يتعرض سكان منطقة “نيوم” في المملكة لعملية تهجير ممنهجة وقسرية، ستغير من ديموغرافية تلك المنطقة ومعالمها بشكل كامل، وذلك من أجل المشروع الذي يمثل حلم ولي العهد الأمير الطائش محمد بن سلمان.
هذا ما كشفته حادثة مقتل الشاب السعودي عبدالرحيم الحويطي، الذي رفض تسليم منزله من أجل “مشروع نيوم”، الذي بدأه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عام 2017، اجتاحت مواقع التواصل موجة غضب كبيرة.
وارتفع أصوات المستنكرة لما يحدث، وسط تساؤلات عن أسلوب تهجير السكان، وتعامل الحكومة مع الرافضين لتسليم أراضيهم وبيوتهم لبناء المشروع، ولماذا قُتل الرجل دون جميع السكان؟
وتكشف تقارير إعلامية أن لجان أمنية جابت قرية “الخريبة”، لإجبار سكانها وأهاليها على التوقيع والتنازل عن ممتلكاتهم، لكن عبدالرحيم الحويطي رفض تقييد اسمه ضمن قوائم الترحيل في المنطقة والتنازل بمحض إرادته عن منزله.
وقبل مقتله بيوم، أي يوم 12 أبريل/نيسان، رفض الحويطي التفاعل مع اللجان الأمنية الموجودة ومقابلتهم، معلناً رفضه الخروج من بيته بشكل تعسفي، إذ رأى أن اللجنة لم تكن واضحة في عملية التقدير الفعلي لقيمة المنازل بالمنطقة، ولم تحدد لهم سعر التعويض المادي مقابل ترك منازلهم، بل وغير واضحة في طريقة التعامل مع المالكين في مرحلة ما قبل التهجير.
الأمر الذي دفع الضابط عبدالله الربيعه وفريق أمني من المعاونين له للذهاب لمنزل عبدالرحيم، لإجباره على الموافقة على عملية الحصر، والإقرار بالتنازل عن المنزل، إلا أنه أصرّ على الرفض.
وحسب المصدر -الذي يسكن بالقرب من منزل عبدالرحيم ورفض ذكر اسمه خشية الملاحقة الأمنية- فإن قوات أمنية توجهت في اليوم التالي، في تمام الساعة 6 صباحاً، لمنزله، وداهموه بالقوة، مع تعزيزات أمنية بمدرعات الهامفي المضادة للرصاص.
لم يُصب الحويطي بأي طلقات نارية في جسده، بل توفي نتيجة هدم جدار البيت عليه، بعدما استعانت القوة بمدرعة “هامفي”، وقاموا بمحاصرة منزله من كافة الجهات، وتمّ هدم جدران البيت عليه وهو بداخله، وذلك بعد إطلاق وابل من الأعيرة النارية المكثفة من عيار 50 على اتجاهين، الأمر الذي أدى إلى سقوط الجدار.
ولم يكن عبدالرحيم يحمل سلاحاً، على عكس ما أعلنت رئاسة أمن الدولة، ولم يبادر بإطلاق النار تجاه رجال الأمن، ولم يكن متحصناً في أعلى المبنى خلف سواتر رملية.
وعن كونه يحتفظ في منزله بسلاح كلاشنيكوف، فإنه شيء طبيعي وغير جديد على هذا المجتمع القبلي والعشائري، إذ لا يخلو أي بيت في المنطقة من الأسلحة المختلفة، وهو أمر متعارف عليه، حسب المصدر.
بدأت قصة التهجير في يناير/كانون الثاني 2020، حين علم أبناء قبيلة الحويطات في شمال غربي السعودية (وللقبيلة أفرع في مصر والأردن وفلسطين)، أنهم على مرمى حجر من تهجيرهم من نيوم.
لأن الحكومة قرّرت بناء مدينة “نيوم” السياحية، فهذا يتطلب الإجلاء مقابل التعويضات، حينها رفض السكان وذهبوا للشيخ عليان الزمهري الحويطي، وهو أحد شيوخ قبيلة الحويطات، حاملين رسالة من مواطنين يتبعون للقبيلة، يعيشون في منطقة الخريبة، رفضوا فيها إخلاء مساكنهم ومنازلهم، وطالبوه برفعها لولي العهد السعودي، لكن الأمر لم يلق تجاوباً منه.
أصرّ السكان على رفض الإجلاء، لكنهم فوجئوا بأمن الدولة التابع لنظام آل سعود وقوات الطوارئ الخاصة يداهمون منازل الرافضين، ويعتقلون بعضاً منهم، واقتادوههم إلى جهة غير معلومة.
يسعى نظام آل سعود إلى نقل أكثر من 30 ألف شخص من قبيلة الحويطة لبناء مشروع نيوم الجديد، وهو ما يخشاه سكان المنطقة، مُعتبرين التهجير بمثابة “تقطيع لأوصال مجتمع كامل”، على حد تعبير أحد أفراد القبيلة.
ويصف السكان المشروع بـ”لعنة نيوم”، بعدما بدأت الجهات والسلطات الرسمية السعودية بإبلاغ المواطنين رسمياً بوجوب إخلاء أرضهم، مع التعويض المادي لهم، والغالبية لا يريدون الخروج من أراضي أجدادهم التي لا يعرفون وطناً سواها، ومع ذلك أعطاهم مهلة أسبوعين فقط، في ظل تعنت حكومي رسمي بضرورة إخلاء المكان.
حالة الخوف التي تسيطر على السكان ربما تكون مبررة، إذ إن استخدام القوة في التعامل مع الرافضين، والتي أفضت إلى القتل، تمت من قبل، حتى قبل بداية الإخلاء الرسمي للمنطقة، والذي يستهدف إجلاء 30 ألف شخص، فعملية التحضير للإخلاء وفق مصادر بدأت منذ ثلاثة أشهر، وتأتي تمهيداً لعميلة التهجير، التي وضعها القائمون على المشروع على مرحلتين، تتمثل المرحلة الأولى في مناطق: (قيال، العصيلة، شرما، الخريبة) جنوباً، والثانية (البدع، مقنا، المويلح) شمالاً.
وقد اتخذت سلطات آل سعود قراراً يقضي بعدم إيصال وإمداد الخدمات العامة (الكهرباء، الماء، خطوط الهاتف، رخص محلات تجارية)، في الأماكن المستهدفة بالإخلاء، لإتمام المشروع الذي بدأ منذ أكتوبر/تشرين الأول في العام 2017.
وقبل حوالي 3 أشهر، اجتمع عدد من مشايخ قبيلة الحويطات، ومنهم وجهاء من فرع أبوطقيقة، مع أمير تبوك “فهد بن سلطان بن عبدالعزيز” في قصره الخاص، وكان بينهم عبدالرحيم الحويطي، الذي أبدى اعتراضاً على عملية التهجير، وكان كلامه واضحاً أمام أمير تبوك، وقال لأمير تبوك “تهجيرنا والموت شيء واحد”.
كما أبدى الحضور اعتراضاً صريحاً أمام الأمير، الذي أبدى تفهمه للأمر، لكن من الواضح أنّ الأمر كان فوق قدرته.
ولا تزال اللجان الأمنية متسمرة في حصر الأملاك في تلك المناطق من مساحة المنازل وعدد الغرف والمرافق بها وعدد الساكنين فيها، وغدا السؤال الأبرز لدى سكان المنطقة “إلى أين سنذهب بعد عملية التهجير، وهل هناك أماكن مجهزة ومخططة لنا”.
فتجيب اللجان الأمنية “لا نعلم”، ويكتفون بالتأكيد أنّ جميع السكان القاطنين في منطقة نيوم بلا استثناء سيخرجون منها، دون أن يعرف أحدهم قيمة التعويض الذي سيُدفع له، أو حتى مكان سكنه الجديد، ومن المتوقع أن يتم الإخلاء الكامل خلال شهر.
وتعتبر منطقة شرما والخريبة على وجه الخصوص مناطق استراتيجية ومهمة للمشروع، لأنّ أراضيها تطل بشكل مباشر على قصور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مشروع نيوم، فهي المنطقة الأقرب للقصور الخاصة، وتطل على الساحل مباشرة، وتعود ملكيتها بالكامل للقبائل الساكنة بها قبل مرحلة حكم (آل سعود).
ويتضح من خرائط جوجل وجود مشاريع سياحية بالفعل بين المنطقتين، مثل فندق رويال توليب شارما السياحي على البحر الأحمر.
وَيمتد مشروع “نيوم” على مساحة 26.5 ألف كم مربع، شمال غربي المملكة، في إمارة تبوك، والذي يشمل أراضي من مصر بشرم الشيخ والغردقة، وخليج العقبة في الأردن.
وتشكل المنطقة معقلاً أساسياً لكثير من القبائل السعودية، وعلى رأسها قبائل الحويطات بطول 100 كم على امتداد ساحل البحر الأحمر.
ويعد هذا المشروع منطقة استثمار خاصة مستثناة من أنظمة وقوانين الدولة الاعتيادية، كالضرائب والجمارك وقوانين العمل والقيود القانونية الأخرى على الأعمال التجارية، ما عدا الأنظمة السيادية، ما سيُتيح للمنطقة القدرة على تصنيع منتجات وتوفير خدمات بأسعار منافسة عالمياً.