تغير موقع محمد بن سلمان جذريا بشأن إيران ليثبت أن ما تبناه من مواقف عنترية لدى وصوله إلى الحكم ليست سوى مجرد وعود زائفة يعجز عن الوفاء بها.
بن سلمان هدد مرارا في بداية أيام حكمه بضرب إيران بيد من حديد، لكن تسريبات أمريكية وغربية كشفت مؤخرا أن الرياض لجأت لتحريك خط وساطة مستقل, لشق قناة حوارية سرية مع إيران.
وقالت التسريبات إن بن سلمان لجأ إلى فتح هذا الخط، بوساطة من العراق بعدما وصل إلى قناعة بأن الجبهة التي حاول تشكيلها ضد إيران منيت بالفشل.
وأضافت أن هذه الاتصالات هي ثمرة وساطة عراقية بطلب من آل سعود وكان فاتحة لاتصالات لاحقة.
وفي هذا السياق قالت مصادر غربية إن العرض الذي قدمه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف من بغداد في 26 أيار/ مايو الماضي “اتفاقية عدم اعتداء” على دول الخليج لم يكن قفزة في الهواء.
واعتبرت تصريحات ظريف “بداية لإطلاق الدخان الأبيض لمبادرة حوارية سعودية إيرانية عملت بغداد على إنجاحها”.
وقالت إنه “بقدر ما تخشى الرياض من جولة حوارية أمريكية إيرانية خارج نطاق رادارها السياسي، فإنها في الوقت نفسه تبدو مذعورة من أي حوار مع طهران لا تأخذ واشنطن علماً مسبقاً به”.
وذكرت, أنه رغم الحقن المتواصل لنظام آل سعود بعداوة إيران وتصويرها على أنها الخصم التاريخي اللدود والوحيد (وليس الكيان الإسرائيلي الذي يحظى هذه الأيام بحفاوة غير مسبوقة وسط أنصار محمد بن سلمان)، بل والتهديد بنقل الحرب إلى داخلها (كما جاء في مقابلة تلفزيونية مع ابن سلمان على شاشة قناة السعودية الرسمية في 2 مايو 2017)، إلا أن الرياض لم تجد سبيلاً سوى الحوار مع طهران .
ولفتت في هذا السياق إلى تصريح ولي العهد محمد بن سلمان لصحيفة الشرق الأوسط في 16 حزيران/ يونيو الماضي، حين قال، إن بلاده لا تريد حرباً في المنطقة.
وأشارت إلى أن مندوب آل سعود لدى الأمم المتحدة، عبد الله المعلمي، كشف عن اتصالات مع إيران، حين قال في 18 تموز/ يوليو الماضي: “هناك اتصالات جرت مع طهران من خلال مؤتمر القمة الإسلامية الذي عقد في مكة المكرمة”.
وتابعت: “واصلت الرياض رسائلها إلى طهران، ومن بينها الإفراج عن ناقلة نفط إيرانية في 20 تموز/ يوليو الماضي بعد احتجازها منذ نيسان/ أبريل الفائت، بعدما اضطرت إلى الرسوّ في ميناء جدة بسبب عطل فني. وكانت الرياض ترفض الإفراج عن السفينة حتى بعد إصلاحها، في سياق الحرب الاقتصادية على إيران”.
يذكر أن وتيرة التوتر في المنطقة تصاعدت بعد سلسلة هجمات ضد سفن كانت تبحر قرب مضيق هرمز، تلاها احتجاز سلطات جبل طارق لسفينة تحمل علم إيران، فيما ردت الأخيرة في 19 تموز/ يوليو الماضي باحتجاز ناقلة نفط بريطانية في مضيق هرمز بذريعة “خرق لوائح تتعلق بالمرور”.
ورأت أن التحالف الذي كانت تأمل الرياض في تدشينه مع الإمارات والبحرين وإسرائيل ويقوده صقور البيت الأبيض فشل في إشعال المواجهة مع إيران، وأشارت إلى أن مبادرة مؤتمر وارسو في فبراير الماضي انتهت بعد غياب روسيا والصين ودول وازنة في الاتحاد الأوروبي (فرنسا وألمانيا بدرجة أساسية) عن هذا التحالف .
وأشارت إلى أنه على قدر منسوب التصعيد في اللهجة العدائية لإيران في مؤتمر وراسو الذي عقد في فبراير الماضي، فإن الفشل بدا حليفاً دائماً لمبادرات واشنطن والرياض وتل أبيب، بما يبطن نتيجة باتت يقينية مفادها أن الأسس التي بني عليها التحالف ليست فحسب غير متينة، بل تبعث إشارات عكسية بأن لا ثقة راسخة بين الأطراف الضالعين في تشكيل هذا التحالف، وأن ثمة أجندات متضاربة تحول دون نجاحه.
وهنا تفترق المسارات بين واشنطن والرياض، فما تريده الأخيرة بات غير متوافر لدى شريكها الاستراتيجي، فلا هو على استعداد لخوص الحرب نيابة عنها، ولا هو قادر على حماية عرشها بتوفير شروط استدامته واستقراره.
ويعتبر الحوار الأمريكي الإيراني في سلطنة عمان حول الملف النووي حصراً كان بالنسبة إلى الرياض طعنة في الظهر، وكان بمثابة متغيّر جديد في التفكير السياسي والاستراتيجي السعودي، بعد أن اكتشفت الرياض أن خصومة ترامب مع إيران ليست مبنية على اقتناعات أيديولوجية أو سياسية، فانسحابه من الاتفاق النووي مع إيران لم يقصد به إغلاق باب الحوار، ولا إلغاء فكرة التفاوض معها، بل على العكس، وكما ظهر لاحقاً، كان لاستدراج مفاوضات جديدة تُتوّج باتفاق نووي ممهور بختمه، ويكون صالحاً للتوظيف الانتخابي في خريف العام 2020.