تظهر بيانات إنفاق نظام آل سعود خلالا كبيرا بالتركيز على الصفقات العسكرية على حساب خدمات الصحة والتعليم ما ينعكس سلبا على مواطني المملكة والوافدين إليها.
وأظهرت نتائج ميزانية المملكة وجود عجز بنحو 34 مليار ريال، ووجود تراجع بالإيرادات العامة، بنحو 22% في الربع الأول من 2020 مقارنة بالفترة نفسها من 2019، كما زادت النفقات العامة خلال فترة المقارنة ذاتها بنسبة 4%.
وأشارت بيانات وزارة المالية إلى أن نتائج الربع الأول من 2020 أسفرت عن زيادة في الدين العام بلغت 46 مليار ريال.
واللافت للنظر في الأرقام التفصيلية لأداء الميزانية للربع الأول من عام 2020، أن الإنفاق العسكري زاد بنسبة 6% عن الفترة نفسها من عام 2019، إلا أن الأخطر هو تراجع الإنفاق على الصحة والتنمية الاجتماعية بنسبة 13%، في الوقت الذي تواجه في المملكة أعباء صحية في ظل أزمة كورونا.
ولا يمكن قراءة تراجع الوضع المالي للمملكة دون النظر إلى الخلل الهيكلي في منظومتها الاقتصادية، فلا يزال اقتصاد المملكة يعتمد بشكل رئيس على سلعة أولية، وهي النفط، تمثل عماد صادراته السلعية، وكذلك يعد النفط المورد الرئيس للإيرادات العامة في ميزانية المملكة.
وبالتالي كان من الطبيعي أن يكون اقتصاد المملكة عرضة للتقلبات الخارجية في سوق النفط، صعودا وهبوطًا، فعلى الرغم من أن السعودية ممثلة بعضوية في مجموعة الـ20، وكذلك ارتفعت حصتها من احتياطيات النقد الأجنبي لأعلى سقف لها لنحو 744 مليار دولار في عام 2014، ولديها رصيد بصندوقها السيادي يقدر بنحو 320 مليار دولار في 2019، إلا أن تصنيفها المعلوم أنها دولة نامية.
وكانت صدمة انهيار أسعار النفط في يوليو/تموز 2014 كاشفة لهيكل اقتصاد المملكة القائم على المصدر الريعي الوحيد وهو النفط، حيث بدأت المؤشرات المالية في تراجع ملموس من خلال عودة عجز ميزانياتها بعد فائض استمر من 2003–2013، كما اتجه مؤشرها للدين العام للارتفاع، حتى وصل إلى 732 مليار ريال (195 مليار دولار) بنهاية مارس/آذار 2020.
ولم تكن مؤشرات تراجع أسعار النفط في يوليو/تموز 2014، نذيرا كافيا للمخطط السعودي لكي يعيد حساباته، ولكن الإدارة السياسية تحت سلطة ولي العهد محمد بن سلمان اتخذت القرار الخطأ بدخولها في حرب اليمن، التي استنزفت موارد ضخمة لم تكشف عنها السعودية بعد.
وفي خطوة تالية، تؤكد كثير من الشواهد على عدم توفر الدراسات الكافية لها، أقبلت الإدارة السياسية السعودية على الإعلان والتنفيذ لمشروع استثماري كبير باسم نيوم، باستثمارات تقدر بنحو 500 مليار دولار، في ظل معاناة المنطقة من ضبابية شديدة حول استقرارها السياسي والأمني، بل يُعد السلوك السعودي أحد مقومات هذه الحالة من عدم الاستقرار.
وكانت الخطوة التي أدت إلى مزيد من التراجع في الإيرادات النفطية السعودية، هي ما أقدمت عليه السعودية في 20 مارس/آذار 2020، بالدخول فيما عرف بحرب أسعار النفط، ليهبط سعر النفط لأقل من 30 دولارا في ذلك التاريخ، وهو ما أدى لاحقا لأن تخفض وكالة التصنيف الإئتماني “موديز” نظرتها المستقبلية للوضع الائتماني للسعودية إلى سالبة بعد أن كانت مستقرة.
قد يكون الحديث عن المؤشرات الاقتصادية الكلية أكثر أهمية إذا ما جرى تناوله من خلال أثره على حياة المواطن، وبالاطلاع على نتائج الميزانية السعودية في الربع الأول من 2020، نجد أن هناك بندين يؤثران على حياة المواطن بشكل رئيس، وهما بند الإعانات، الذي تراجع الإنفاق عليه إلى 3,4 مليارات ريال مقارنة بـ 10,3 مليارات ريال في الفترة نفسها من عام 2019، وبلغت نسبة التراجع بين فترتي المقارنة 66%.
وكان البند الثاني الأكثر تأثيرا على حياة المواطن السعودي، هو تراجع الإنفاق على بند المنافع الاجتماعية ليبلغ 12,9 مليار ريال، مقارنة بـ 17,2 مليار ريال في الفترة نفسها من عام 2019، وقد بلغت نسبة التراجع 25%.
وقد تلجأ حكومة آل سعود خلال الفترة القادمة، إلى فرض المزيد من الضرائب، أو زيادة أسعار السلع والخدمات، من أجل بعض المعالجات المالية، التي تتوافق وسياسات صندوق النقد الدولي، من أجل إحداث نوع من التوازن المالي.
وتجارب الماضي، تدل على استمرار اقتصاد المملكة على المسار نفسه، حيث تتسع ظواهر عجز الميزانية والدين العام، إلى أن تتحسن أسعار النفط في السوق الدولية، لتتجاوز معدلات يمكن معها تحقيق سداد الديون، ثم تحقيق فائض يمكن من خلاله الاتجاه لزيادة احتياطيات النقد الأجنبي وتوسعة الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة للمملكة.
ولكن هذه المرة ستطول الفترة التي تستمر فيها الديون العامة وعجز الميزانية السعودية، بسبب النظرة المستقبلية غير الإيجابية لأداء الاقتصاد العالمي، واستمرار الطلب على النفط منخفضا في الأجل المتوسط على الأقل، ومن جانب آخر، فإن السعودية وقعت على اتفاق “أوبك بلس” الذي يلزمها بخفض إنتاجها من النفط عند مستويات تؤدي إلى تراجع إيراداتها النفطية.
ووفق تقديرات صندوق النقد الدولي، فإن سعر برميل النفط الذي يحقق تعادل الميزانية السعودية عند 70 دولارا للبرميل، وهو أمر من الصعب الوصول إليه خلال عامي 2020 و2021، وقد يمتد لأكثر من ذلك، ومن هنا فاستمرار عجز ميزانية السعودية وتفاقم دينها العام سوف يستمران خلال السنوات الخمس القادمة، إن لم تزد على ذلك.
غير أن الجانب المهم فيما يخص الوضع المالي السعودي، هو ما يتعلق بالسياسة المالية الجديدة، التي أخذت بمبادئ المؤسسات المالية الدولية، والتي تعتمد على التمويل بالديون، سواء لسداد عجز الميزانية أو تمويل الاستثمارات العامة، ولذلك بدأ الحديث بشكل مركز من قبل المسؤولين السعوديين عن أن نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي ما زالت آمنة، وأن العمل وفق مبدأ استدامة الدين يؤمن للسعودية الحصول على المزيد من الديون المحلية والخارجية.
ومبدأ استدامة الدين يعني ببساطة قدرة الدولة على سداد أعباء الدين من أقساط وفوائد بصورة منتظمة، دون أن تتأخر أو تعجز عن سداد تلك الأعباء، أو تطلب إعادة جدولتها.
وخطورة الوضع في المملكة أنها أصبحت تمتلك رؤية مالية واضحة عبر استخدام الديون، ولكنها لم تقدم برنامجا زمنيا واضحا لتوظيف وسداد هذه الديون، مما يعني تحميل الأجيال القادمة أعباء هذه الديون.