نظام آل سعود يروج ل”إصلاحات قادمة” للتغطية على انتهاكاته

في ظلّ أزمة كورونا الصحية التي فرضت نوعا من الحصار على المملكة وفاقمت أزمتها الاقتصادي، يسعى ولي العهد محمد بن سلمان إلى اعتماد خطوات يأمل من خلالها “تلميع” السجل الحقوقي المتدهور للمملكة على الصعيد الدولي، والتي تضررت بشدة منذ اغتيال الصحفي جمال خاشقجي على يد عملاء حكوميين في 2018 والحرب في اليمن.

الأسبوع الماضي، أعلنت المملكة عن تغييرات في الأحكام القانونية تتمثل في حظر الجلد كعقوبة وإلغاء عقوبة الإعدام على الجرائم التي يرتكبها القصر.

وسعى المقربون من بن سلمان إلى الترويج لوكالات دولية عن “خطوات مستقبلية” من المرجح أن يتم الإعلان عنها في غضون أسابيع أو خلال الأشهر المقبلة، وسوف تنطوي على تغييرات جنائية بحيث لم تعد العقوبات التي تم تنفيذها على جرائم معينة من اختصاص القضاة فقط.

ومع ذلك، قد لا تكون هذه التغييرات كافية لكسب دعم الرياض الجديد في واشنطن أو الثناء عليها من قبل منظمات حقوق الإنسان بحسب الوكالات الدولية.

وروج بن سلمان طويلا لعدة تغييرات داخل المملكة، لكنه قام في المقابل بحملة موازية ضد النشطاء حيث تمّ اعتقال مواطنين ومعارضين ونشطاء في مجال حقوق المرأة وكتاب ورجال دين وكبار الأمراء.

وتدهورت العلاقات السعودية مع الكونغرس في الأسابيع الماضية، بما في ذلك أعضاء في حزب الرئيس دونالد ترامب. وقد اتهم الجمهوريون المملكة بالتسبب في حالة عدم الاستقرار في سوق النفط.

جاء ذلك بعد أن كثفت المملكة إنتاج النفط وخفضت الأسعار بعد انهيار المحادثات مع روسيا بشأن تخفيضات الإنتاج قبل التوصل إلى اتفاق جديد.

التقلبات وانهيار الأسعار في أسواق النفط، وسط ضعف الطلب بسبب جائحة كورونا وتراجع انتاج الغاز الصخري الأمريكي، أدى إلى تسريح العمال في العديد من المنشآت الصناعية لا سيما في الولايات الأميركية التي يحكمها الجمهوريون.

وحذر بعض أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين في أواخر مارس-آذار من أنه إذا لم تغير السعودية مسارها، فإنها تجازف بفقدان الدعم الدفاعي الأمريكي ومواجهة مجموعة من القيود التجارية والتحقيقات والعقوبات.

لم يكن من الممكن أن يأتي رد الفعل العكسي في وقت أسوأ بالنسبة للمملكة حيث لا تزال التوترات عالية مع منافستها إيران.

ربما يأمل بن سلمان أن تساهم خطوات للترويج الإعلامي في إحياء العلاقات التي كانت تتسم بالدفء إلى حد كبير مع إدارة ترامب، التي نشرت قوات في المملكة لردع الهجمات الإيرانية، وقد تحافظ الإصلاحات أيضا على استمرار دعم واشنطن حتى في حال عدم انتخاب دونالد ترامب لعهدة رئاسية ثانية في نوفمبر-تشرين الثاني.

وقد دفع بن سلمان ملايين الدولارات لشركات العلاقات العامة والاستشارات الغربية من أجل تحسين صورة المملكة العربية السعودية ووضع خطة لتنويع الاقتصاد المعتمد على النفط.

ومع ذلك، فهناك قيود صارمة على إصلاحات المملكة، والتي يتخطاها الأمير بمباركة والده الملك سلمان. كانت عمليات الإعدام على الجرائم المرتكبة من قبل القصر نادرة نسبيًا، لذا فإن إنهاء هذه الممارسة ليس تغييرًا كبيرًا.

وتشير الأرقام إلى أن عملية إعدام واحدة من أصل 184 عملية في العام 2019 تتعلق بجريمة ارتكبت من قبل قاصر.

ولا يوجد ما يشير إلى أن المملكة ة قد تضع حدا لحملة القمع ضد المعارضين.

مقتل خاشقجي، المعارض وكاتب عمود في صحيفة واشنطن بوست، في القنصلية السعودية في اسطنبول على أيدي عملاء تابعين للنظام، ألقى بظلاله على الإصلاحات التي أشاد بها الأمير البالغ من العمر 34 عامًا. كما أنه أدى إلى تعقيد قدرته على جذب الاستثمار الأجنبي اللازم لتحويل الاقتصاد السعودي.

صوت أعضاء الكونغرس بالإجماع على تحميل ولي العهد المسؤولية عن وفاة خاشقجي، على الرغم من إصراره على عدم علمه بالعملية. بعد فترة وجيزة، صوت الكونغرس على إنهاء المساعدة الأمريكية في حرب المملكة العربية السعودية في اليمن، وهو الصراع الذي أودى بحياة الآلاف من المدنيين، وشرد الملايين ودفع الناس إلى حافة المجاعة.

منذ مقتل خاشقجي، سافر عدد قليل من المشرعين الأمريكيين إلى السعودية للقاء الأمير محمد بن سلمان. لم يكن الأمر هكذا دائمًا، وقد تمّت الإشادة بالأمير الشاب في واشنطن قبل مقتل خاشقجي لقراراته بشأن إنهاء الحظر على قيادة النساء للسيارات والسماح بتنظيم الحفلات الموسيقية وافتتاح صالات السينما وتقليص سلطات الشرطة الدينية.

سمحت هذه التحركات للشباب السعودي بالاختلاط علنا دون قواعد صارمة للفصل بين الجنسين. لقد أعطوا النساء السعوديات المزيد من الحرية في طريقة ارتدائهن للباس المحافظ في الأماكن العامة، كما تم تشجيع النساء على ممارسة الرياضة والعمل بأعداد أكبر.

في العام الماضي، سمحت المملكة العربية السعودية للنساء بالسفر إلى الخارج والحصول على جواز سفر دون إذن من الولي. وفي السنوات التي مضت، كان على النساء من جميع الأعمار الاعتماد على الأزواج أو الآباء أو الإخوة أو بعض الأحيان الأبناء للسفر.

ومع ذلك، تزامن التقدم في مجال حقوق المرأة مع اعتقال أكثر من اثنتي عشرة ناشطة سعودية في مجال حقوق الإنسان في منتصف العام 2018. ولا يزال العديد منهن في السجون حيث يواجهن أحكاما تتعلق بجرائم الأمن القومي. وقد أكدت بعض المعتقلات تعرضهن إلى لتعذيب والاعتداء الجنسي أثناء استجوابهن من قبل رجال ملثمين، وقد حاولت معتقلة واحدة على الأقل الانتحار.

وقبل يومين قال موقع “بَز فيد نيوز” إن المشرعين الديمقراطيين يصعدون الجهود الرامية لإجبار إدارة دونالد ترامب على كشف اسم من أمر بقتل الصحفي خاشقجي.

ونقل الموقع عن رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأميركي آدم شيف قوله إن محاسبة المسؤول عن قتل خاشقجي لن تتم قبل كشف إدارة ترامب عما تعرفه الحكومة الأميركية عن أسماء من أمر ونفذ الجريمة وتستر عليها.

ويقول الديمقراطيون إنه بسبب تلكؤ الإدارة سيقوم أعضاء في مجلس النواب بصياغة تشريعات وقواعد ميزانية جديدة تعرقل إفراج الكونغرس عن صفقات سلاح مع الرياض لحين كشف أسماء المتورطين.

ونقل الموقع توقعات مسؤولين بنجاح الضغوط التي ستمارس على إدارة ترامب، كما حصل قبل أعوام عندما أجبر مشرعون إدارة أوباما على نزع السرية عن تقرير كشف علاقة الحكومة السعودية بمنفذي هجمات سبتمبر.

ويرى آدم شيف أن رفع السرية عن المُلحق وإدخال بعض التعديلات عليه من شأنهما أن يساعدا مكتب مدير الاستخبارات في الوفاء بالتزاماته من دون الإضرار بالأمن القومي للبلاد.

وأضاف رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأميركي “لا يمكن أن يُحاسَب المسؤولون عن القتل الوحشي لجمال خاشقجي حتى تعلن الإدارة الأميركية ما تعرفه عن هوية الأشخاص في الحكومة السعودية الذين أصدروا الأمر بالقتل، ومن نفذه، ومن حاول التستر على الجريمة”.
اعلان

وتابع “وبما أن مكتب مدير الاستخبارات القومية فشل في الامتثال للقانون، فإن الكونغرس سيحتاج إلى اتخاذ المزيد من الخطوات التشريعية والمتعلقة بالميزانية لضمان رفع السرية عن تقرير قدمه مجتمع الاستخبارات إلى الكونغرس في وقت سابق هذا العام”.

يذكر أنه في ديسمبر/كانون الأول 2018 -بعد شهرين من وفاة خاشقجي- تلقى أعضاء مجلس الشيوخ إحاطة خاصة من وكالة المخابرات المركزية حول مقتله، وألقى العديد من الأعضاء اللوم على ولي العهد محمد بن سلمان.

ثم صوّت المجلس بالإجماع لإدانة دوره في المخطط، كما صوّت أعضاء مجلس الشيوخ -بمن فيهم سبعة جمهوريين- على إنهاء الدعم الأميركي للحرب التي تقودها السعودية في اليمن.