تعاني المملكة من ضمور واضح في مشروعها في مقابل تمدد وتوسع للمشروع الإيراني في المنطقة.
يحصل ذلك رغم الحصار والتضييق الذي تتعرض له إيران من دول العالم الغربي، في مقابل التغاضي عما ترتكبه المملكة في اليمن وبعض قنصلياتها وأماكن أخرى.
يقول مراقبون إن عوامل عدة ساهمت في تمدّد المشروع الإيراني، بعضها يتعلق بفطنة الإيرانيين ومراوغتهم وحنكتهم واستغلال الظروف ونقاط ضعف الطرف الآخر، وبعضها الآخر يتعلق بخمول خصوم إيران، وعدم إدراكهم لما يفعلون، وتخبّطهم بسياسات خاطئة دون رؤية واضحة، والأهم عدم استغلال مكامن القوة المتوفرة لديهم، وأبرزها البنية البشرية المستعدة للانخراط بأي مشروع يساهم في مواجهة المشروع الإيراني في المنطقة.
بما أن المملكة هي التي ترفع لواء مواجهة المشروع الإيراني، وبما أنها غارقة في وحول المستنقع اليمني الذي أوقعت بنفسها به، وبما أنها منشغلة بتنظيم مهرجانات الترفيه واستضافة الفنانين العرب والعالميين على أرضها “المقدسة”، فإنها بحجة ماسة إلى وصفة سرية لتشكيل نواة لمشروع حقيقي يقابل المشروع الإيراني.
يقترح البعض أن هذه الوصفة يجب أن تتمثل ببساطة باستنساخ تجربة حزب الله في لبنان، بتشكيل حزب مسلح برعاية وتمويل ودعم ومساندة المملكة.
فالمملكة -حتى هذه الساعة- تعلن تضامنها مع الشعب الفلسطيني وتطالب الاحتلال الإسرائيلي بوقف اعتداءاته وبناء مستوطناته، وما زالت -حتى هذه اللحظة- تقف إلى جانب لبنان في مواجهة أي اعتداء إسرائيلي، وتؤكد في جميع مواقفها على دعم ومساندة لبنان.
بالتالي فإن أي مسعى من المملكة لتشكيل “مقاومة مسلحة” لن يكون مستغرباً، وسيكون ومنسجماً مع مواقفها أقلّه المعلن منها.
فكما أن إيران تترجم شعاراتها في استئصال الغدة السرطانية “إسرائيل” من خلال دعم حزب الله، فإن بإمكان المملكة ترجمة مواقفها بدعم لبنان ومساندة الشعب الفلسطيني بتشكيل حزب جديد يساهم في حماية اللبنانيين ودعم القضية الفلسطينية.
مسار طويل وصعب خاضته إيران ومعها حزب الله على مدى عقود حتى نجح الحزب بتشريع وجوده واحتفاظه بسلاحه دون غيره من اللبنانيين.
هذا المسار سيكون سهلاً أمام المملكة ولن تجد في طريقها أي عقبة لتشريع وجود حزب مسلّح تقوم برعايته وتمويله.
فالبيانات الوزارية التي شرّعت سلاح حزب الله تنص على حق لبنان بحماية نفسه دون ذكر حصرية المقاومة بحزب الله، وبالتالي فإن أي لبناني بإمكانه القول إنه يريد المشاركة في “المقاومة” ومواجهة التهديدات الإسرائيلية بعيداً عن حزب الله، بل إن هذه المقاومة ستكون أكثر قوة وفاعلية وشعبية إذا لم تكن ذات طابع طائفي واحد كما هو واقعها الآن.
الفكرة ليس هزلية، بل هي واقعية جداً، ولا تتطلب الكثير، فالبنية البشرية للمشروع في لبنان جاهزة، خاصة أن شريحة واسعة من اللبنانيين تنتظر بشوق مشروعاً مقاوماً تنخرط فيه بعيداً عن حزب الله، يمكنها من خلاله التعبير عن نفسها والقيام بدورها في مواجهة التهديدات الإسرائيلية ومساندة الشعب الفلسطيني.
وكما استفادت إيران من وجود حزب الله ليكون نفوذاً لها في لبنان والمنطقة، وتستفيد منه في معاركها ومواجهاتها الإقليمية، صحتين على قلب المملكة، فلتستفيد من الحزب الجديد، ولتستخدمه في معاركها مع خصومها.
تنفق المملكة مليارات الدولارات لحماية نفسها مما تعتبره الخطر الإيراني بشراء أسلحة متطورة ورشوة الدول الكبرى، وتنفق مليارات أخرى لتحسين صورتها لدى الغرب من خلال تنظيم فعاليات ومهرجانات، لا تسهم إلا بالتفريط بقيم المملكة الدينية والمجتمعية والأخلاقية.
لذلك لن يكون صعباً عليها إنفاق بضعة ملايين لتمويل مقاومة لبنانية هدفها مواجهة التهديدات الإسرائيلية، تكون كتفاً إلى كتف إلى جانب الجيش اللبناني، وإلى جانب حزب الله ولكن في المقلب الآخر.