، اعتقلت السلطات ناشطات تصدرن حملات حقوقية للمطالبة بتحسين أوضاع النساء في المملكة، وفي مقدمتها منح المرأة حق قيادة المركبات، وتخفيف ولاية الرجل عليها في شؤون أخرى، أبرزها السفر والتنقل.
وفي أبريل/نيسان 2019، شنت سلطات آل سعود حملة اعتقالات جديدة، استهدفت مؤيدين لحقوق المرأة وكتابا ومثقفين، وذوي ارتباط بالناشطات المعتقلات بالمملكة.
وسبق وأن شن نظام آل سعود حملات اعتقال تعسفية واسعة النطاق على مدار الأيام الأخيرة على خلفية انتقاد أنشطة هيئة الترفيه الحكومية وما تنشره من إفساد في المملكة وانقلاب على قيمها المحافظة.
وأظهر ذلك حدة التناقض بين ترويج آل سعود بأن هيئة الترفيه تستهدف استعادة ما يقال إنها الحالة الطبيعية للمجتمع السعودي قبل عصر الصحوة الإسلامية، في وقت أن أطيافا مختلفة من ذلك المجتمع تقبع في غياهب السجن؛ مما يشكل مفارقة في المملكة في عهد محمد بن سلمان.
أرادت سلطات آل سعود أن تعيش حداثة وتقدم ما حُرم منه الشعب عقودا، فقد قال بن سلمان في مؤتمر مبادرة المستقبل في أكتوبر/تشرين الأول 2017 إن “المجتمع السعودي لم يكن بهذا الشكل قبل 1979 (قيام الثورة الإيرانية وبداية انتشار الصحوة الإسلامية في السعودية)، نحن فقط نعود إلى ما كنا عليه، إلى الإسلام المنفتح على جميع الأديان والتقاليد والشعوب”.
وأضاف “نريد أن نعيش حياة طبيعية”، مهددا بالقضاء على ما أسماها “بقايا التطرف”، وهو يشير إلى الرموز الدينية والصحوية التي يمكن أن تنتقد توجهاته الاجتماعية، ومنها الترفيه.
غير أن تلك التصريحات صاحبتها حملة اعتقالات واسعة لمشايخ وعلماء دين مؤثرين في المجتمع، أو أكاديميين وناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي، استباقا لظهور أي نقد للترفيه أو سياسات محمد بن سلمان.
وإذا كان الكثير من تلك الرموز اعتقلوا، وهم الذين لم تعرف عنهم انتقادات واسعة للسلطة، فليس غريبا أن تعتقل السلطات شخصيات أخرى على خلفية انتقادات صبت جام غضبها لا على الترفيه كونه حاجة من احتياجات المجتمع، بل على النمط الذي يرونه يسير بالمجتمع بعيدا عن مراعاة تقاليده وعاداته الدينية، حسب رأيهم.