أعادت خطة الضم الإسرائيلية لأجزاء واسعة من الضفة الغربية المحتلة، والتي تعتزم إسرائيل تطبيقها مطلع يوليو القادم إلى الأذهان الدور العربي بالضغط على الأخيرة وقطع العلاقات معها في سبيل تراجعها عن خطتها الاستيطانية التي تقتل خيار “حل الدولتين”.
ولكن إذا قامت إسرائيل بضم المستوطنات في الضفة الغربية فإن الأمل بالسلام مع الفلسطينيين سيموت، وكل مدخل لعلاقات استراتيجية إقليمية سيغلق، والتقدم الذي تم تحقيقه في علاقات إسرائيل مع دول عربية معينة سيصبح وكأنه لم يكن.
وتعود العلاقات الدافئة بين إسرائيل وعدد من الدول العربية إلى عام 2002. وفي حينه، طرح ولي العهد السعودي آنذاك الأمير عبد الله، مبادرة السلام السعودية. وبعد ذلك، تبنت الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي صيغة المبادرة السعودية، ومنذ ذلك الحين باتت هذه المبادرة تُعرف بمبادرة السلام العربية.
المنظمتان أعلنتا عن استعداد لتطبيع كامل للعلاقات مع إسرائيل بعد أن يتم حل المسألة الفلسطينية من خلال المفاوضات التي ستقود إلى اتفاق بروح دولتين لشعبين.
ومنذ ذلك الحين، مر عقدان تقريباً، وحدث في المنطقة عدد غير قليل من التطورات، على رأسها انقلابات صادمة في عدد من الدول العربية. فوجدت إسرائيل والأخيرة نفسهما في الجانب نفسه من المتراس والمصالح المشتركة.
وكشفت صحيفة هآرتس العبرية النقاب عن أول من عبر علناً عن التطبيع العربي مع إسرائيل، وهو الأمير تركي الفيصل، رئيس المخابرات السعودية السابق.
وذكرت هآرتس أن الأمير تركي دعا في 7 تموز 2014 الإسرائيليين “إلى تخيل كيف ستبدو هذه البلاد التي خبرت المعارك في أعقاب اتفاق بين الشعبين .. تخيلوا أنني أستطيع الصعود إلى الطائرة في الرياض والسفر مباشرة إلى القدس. وأي متعة ستكون في أن أدعو الفلسطينيين، بل والإسرائيليين أيضاً الذين سألتقيهم، للقدوم لزيارتي في الرياض”.
وأشارت إلى أن شخصيات عربية أخرى قدمت بادرات حسن نية للسلام خاصة بها، ودعت رياضيين وخبراء أو دبلوماسيين إسرائيليين للمشاركة في أحداث دولية في دول الخليج. ودول أخرى دعت شخصيات إسرائيلية، منهم وزراء ورؤساء حكومة، لإجراء لقاءات ثنائية.
وقالت إن تصريحات وزير الخارجية في البحرين ومبعوث اتحاد الإمارات في الأمم المتحدة ودبلوماسيون آخرون، وما ينشر أيضاً في وسائل الإعلام المحلية لهذه الدول، تعكس أكثر فأكثر الانفتاح على فصل جديد في العلاقات مع إسرائيل.
وأشارت الصحيفة العبرية إلى اتخاذ عدة خطوات تطبيعية أولية صغيرة، مثل تقصير مسار رحلات الطيران الإسرائيلية إلى الشرق الأقصى من خلال الموافقة على المرور بالمجال الجوي للدول التي لا تقيم بعدُ علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.
وأضافت أن جميع هذه الخطوات كانت تدور حول فكرة السلام والتعاون والازدهار والأمن والاستقرار. وجميعها ارتكزت على فرضية واحدة وهي أن يفهم الإسرائيليون بأن الرسالة الكامنة في مبادرة السلام العربية ليست كلاماً فارغاً من المضمون، بل هي تدعو منتخبي الجمهور لديهم للرد على بادرات حسن النية هذه بالخطوة الوحيدة التي يمكن أن تؤدي إلى تطبيق المبادرة: تعهد واضح من حكومة إسرائيل بإجراء مفاوضات ستؤدي إلى حل الدولتين ودلائل ثابتة على السعي المصمم لتحقيق هذا الهدف.
مرت أربعة عقود تقريباً منذ العام 1981 عندما اقترح ولي العهد السعودي فهد في حينه خطة السلام الأولى. وسرعان ما عادت منظمات عربية وزعماء عرب وكرروا الالتزام بمبادرة السلام العربية. وإسرائيل لم ترد بعد. فأين اختفت الأغلبية الصامتة في إسرائيل؟
ومن أجل بث الحياة لهذه المبادرات العربية، بحسب هآرتس، عادت منظمات عربية وزعماء عرب وكرروا الالتزام بمبادرة السلام العربية. وإسرائيل لم ترد بعد. فأين اختفت الأغلبية الصامتة في إسرائيل؟ معسكر عربي له قوة وتأثير يمد يده إلى إسرائيل.
واستدركت هآرتس: إن التراجع في اللحظة الأخيرة عن خطة الضم سيعطي إشارات بأنه إذا تحدث العرب عن السلام فسيكون الإسرائيليون مستعدين للإصغاء!.
وختمت الصحيفة العبرية: إذا كان مشروع قرار ضم الضفة الغربية سيجاز في الكنيست، فإن جميع المبادرات والفرص ستتحول إلى ملاحظة هامشية في التاريخ. ضم أحادي الجانب سيبث للمنطقة رسالة واضحة: إسرائيل قررت إغلاق الباب أمام مفاوضات ستقود إلى حل الدولتين، ومعه الأمل في تطبيع العلاقات مع العالم العربي والعالم الإسلامي.
وقبل أيام، روج وزير العدل السابق في نظام آل سعود ورئيس رابطة العالم الإسلامي الموالية للنظام محمد العيسى للحوار مع اليهود وتعزيز التطبيع مع إسرائيل.
وقال العيسى خلال مؤتمر نظمته منظمة اللجنة اليهودية الأمريكية (AJC)، حول قضايا اليهودية ومكافحة اللاسامية: إننا (آل سعود) ملزمون حاليا بإعادة جسور الحوار والبناء مع المجتمع اليهودي.
وتخلل المؤتمر المذكور تقديم اللجنة جائزة للعيسى بزعم تقدير دوره في مكافحته اللاسامية.
وادعى العيسى أنه “بينما عاش اليهود والعرب جنبا إلى جنب على مدى قرون، من المحزن أننا ابتعدنا في العقود الأخيرة عن بعضنا البعض .. هناك من يحاولون تزييف التاريخ، من يدعي أن المحرقة وهي الجريمة الأكثر فظاعة في تاريخنا البشر، انها نسج الخيال”.
وتابع: “إننا نقف ضد هؤلاء الكاذبين، وقفت دائما إلى جانب اخوتي اليهود وقلت أن: هذا لن يحدث مرة أخرى مطلقا بإذن الله تعالى لا لليهود ولا للمسلمين ولا للمسيحيين”.
وتحدث العيسي بمشاركة شخصيات يهودية عن أبرز القضايا التي تواجه الشعب اليهودي وسعى إسرائيل في نشر السلام والأمن الدولي، وقضية معاداة السامية وأشكال الكراهية الأخرى.
واللافت في الأمر أن عدة وسائل إعلام يهودية تناقلت أقوال العيسى من باب الاحتفاء بالتغيير الكبير الحاصل في موقف المملكة.
وكان العيسي، زار في أبريل/ نيسان 2018م متحف تخليد ذكرى المحرقة اليهودية، برفقة قادة مسلمين من أكثر من 24 بلدا. وقال الرئيس التنفيذي للجنة اليهودية الأمريكية، ديفيد هاريس، إن الرحلة تمثل “أرفع وفد على الإطلاق لزعماء دينيين مسلمين يقومون بزيارة أوشفيتس”.
وتحاول سلطات آل سعود تعزيز التطبيع العربي والإسلامي مع اليهود وإسرائيل خاصة التي تحتل أرض فلسطين وتسيطر على المسجد الأقصى المبارك (أولى القبلتين وثالث الحرميين الشريفيين).
فمنذ تولي محمد بن سلمان ولاية العهد في المملكة، أصبح التطبيع مع إسرائيل يستند إلى خطط سياسية وإعلامية مدروسة، وقطعت آل سعود شوطاً كبيراً في تهيئة الأجواء العربية للتعايش مع مرحلة جديدة عنوانها الأبرز التطبيع الكامل مع إسرائيل.
وتحت ذريعة مواجهة إيران في المنطقة، عزز ولى العهد تقارب بلاده مع إسرائيل، وهو ما أظهرته الدلائل الواضحة خلال العامين الماضيين، التي تشير إلى التقارب السعودي الإسرائيلي، وأصبحت جلية للعلن.
ولعل بداية مؤشرات التطبيع انطلقت في يونيو 2017، عندما أُطلق وسم “سعوديون مع التطبيع”، بعد أيام من زيارة قام بها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، للرياض في 21 مايو من نفس العام.
وقبل وصول ترامب إلى الرياض جرى الحديث عن بعد في الزيارة يتعلق بمفاوضات السلام بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، لا سيما أن محطته الثانية كانت فلسطين المحتلة، من أجل لقاء رئيس السلطة محمود عباس ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وذهبت بعض الأصوات السعودية للمناداة بضرورة أن تبادر البلدان العربية بخطوات تطبيعية تجاه إسرائيل من أجل كسب ود الإدارة الأمريكية.
ونشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، قبل الزيارة بعدة أيام، تقريراً أشار إلى أن السعودية أوصلت لإدارة ترامب استعدادها لإقامة علاقات دبلوماسية طبيعية مع إسرائيل من دون شروط، وأنها بذلك تسحب من التداول المبادرة التي تقدمت بها للقمّة العربية عام 2002، التي تقوم على إقامة دولة فلسطينية على أراضي 1967، وعودة اللاجئين، والانسحاب من الجولان، مقابل الاعتراف بإسرائيل والتطبيع معها.
ولعل آخر مؤشرات التطبيع تمت إعلاميا في 26 يناير 2020، مع إعلان إسرائيل السماح لمواطنيها بزيارة السعودية، لأول مرة في التاريخ.
ولم تنفِ المملكة أو تصدر تصريحات على تلك التقارير، وعلى الرغم من أنه رسمياً لا توجد علاقات دبلوماسية بين السعودية وإسرائيل فإن السنوات الأخيرة شهدت تقارباً كبيراً بينهما، وزادت العلاقات بشكل أكبر.
وفي 25 يناير 2020، عرضت القناة الـ”12 الإسرائيلية” تقريراً من إعداد المراسل هنريكه تسيمرمن حول “التحديث والانفتاح” الذي يجري في المملكة برعاية ولي العهد محمد بن سلمان.
وذكرت القناة أن تسيمرمن هو من “الإسرائيليين المعدودين الذين استطاعوا زيارة السعودية”، وذلك للاطلاع على “المملكة المغلقة التي ربما نستطيع زيارتها لاحقاً”، وفق تعبيرهم.
وأشارت القناة إلى أن المراسل تمكن من مقابلة الجنرال السعودي محمد الشريف، الذي أكد أن “السائحين مدعوون لزيارة السعودية، فنحن نريدهم أن يأتوا ليروا دولتنا ويتعرفوا عليها قدر الإمكان”.
وفي 5 ديسمبر الماضي 2019، نشرت صفحة إسرائيل بالعربية التابعة لوزارة الخارجية الإسرائيلية، على “تويتر”، صوراً تظهر زيارة يهودي إلى المملكة العربية السعودية، مؤكدة أن ذلك يأتي “نتيجة كسر حواجز الشك المبنية على مدى عقود”.
وتناقلت وسائل إعلام إسرائيلية، من بينها هيئة الإذاعة الرسمية، مقاطع الفيديو، لافتة إلى أن الزيارة قام بها يهوديان لم تسمهما، في حين تظهر الصور التي نشرتها إسرائيل بالعربية قيامهما بجولة التقطا فيها صورة قرب برج المملكة، أحد أهم معالم العاصمة السعودية الرياض.
وكان موقع “أفريكا إنتلغنس”، المختص بنشر الأخبار الخاصة، أفاد بأن “بن سلمان” طلب من رئيس موريتانيا محمد ولد الغزواني التواصل مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وذكر الموقع أن ولى العهد السعودي خلال لقائه بالرئيس المورتاني، في الرياض، شباط/ فبراير 2020، حاول إقناعه بضرورة تفعيل العلاقات مع “تل أبيب”.
وتفاجأ الضيف الموريتاني – حسب الموقع – بالعرض السعودي، لكنه رد ببديهة سريعة قائلا: “إن الأمر يتطلب سياسة عربية موحدة تجاه إسرائيل.