قالت صحيفة أمريكية إن نظام آل سعود يسعى بشكل سري وبهدوء لتحسين علاقاتها مع إيران وبقية الأعداء الإقليميين، وبات المسؤولون في المملكة أكثر قلقا بشأن المخاطر التي يشكلها الصراع على اقتصاد البلاد الذي يعتمد على النفط.
وقال بينوا فوكون وثامر سعيد ووارن ستروبل -في التقرير الذي نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال”- إن اهتمام الرياض الجديد بتحسين علاقاتها مع المنافسين الإقليميين يأتي في الوقت الذي يتساءل فيه المسؤولون السعوديون عن مقدار الدعم الذي تتلقاه المملكة من الولايات المتحدة وغيرها من الحلفاء.
وفي الواقع، تغيرت حسابات السعودية بعد الهجوم الصاروخي الذي استهدف منشأتين لشركة “أرامكو” باستخدام طائرة دون طيار، حيث ألقت باللوم على طهران وحملتها المسؤولية.
مؤقتا، عطلت هذه الضربة -التي وقعت في سبتمبر/أيلول الماضي- جزءا كبيرا من إنتاج البلاد من النفط الخام. ورغم أن واشنطن لم ترد على إيران إثر هذا الهجوم، فإنها أرسلت قواتها لتعزيز الدفاعات السعودية.
وذكر الكُتاب أن ممثلي آل سعود وإيران تبادلوا الرسائل بشكل مباشر خلال الأشهر الأخيرة، وتواصلوا من خلال وسطاء بكل من عُمان والكويت وباكستان، وفقا لما أفاد به مسؤولون في المملكة وأوروبيون وأميركيون.
وصرح هؤلاء المسؤولون بأن المغزى الأساسي من هذه الاتصالات يتمثل في تخفيف التوترات بين الرياض وطهران.
ووفق سفير إيران في باريس بهرام قاسمي ومسؤولين آخرين، طرحت طهران خطة سلام على السعوديين تتضمن تعهدا متبادلا بعدم الاعتداء والتعاون والذي من شأنه تأمين صادرات النفط بعد سلسلة الهجمات التي شُنَت على ناقلات النفط.
وأشار الكتاب إلى أن ناقلات النفط السعودية والإماراتية واليابانية تعرضت هذا الصيف لهجمات بالقرب من مضيق هرمز الإستراتيجي.
وبعدما ألقت الولايات المتحدة باللوم على إيران على خلفية تلك الهجمات، تتالت الانفجارات في أكتوبر/تشرين الأول التي طالت ناقلة إيرانية، مما دفع بطهران إلى إلقاء اللوم على حكومة أجنبية لم تذكر اسمها. وعموما، أدت هذه الحوادث إلى ارتفاع تكلفة الشحن وأجبرت مشتري النفط على تأخيره.
علاوة على ذلك، أجرت الرياض محادثات سرية مع المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران الذين تقاتلهم باليمن منذ سنوات، وفقا لمسؤولين عرب وأميركيين. وهناك، أسفر الصراع عما وصفته الأمم المتحدة بأنه أسوأ أزمة إنسانية.
يُذكر أن قوات الحوثيين بدأت في الدفع نحو إجراء محادثات مع السعودية في سبتمبر/أيلول الماضي، مع اقتراح وقف النار من جانب واحد. وحينها، رد السعوديون بوقف جزئي لإطلاق النار من جانبهم.
وفي هذا الشأن، قال مسؤول أميركي رفيع “لقد بدأت السياسة الواقعية حيث أدرك السعوديون أنه يجب عليهم التخفيف من التحديات التي يواجهونها على جبهات متعددة”.
ومن جانبه، قال قاسمي خلال مقابلة أجريت معه في 30 أكتوبر/تشرين الأول الماضي معلقا على المشاورات مع نظام آل سعود “نسعى لتحقيق السلام” ولكن لم يتم التوصل إليه.
ونوه المقال بالدعم المتضائل المقدم للسعودية في عواصم العالم الرئيسية وخاصة واشنطن، حيث يرغب المشرعون من كلا الطرفين في رؤية الرياض تنهي حرب اليمن، وتعاقب المسؤولين عن مقتل الكاتب السعودي جمال خاشقجي.
ومن جهتها، تواجه الرياض أسئلة متجددة من المشرعين الأميركيين حول ما إذا كانت ما تزال حليفا موثوقا به بعد أن قتل متدرب في سلاح الجو السعودي ثلاثة بحارة أميركيين خلال الأسبوع الماضي بقاعدة عسكرية في فلوريدا.
وقال المقال إن التواصل السعودي يأتي أيضا في وقت محوري بالنسبة لولي العهد محمد بن سلمان الذي يحاول إعادة تشكيل اقتصاد المملكة.
كما يعد العرض العام الأولي لشركة أرامكو -والذي بدأ الأربعاء- حافزا لجمع الأموال للمشاريع الخاصة بالعقارات والسياحة والتكنولوجيا في المملكة.
ولكن بعد الهجوم على أرامكو تنامت المخاوف بشأن أمن أصول الشركة. علاوة على ذلك، سيُعرض احتمال نشوب صراع أوسع مع إيران صادرات النفط السعودية للخطر، كما أنه يخاطر ببث الخوف في نفوس المستثمرين الأجانب من احتياجات المملكة من رأس المال الجديد والتكنولوجيا الحديثة والمعرفة الإدارية.
في المقابل، هناك لاعبون آخرون بالمنطقة، بما في ذلك الإمارات، يشككون في تواصل الرياض مع إيران. كما حذر المسؤولون الأميركيون علانية من أن إيران ربما تخطط لشن هجوم جديد بالمنطقة.
وبهذا الصدد، قال مسؤول سعودي إن بلاده “لا تثق في الإيرانيين”. في المقابل، تأمل الرياض أن تتمكن على الأقل من “التوصل إلى اتفاق لوقف الهجمات المحتملة بالمستقبل”.
بدورها، بدت مظاهر اهتمام بالنزاع من قبل طهران التي تضررت بشدة من حملة “الضغط القصوى” التي شنتها إدارة الرئيس دونالد ترامب من خلال فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية عليها.
ورغم سنوات من العداوة، اعتبر المسؤولون الإيرانيون في السابق أن هناك أملا في وساطة مع السعودية من خلال استخدام علاقتها الخاصة مع واشنطن لإنهاء العقوبات بدلا من تشجيعها.
وختم المقال بأنه في الوقت الذي أيد المعتدلون الإيرانيون التقارب مع القوى الإقليمية، يرى المحافظون أن الدور الأمني القوي بالمنطقة يُعتبر شرطا أساسيا للحفاظ على نفوذ إيران خارج حدودها.
أما في اليمن، فيواجه السعوديون والإماراتيون صراعا لإقناع الحركة الحوثية والحكومة المدعومة دوليا من الرئيس عبد ربه منصور هادي بتقاسم السلطة.