سقطات متكررة لإعلام المملكة تفقده ما تبقي له من مصداقية
يقابل إعلام المملكة الذي يسيطر عليه نظام آل سعود بالكامل ويدفع بمرتزقته لإدارته بعيدا عن الكفاءات المهنية، بسخرية واسعة خارجيا بسبب سقطاته المتكررة ما أفقده ما تبقي له من مصداقية.
ولا يكاد يمر يوم دون أن ينشر إعلام المملكة محتوى يستهدف خصوم النظام بطريقة مبتذلة وبمحتوى يؤجج الفرقة والاستقطاب بدلاً من الاتحاد إزاء القضايا التي تخص العالم الإسلامي.
وكان آخر مثال لذلك هو الموقف القبيح الذي اتخذه الإعلام السعودي تجاه القمة الإسلامية المصغرة، التي انعقدت في كوالالمبور خلال الفترة من 18-21 ديسمبر/كانون الأول الماضي بمبادرة من رئيس وزراء ماليزيا مهاتير محمد.
فمنذ اليوم الأول للإعلان عن عقد القمة بذل الإعلام السعودي، وفي مقدمته صحيفة عكاظ، قصارى جهدهم لمنع انعقاد القمة.
ورأى الإعلام السعودي القمة على أنها بديل لمنظمة التعاون الإسلامي، ونشر الكثير من الأخبار والعناوين التي تصف القمة بـ”قمة المؤامرة” و”قمة ضرار”، في إشارة إلى “مسجد ضرار” الذي بناه المنافقون بالمدينة في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
وفي مقال له بعنوان ” قمة مهاتير أم قمة ضرار” كان رامي الخليفة العلي كاتب صحيفة عكاظ يلعب الدور المرسوم له من قبل الإدارة السعودية بعبارات من قبيل “رفض الرسول صلى الله عليه وسلم الصلاة في مسجد ضرار باعتبار أنه يشق الصف، مع أن بناء مسجد يعتبر من حيث المبدأ أمرا محمودا، ولكن السياق والأهداف جعله وسيلة هدم لا بناء، والأمر ينطبق على قمة مهاتير التي تريد أن تشق عصا المسلمين وتذهب بريحهم”.
تمر العديد من الدول بالعالم الإسلامي بظروف صعبة مثل لبنان وليبيا واليمن والعراق والجزائر. وكانت القمة الإسلامية المصغرة في كوالالمبور خطوة صائبة في سبيل البحث عن مخرج من تلك الظروف الصعبة وبدلاً من أن تشارك السعودية في تلك القمة التي دُعيت إليها سخرت كل جهودها وقوتها وفي مقدمتها الإعلام المرئي والمقروء لمنع عقد القمة وتشويه صورتها.
هددت الرياض كلا من باكستان وإندونيسيا وأجبرتهما على الانسحاب من القمة، وبينما تفعل ذلك تحدثت عن منظمة التعاون الإسلامي التي لا تمارس أي دور غير نشر بيانات الشجب والإدانة.
ورغم أن رئيس الوزراء الماليزي هاتف الملك سلمان بنفسه وأكد له أن القمة لا تهدف لأن تكون بديلاً عن منظمة التعاون الإسلامي، واصلت السعودية موقفها السلبي إزاء القمة.
وعقب تصريحات الرئيس التركي أردوغان بأن عدم انضمام باكستان للقمة سببه تهديدات وابتزاز إدارة الرياض، استهدفت عناوين الصحف السعودية الرئيس أردوغان.
ونشر الإعلام السعودي أخباراً مفبركة تدعي فشل القمة، ونشر العديد من الافتراءات والأخبار الكاذبة لتشويه صورة القمة.
وبينما كان الإعلام السعودي يفرد مساحة واسعة لتصريحات “نفي إدعاءات قيام السفير السعودي بباكستان بالضغط على إسلام آباد لمنعها من المشاركة بالقمة، تم مد الميكروفون فقط للصحفيين الباكستانيين الموالين للسعودية لدعم ادعاءاتها”.
من المعلوم للجميع أنه لا يمكن الحديث عن إعلام مستقل في السعودية، ففي دولة تُدار بالنظام الملكي لا يمكن الحديث عن أصوات مخالفة في الإعلام، بل نجد كل وسائل الإعلام تتسابق فيما بينها لإثبات الولاء للنظام وتتحرك معاً وبصوت واحد وفقاً للأجندة السياسية للملكة.
وفي مقال لسهام القحطاني الكاتبة بصحيفة الجزيرة أحد الصحف ذائعة الصيت في المملكة، وبينما تتحدث عن المحاور الرئيسية لعمق قوة السياسة السعودية زعمت القحطاني أن “السعودية ليست دولة دينية انعزالية كما يصورها البعض، بل هي دولة مدنية راعية للتطور الحضاري على كافة المستويات المتفق مع معايير منهجها، لذا كانت السعودية النموذج الأقوى للإسلام الحضاري”.
وبالطبع لم تترك الفرصة دون الإشارة إلى رؤية ولي العهد محمد بن سلمان، وإلى الإصلاحات والقوة العسكرية والاقتصادية الصاعدة للمملكة.
كما تلفت القحطاني الانتباه إلى المكانة الدينية التي تتمتع بها المملكة لدى الشعوب العربية والإسلامية، وإلى “الثقة السياسية” التي اكتسبتها بسبب عدم تدخلها في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.
لا ندري إذا كانت هذه آراء سهام القحطاني فعلاً أم لا، إلا أن موقف المملكة تجاه الانقلاب على الرئيس المنتخب في مصر محمد مرسي، وحصار قطر، وأنشطتها مع الإمارات في شمال سوريا واليمن، وليبيا، والصومال جميعها تكذب آراء القحطاني. فتقريباً لا توجد دولة إسلامية لم يدخل نظام آل سعود في شؤونها.
كما لا يمكن نسيان الدور الذي لعبته الدولتان (المملكة والإمارات) في الانقلاب العسكري الأخير في السودان.
وكما يفهم من بين السطور بمقالتي رامي الخليفة وسهام القحطاني، فإن المملكة اعترضت على عقد قمة كوالالمبور لأنها خشيت أن القمة ستضعف موقفها الريادي والرمزي في العالم الإسلامي، ولذلك أرادت أن تعقد القمة تحت رعاية منظمة المؤتمر الإسلامي التي تسيطر هي عليها.
إلا أن نجاح قمة كوالالمبور رغم المعوقات وحملات التشوية عمق أكثر من الصورة السيئة الموجودة أصلاً لدى شعوب العالم الإسلامي عن السعودية.
وبعد الموقف الذي اتخذته تركيا من حصار قطر وجريمة قتل جمال خاشقجي، تحرك نظام آل سعود لشن هجمة شرسة على تركيا في المجالات الاقتصادية والثقافية والسياسية وحتى العسكرية، مستعينة في ذلك بالإعلام.
وكما قام النظام بإجراء تغييرات في الكتب الدراسية للمدارس الإعدادية لإظهار العثمانيين على أنهم “محتلين” وضعت الرياض نفسها في موقف حرج بأموالها عبر محاولة تزييف التاريخ العثماني بناء على الاختلافات السياسية الحالية، كما حدث في مسلسل “ممالك النار” الذي خصصت ميزانية ضخمة لإنتاجه بلغت 40 مليون دولار.
من الواضح جداً أن نظام آل سعود منزعج من شعبية تركيا ومن تحرك الحكومات التي وصلت للسلطة بعد الربيع العربي، مع أنقرة.
تدرك الرياض وأبوظبي أنهما لا يتمتعان بأي تأثير أو نفوذ في الشارع العربي، ولذلك تحاولان تحقيق أهدافهما عبر القوات المحلية التي يغرقانها بالمال.
في البداية تم الانقلاب على إدارة محمد مرسي التي وصلت للسلطة عبر الطرق الديمقراطية، بعد ذلك دعمت تنظيم ي ب د/ بي كا كا الإرهابي في شمالي سوريا لقلقها من احتمال أن تتشكل حكومة بديلاً عن النظام السوري في سوريا تكون قريبة من تركيا.
تدعم الرياض وأبوظبي اللواء المتقاعد الانقلابي خليفة حفتر ضد حكومة الوفاق الوطني الشرعية التي تعترف بها الأمم المتحدة، وتفضلان الحرب على أن يتحقق الاستقرار في ليبيا بدعم تركي.
ويجمع مراقبون أنه على المملكة إن كانت ترغب في قيادة العالم الإسلامي أن تتخلى عن الحرب الباردة عبر إعلامها الفاشل وأن تبدأ ذلك عبر تحسين لغة الإعلام المسمومة، وأن تسخر إمكانياتها لتضميد جراح العالم الإسلامي.