تواصل سلطات آل سعود حملات الاعتقال التي بدأتها منذ صعود ولي العهد، محمد بن سلمان، إلى سدة الحكم في عام 2017، ومنذ ذلك الحين اعتقلت السلطات آلاف النشطاء والمثقفين ورجال الدين والصحفيين ورجال الأعمال، على مدى عامين ماضيين، في إطار القضاء على أي معارضة محتملة لمحمد بن سلمان.
وكشفت وسائل إعلام عبرية عن معلومات جديدة متعلقة بالحملة التي تشنها سلطات آل سعود منذ أسابيع على الفلسطينيين المقيمين في المملكة وتحديداً قادة ومناصري حركة حماس.
وأعلنت قناة “كان” العبرية، التي كشفت عن هذه التفاصيل، قالت بشكل صريح إن “اعتقال المملكة لعشرات الكوادر من حماس خلال الفترة الماضية، تم بناءً على معلومات عن المعتقلين وصلت للرياض من قبل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية”.
هذه التفاصيل التي تُكشف لأول مرة رغم أن حملة نظام آل سعود ضد “حماس” قد بدأت منذ أكثر من عامين، وتم تأكيدها من قبل “حماس” بأنها “تخدم إسرائيل”، فتحت معها باب كبير من الجدل والتساؤل حول مدى التغول الإسرائيلي داخل أروقه القصر السعودي وتحكمه في قرارات أمرائه، وكذلك حجم التنسيق الأمني الذي يبدو انه تجاوز “التطبيع” بمراحل.
وبعد صمت دام خمسة أشهر أعلنت “حماس” الاثنين الماضي (9 سبتمبر 2019)، اعتقال جهاز أمن الدولة السعودي “محمد الخضري” أحد قادتها المقيم في مدينة جدّة منذ نحو ثلاثة عقود، واصفةً العملية بأنها “غريبة ومستهجنة”، مشيرة إلى أن الخضري كان مسؤولاً عن إدارة العلاقة مع المملكة على مدى عقدين من الزمان، قبل توتر العلاقة ووصولها إلى هذه الحالة.
القيادي في حركة “حماس”، والنائب في المجلس التشريعي الفلسطيني، مروان أبو راس، وصف الحديث عن تبادل المعلومات الأمنية بين “إسرائيل” والرياض حول اعتقال أنصار “حماس” داخل المملكة بأنه “دخول في مرحلة بغاية الخطورة”.
وقال أبو راس، أن ذلك يعد مؤشر خطير ويدلل بشكل صريح على وجود تعاون أمني متقدم بين المملكة ودولة الاحتلال الإسرائيلي، سيكون أكثر المتضررين منه الفلسطينيون في الداخل والخارج في حال تم تأكيده من قبل الرياض”.
ورفض القيادي في حركة “حماس” أن تكون خطوة تقرب الرياض من “إسرائيل” وفتح أبواب التطبيع معها من خلال اعتقال قادة وأنصار “حماس” داخل المملكة، مؤكداً أن ما يجري هناك من ملاحقات واعتقالات “غير مبرر وتجاوز للقيم الإنسانية وخارجة عن السياق الوطني والعربي”.
وأضاف “المعتقلين لا يشكلون أي خطر على النظام الحاكم في المملكة، وحتى هذه اللحظة لم توجه لهم أي الأحكام وحتى لم يعرضوا على القضاء السعودي، لذلك فان ما يجري تعسف غير مقبول”.
وكان الوزير الفلسطيني السابق والقيادي في “حماس”، وصفي قبها، قد كشف لأول مرة, عن اعتقال الرياض أكثر من 56 فلسطينياً ينتمون للحركة.
وقال إن “سلطات آل سعود تعتقل منذ أكثر من 6 أشهر 56 عنصراً من أبناء حماس كانوا مقيمين داخل المملكة، وحتى هذه اللحظة فشلت كل الاتصالات والوساطات في تجاوز هذا الملف والإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين”.
وأوضح القيادي في “حماس” أن العلاقات السعودية مع حركته بدأت تأخذ منحنيات توتر غير مسبوقة، منذ عامين تقريباً، وشهدت خلال تلك الفترات العديد من الملاحقات والاعتقالات، وتضييق الخناق على عناصر الحركة الموجودين داخل المملكة.
وكذلك وثق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، الأسبوع الماضي في بيان له، احتجاز سلطات آل سعود 60 فلسطينياً، بينهم حجاج وطلبة ومقيمون وأكاديميون ورجال أعمال، مطالباً في الوقت ذاته بالكشف الفوري عنهم، وإطلاق سراحهم على ما لم يوجَّه اتهام لهم بارتكاب مخالفة فيه.
ومن جهتها أكد البروفيسور والمحلل السياسي عبد الستار قاسم، أن النظام الملكي السعودي بات مُخترق من قبل دولة الاحتلال الإسرائيلي، وكل التحركات والخطوات التي يقوم بها تجاه أي شي يتعلق بفلسطين وقضيتها يتم أخذه من قبل “إسرائيل”، وما يُنشر بخصوص تبادل المعلومات بين “تل أبيب” والرياض صحيح ويتم منذ شهور طويلة.
وقال المملكة باتت من أكثر الدول العربية والإسلامية دفاعاً عن دولة الاحتلال، لذلك هي تنفذ كل المخططات التي تساعد في بقاء إسرائيل من خلال الاعتقالات لأنصار حركة حماس وتضييق الخناق على المقاومة في قطاع غزة.
وأوضح أن “إسرائيل” تغذي الرياض بالمعلومات الأمنية الحساسة، وهذه المعلومات تجاوزت قضية التطبيع بمراحل بعيدة، وبات القصر السعودي مخترق أمنياً وسياسياً من قبل دولة الاحتلال وحتى الإدارة الأمريكية اللذان يوجهانه بسهولة في كل مكان يريدونه.
المحلل السياسي لفت إلى أن المملكة هي من أول الدول التي تنفذ المخطط الأخطر للقضاء على أي دولة أو منظمة تشكل تهديداً لإسرائيل، وهذا كان واضح فيما جرى بالعراق واليمن وحزب الله وحتى “حماس” التي ذاقت منها الكثير من ملاحقات واعتقالات وتضييق الخناق على مقاومتها من قبل نظام آل سعود.
وذكر قاسم أن المعلومات الأمنية والحساسة لا تُنقل فقط من “إسرائيل” للمملكة، بل الأخيرة تنقل لها معلومات أخرى حساسة لدولة الاحتلال تساعدها في القضاء على أي تحرك قد يشكل خطر عليها، معتبرًا أن نظام آل سعود الحالي تجاوز كل المحرمات والخطوط الحمر في عداء الفلسطينيين والتقرب من “إسرائيل” وأمريكا.
وختم المحلل السياسي حديثه بأن ما تتعرض له الجالية الفلسطينية داخل المملكة من اعتقالات وتحقيقات وتهديد وتعذيب، ماهو إلا مخطط تسير عليه الرياض بتوجيه من “إسرائيل” والإدارة الأمريكية، وثمن للتطبيع والبقاء.
يشار إلى أن الفلسطينيين المقيمين داخل أراضي المملكة يتعرضون منذ مدة لحملات اعتقال وتهديد وملاحقة هي الأكبر والأخطر التي تنفذها قوات أمن آل سعود بصورة سرية، ودون أي تدخلات أو تحركات تذكر من قبل السفارة الفلسطينية في الرياض.