تجمع الحقائق على حدة استبداد ولي العهد محمد بن سلمان واستغلاله منصبه من أجل فرض حكم الفرد المحتكر للسلطات عبر سحق معارضيه بما في ذلك داخل العائلة الحاكم.
ومنذ اعتلى الملك سلمان سدة الحكم في يناير/كانون الثاني 2015 وعين أبنه محمد على كرسي والده، رغم وجود من هو أكبر منه سنا في العائلة الحاكمة، خاصة من أعمامه أبناء مؤسس المملكة الملك عبد العزيز بن سعود، وأبناء عمومته الذين تولوا قبله مناصب رفيعة في الدولة.
وبن سلمان لم يتولّ إدارة أي جهة حكومية قبل ذلك، لكن مكّنه قربه من والده -وعمله مستشارا له حين كان أميرا لمنطقة الرياض ثم وليا للعهد- من العبور سريعا إلى دائرة الحكم والنفوذ حين تولى والده حكم البلاد.
لم يألُ بن سلمان البالغ 34 عاما جهدا في تقليص نفوذ أعمامه أو أبنائهم ممن يمكن أن ينافسوه في الحكم رغم أن عددا منهم تولى مناصب حساسة ورفيعة، كما أن نظام الحكم الأساسي ينص على أن “يكون الحكم في أبناء الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود وأبناء الأبناء، ويبايع الأصلح منهم للحكم على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ولا يكون من بعد أبناء الملك المؤسس ملكا ووليا للعهد من فرع واحد من ذرية الملك المؤسس”.
ولم يتأخر ولي العهد كثيرا في ترتيب أوراقه وتوسيع سلطاته وتجميع خيوط إدارة الدولة بقبضته مقابل تقليص سلطات منافسيه وإبعادهم، فحين تولى والده الحكم أصدر أمرا ملكيا يقضي بتولي ابنه محمد وزارة الدفاع بالإضافة إلى تعيينه رئيسا للديوان الملكي ومستشارا خاصا للملك.
ثم أتبعه بأمر ملكي آخر يقضي بإنشاء مجلس الشؤون السياسية والأمنية برئاسة الأمير محمد بن نايف -وزير الداخلية حينها وابن عم بن سلمان- ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برئاسة بن سلمان.
ومع إعفاء الأمير مقرن بن عبد العزيز آل سعود من منصب ولي العهد بناء على طلبه -كما ذكرت السلطات- في 29 أبريل/نيسان 2015، واختيار الأمير محمد بن نايف وليا للعهد، صدر أمر ملكي ينص على اختيار بن سلمان وليا لولي العهد وتعيينه نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء مع استمراره في منصب وزير الدفاع ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية.
في 21 يونيو/حزيران 2017، أصدر الملك سلمان أمرا -بعد إعفاء الأمير محمد بن نايف من منصبه – يقضي باختيار بن سلمان وليا للعهد وتعيينه نائبا لرئيس مجلس الوزراء مع استمراره وزيرا للدفاع. كما أصبح يرأس مجلسي الشؤون الاقتصادية والتنمية والشؤون السياسية والأمنية.
في خضم هذه التغييرات، تمتع بن سلمان بحيوية وحركية قراراته السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي رأى مراقبون أنها ستغير وجه المملكة وسياستها المحافظة على كل الأصعدة.
إلا أن غالبية قرارات وسياسات بن سلمان جرّت عليه انتقادات حادة، خاصة ما يتعلق بالسياسة الخارجية كحرب اليمن وحصار قطر، والقضايا الحقوقية كملاحقة النشطاء وسجن المخالفين وجريمة اغتيال المواطن الصحفي جمال خاشقجي بالقنصلية في إسطنبول بداية أكتوبر/تشرين الأول 2018، بالإضافة إلى الراديكالية في اتخاذ قرارات اجتماعية تخالف طبيعة المجتمع المحافظة، وأخيرا سجن مجموعة من الأمراء النافذين في العائلة المالكة بزعم أنهم يحضرون لانقلاب، وعلى رأسهم عمه الأمير أحمد بن عبد العزيز والأمير محمد بن نايف.
ومع كل حدث يتردد صداه إقليميا وعالميا، تبرز تساؤلات حول السياسة الطائشة للأمير الشاب ومعارضتها للنهج “المتوازن” الذي اتخذته السياسات السعودية في عهد ملوكها السابقين، كما يبرز سؤال الشخصيات البديلة في حال تخلى بن سلمان أو أرغم على التخلي عن السلطة، وفي ما يلي أبرز تلك الشخصيات:
أحمد بن عبد العزيز
شقيق الملك سلمان، وقد عاد إلى الرياض قادما من العاصمة البريطانية لندن بشكل مفاجئ نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2018، بعد قضية مقتل خاشقجي، التي أثارت غضبا واسعا ضد سياسة بن سلمان، وكان قد حصل على ضمانات أميركية وبريطانية بعدم تعرض ولي العهد له بحسب موقع “ميدل إيست آي”.
ويعد من الأعضاء البارزين في العائلة الحاكمة، وآخر من بقي من الإخوة الأشقاء للملك سلمان، ووفقا لصحيفة واشنطن بوست فقد ناقش أعضاء بارزون بالعائلة المالكة حينها دورا محتملا للأمير أحمد في تخفيف نفوذ ابن أخيه وربما كان سيتولى منصب “ولي عهد مؤقت”.
ونقل موقع “ميدل إيست آي” أن الأمير أحمد كان يحاول إبرام صفقة مع بن سلمان لإقناعه بالتخلي طواعية عن ولاية العهد ومناصبه العسكرية والأمنية على أن يحتفظ بدوره الاقتصادي، أو قد يسعى لخلعه عن طريق هيئة البيعة التي قد يُسمى لمنصب رئاستها الشاغر.
وكان معروفا أن الأمير أحمد (76 عاما) معارض لسياسات ابن أخيه حيث رفض عام 2017 -عندما كان أحد أعضاء هيئة البيعة- تعيين بن سلمان وليا للعهد، ولم يقدم له البيعة، وفقا لـ “ميدل إيست آي”. وتولى أحمد حقيبة الداخلية لفترة قصيرة عام 2012، وكان قبل ذلك نائبا لوزير الداخلية على مدى عقود.
متعب بن عبد الله
هو نجل الملك الراحل عبد الله، وتولى في عهد والده وزارة الحرس الوطني، وكان يهيئ نفسه لوراثته في الحكم.
وتقول الكاتبة والمعارضة السعودية مضاوي الرشيد -في مقال لها بصحيفة نيويورك تايمز- إن اسم الأمير متعب لا يرتبط بالقمع، كما أن له قاعدة شعبية خاصة بين الجماعات القبلية التي انضمت للحرس الوطني، ويمكن أن يستلهم سمعة والده الأبوية ويصبح رمزا محوريا لإعادة الثقة بين أقربائه.
محمد بن نايف
كان يشغل منصب ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية إلى أن أعفي في ما سمي “انقلابا أبيض” عليه من قبل بن سلمان عام 2017. ويعد رجل الأمن الأول في البلاد حيث عين منذ 1999 مساعدا لوزير الداخلية للشؤون الأمنية، وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2012 عين وزيرا للداخلية، ولقب بجنرال الحرب على الإرهاب حيث أشرف على خطط القضاء على العنف بالمملكة التي شهدت موجة من التفجيرات في مناطق مختلفة.
وتقول الرشيد في مقالها إنه كان محبوبا من قبل الحكومات الغربية لحملته ضد تنظيم القاعدة منذ 2003، وحصل على ميدالية جورج تينيت من قبل وكالة المخابرات المركزية الأميركية.
خالد بن سلمان
هو الشقيق الأصغر لولي العهد، وقد أوردت صحيفة لوفيغارو الفرنسية أن هيئة البيعة بحثت تعيينه وليا لولي العهد، على أن يحدث تسليم تدريجي للسلطات من محمد إلى خالد، وينتهي بصعود الأخير محل شقيقه الأكبر، وبذلك يظل الحكم لأبناء سلمان.
وكان خالد (30 عاما) سفيرا لدى الولايات المتحدة، لكنه غادر واشنطن بشكل مفاجئ يوم 11 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعد مقتل خاشقجي. وقالت صحيفة نيويورك تايمز حينها إن الأمير لن يعود إلى الولايات المتحدة كسفير، ثم عين بعدها نائبا لوزير الدفاع.
خالد بن سلطان
تولى الأمير البالغ 69 عاما منصب نائب وزير الدفاع بين عامي 2011 و2013، وكان من المتوقع أن يصبح وزير الدفاع أسوة بوالده الأمير سلطان، لكن ذلك لم يحدث. وكان خالد قائد القوات العربية بعملية عاصفة الصحراء عام 1991.
وذكر موقع “ميدل إيست آي” أن خالد كان أيضا من أبرز الأمراء الذين استقبلوا الأمير أحمد بن عبد العزيز ورحبوا به لدى عودته من الخارج.
مقرن بن عبد العزيز
هو أحد أبناء الملك المؤسس، وكان أميرا لمنطقة حائل (شمال المملكة) ثم أميرا للمدينة المنورة، ليعين بعدها رئيسا للاستخبارات العامة منذ 2005 وحتى 2012، وعام 2013 عين نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء، وعام 2015 بويع وليا للعهد في عهد الملك سلمان لبضعة أشهر، لكنه أعفي من منصبه في أبريل/نيسان 2015 “بناء على طلبه” وفقا ما جاء بالأمر الملكي الصادر آنذاك من الملك سلمان.
وقال موقع “ميدل إيست آي” إن مقرن (73 عاما) هو أحد الأمراء الكبار الذين احتفوا بعودة الأمير أحمد بن عبد العزيز.
خالد بن بندر
تولى الأمير البالغ 67 عاما رئاسة الاستخبارات العامة بعهد الملك سلمان الفترة بين أبريل/نيسان 2015 ويناير/كانون الثاني 2016.
وذكر موقع “ميدل إيست آي” أن خالد كان من أبرز الأمراء الذين استقبلوا الأمير أحمد بن عبد العزيز ورحبوا به لدى عودته من الخارج، وأنه أحد الشخصيات القادرة على تولي المسؤولية بدلا من بن سلمان.
غير أن عوامل كثيرة تحكم التغيير في هرم الحكم بالسعودية داخليا وخارجي.؛ أما داخليا فقد عرف عن أعضاء الأسرة الحاكمة وخاصة “هيئة البيعة” التسليم للملك وحاشيته في كل ما يتخذونه من قرارات وسياسات على الصعيد المحلي والعالمي، حفاظا على مكتسبات الأسرة جميعها واستقرار الحكم لهم، كما أن من يمكن التعويل عليهم للعب دور البديل لابن سلمان لا يتمتعون بنفوذ في أجهزة السلطة، وأقصى ما يتمتعون به -ربما- تقدير مكانة بعضهم في الأسرة أو العرفان بجهود آخرين في خدمة البلاد.
وقد نقلت صحيفة واشنطن بوست -في تقرير لها نشر في 30 أكتوبر/تشرين الأول 2018، عن أحد الدبلوماسيين الغربيين- قوله إن استبدال بن سلمان بأمير آخر أمر بعيد الاحتمال للغاية، مضيفا أنه لا يوجد أي بديلٍ بالفعل، ولو كانت هناك بدائل كانت الأضواء ستسلط عليهم منذ وقت طويل، وكان الناس سيلتفون حولهم.
كما أن بن سلمان لا يبدو أنه في وارد تسليم أو حتى تقاسم السلطة مع أحد من أبناء عمومته، وهو الذي ما فتئ يزيح كل من يمكن أن يمثل له تهديدا أو عائقا في الطريق إلى قصر اليمامة (مقر الحكم الملكي) إضافة إلى تجمع كل خيوط الدولة الأمنية والسياسية والاقتصادي بيده.
ونقلت الصحيفة أيضا في ذات التقرير عن الباحث بمركز كارنيغي للشرق الأوسط يزيد صايغ قوله، إن العائلة المالكة ربما تكون قد أجبرت على الإذعان، أو هي على الأقل مستسلمة تماما، ولم تعد قادرة على الالتفاف حول شخصية قوية، حتى وإن كانت موجودة. لقد فات الأوان كثيرا، حيث تفككت الكثير من سلطاتهم المؤسسية وضعفت كذلك.
أما خارجيا، فإن المجتمع الدولي اعتاد أن يتعامل مع من يحكم بالسعودية طالما حافظ نظام الحكم هناك على مصالح الدول الغربية ودار في فلكها، وأبرز تلك المصالح ضمان تدفق إمدادات الطاقة والسيولة المالية جراء الاستثمارات والعقود المليارية في صفقات الأسلحة، ومحاربة ما يسمى “الإرهاب”.
وقد مثلت حادثة اغتيال الصحفي اختبارا حقيقيا لتعامل الدول الغربية مع بن سلمان، بعد أن هددت تلك الحادثة سلطات الأمير الشاب وجلبت عليه الانتقاد من كل حدب وصوب، إلا أن ردة الفعل الغربية على مستواها الرسمي لم تتعد التنديد بالجريمة والمطالبة بتقديم الجناة لمحاكمة عادلة رغم مؤشرات عديدة لإمكانية ضلوعه -وفق تقارير غربية- وإيقاف بعض عقود الاستثمارات التي ما لبثت أن استؤنفت حتى قبل أن تصدر المحاكم السعودية أوامر الاتهام لمقربين من بن سلمان.