طفرة البناء في السعودية تواجه صعوبات بسبب ارتفاع الأسعار وفشل رؤية 2030

يواجه قطاع البناء في السعودية تحديات متنامية تكشف عن إخفاقات إدارية وتخطيطية باتت تؤثر على سمعة المملكة كمركز استثماري واعد بسبب ارتفاع الأسعار وفشل إدارة رؤية 2030
وفقًا لتقرير نشرته أرابيان بيزنس، قفز متوسط تكلفة البناء في الرياض إلى 3,112 دولارًا للمتر المربع، لتصبح بذلك المدينة الأغلى في الشرق الأوسط في هذا المجال، متجاوزةً الدوحة ودبي وأبو ظبي بفوارق كبيرة.
وهذه الارتفاعات لم تنشأ بمعزل عن إخفاق الحكومة في التحكم بموجة الطلب التي خلقتها المشاريع الضخمة، من دون تطوير منظومة عمالة مؤهلة أو سلاسل توريد محلية متماسكة قادرة على استيعاب هذا الزخم.
في الوقت الذي تستعرض فيه السلطات مشاريع استعراضية مثل “بوابة الدرعية” و”حديقة الملك سلمان”، يعاني المطورون والمقاولون من تضخم متسارع وضغوط مزمنة على الموارد واليد العاملة.
ويشير التقرير إلى أن نقص العمالة الماهرة بات أحد أكبر الاختناقات، وهي نقطة ضعف مزمنة كان يمكن توقعها ومعالجتها مبكرًا ضمن استراتيجية وطنية شاملة لتطوير الكفاءات، لكن غياب الرؤية المتكاملة وتركّز القرارات في دوائر ضيقة حال دون ذلك.
وفيما تراهن المملكة على طفرة مراكز البيانات والتكنولوجيا ضمن خططها للتحول الرقمي، تزداد التكاليف التشغيلية وتتآكل هوامش الربحية.
وبحسب محللين، فإن ارتفاع الأسعار بهذا المستوى يهدد بجعل بعض المشاريع غير مجدية تجاريًا، ويثير مخاوف المستثمرين الدوليين الذين بدأوا يلحظون بوضوح فجوة بين الطموحات المعلنة والقدرة التنفيذية الفعلية.
في المقابل، تبدي أسواق مجاورة مثل الإمارات وقطر قدرة أكبر على التكيف مع المتغيرات. ففي قطر، ساعد تباطؤ وتيرة البناء العقاري على كبح جماح التضخم، بينما وفرت الإمارات بيئة أكثر توازنًا بين النمو والقدرة على ضبط التكاليف، نتيجة تراكم خبرات إدارية وتنظيمية لم تُفلح السعودية في مواكبتها بالوتيرة نفسها.
ولم يقتصر الأمر على ارتفاع أسعار البناء فقط. يشير التقرير إلى أن معدل إشغال المستودعات في الرياض بلغ 98%، ما يعكس طلبًا يفوق قدرات الإمداد الحالية، ويزيد الضغط على قطاع اللوجستيات وسلاسل التوريد. وبينما تحاول الحكومة الاعتماد على المصادر المحلية، يظل ضعف القاعدة الصناعية عائقًا يصعب تجاوزه في المدى القريب.
وتتوقع شركات متخصصة مثل “تاونسند آند تاونسند” أن تبقى معدلات تضخم تكلفة البناء مرتفعة، لتسجل زيادة بنحو 5% خلال عام 2025 في الرياض ودبي وأبو ظبي.
ويرى خبراء أن وتيرة التضخم هذه لا تنفصل عن التوسع المفرط في المشروعات الحكومية، الذي تم بدافع سياسي وإعلامي أكثر من كونه خاضعًا لتخطيط اقتصادي عقلاني.
وتعكس هذه التطورات جانبًا آخر من إخفاقات رؤية 2030 في توزيع الموارد بكفاءة. فعلى الرغم من إعلان السعودية عن برامج لتدريب الكوادر الوطنية، ما زالت معظم الشركات تعتمد اعتمادًا شبه كامل على العمالة الأجنبية، التي تواجه بدورها نقصًا عالميًا في المهارات المتخصصة.
هذا الاعتماد المبالغ فيه على الاستيراد، سواء للخبرات أو المواد الخام، يضع المملكة في مواجهة مستمرة مع مخاطر تأخير الإنجاز والتكاليف الإضافية.
وتعزز هذه الصعوبات المخاوف من تكرار سيناريو المشاريع المؤجلة أو المجمّدة، كما حدث في بعض المبادرات العقارية الكبرى، والتي اصطدمت بواقع اقتصادي وتنفيذي مغاير للتصورات الورقية التي روّجت لها الدعاية الرسمية.
ومع اقتراب مواعيد استحقاقات كبرى مثل “إكسبو 2030” وكأس العالم 2034، تلوح في الأفق تحديات لوجستية وهندسية ضخمة قد تتسبب في مزيد من التأخير والإحراج على الساحة الدولية.
ويرى مراقبون أن فشل الحكومة في مواءمة الطموح مع الإمكانيات، وفي بناء منظومة تشريعية وتنفيذية مرنة، قد يُلقي بظلال ثقيلة على قدرة المملكة في استقطاب رؤوس الأموال طويلة الأجل.
على الورق، تبدو رؤية 2030 خطة طموحة لإنشاء اقتصاد متنوع وحديث، لكن الواقع يثبت مرة تلو الأخرى أن الطفرة المعلنة في البناء والتنمية تواجه عراقيل مزمنة نتيجة سوء الإدارة، ونقص الكفاءات، والتخبط في تحديد الأولويات.
وإذا لم تتم مراجعة جذرية لهذه السياسات، فإن مخاطر التعثر ستتفاقم، لتقوض قدرة السعودية على التحول الفعلي إلى قوة اقتصادية إقليمية، بدلًا من الاكتفاء بتقديم مشاريع استعراضية باهظة الثمن وقليلة الجدوى.




