انكماش قياسي للاقتصاد السعودي وسط أسوأ تراجع

تعرض الاقتصاد السعودي لانكماش قياسي بنسبة واحد في المائة في الربع الأول من العام، لكن الأرقام لم تتضمن غير تأثير هامشي لانهيار أسعار النفط وأزمة فيروس كورونا التي تفاقمت في مارس/آذار.

وقالت الهيئة العامة للإحصاء في المملكة “يرجع ذلك بنسبة كبيرة إلى انخفاض النمو في القطاع النفطي بمقدار 4.6 في المائة بالرغم من تحقيق القطاع غير النفطي ارتفاعا قدره 1.6 في المائة” مستشهدة بتقديرات أولية.

وتواجه المملكة أسوأ تراجع اقتصادي له هذا العام في ظل جائحة فيروس كورونا التي أضعفت الطلب العالمي على الخام وإجراءات احتواء الفيروس التي أضرت بالاقتصاد غير النفطي للمملكة.

وقال جيمس سوانستون الاقتصادي في كابيتال إيكونوميكس المتخصص في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا “أزمة فيروس كورونا تعني أن هذه أنباء قديمة إلى حد ما، ومن المؤكد بدرجة كبيرة أن تكون بيانات الربع الثاني مروعة”.

وفي الربع الأول، هوت صادرات السعودية نحو 11 مليار دولار على أساس سنوي. وتفيد بيانات رسمية صدرت الشهر الحالي بأنها انخفضت حوالي 12 مليار دولار في إبريل/نيسان وحده.

ومن المرجح أن تؤثر تخفيضات إنتاج النفط الكبيرة في مايو/أيار ويونيو/حزيران بهدف رفع الأسعار على الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني، وأظهرت الأرقام الصادرة عن البنك المركزي هذا الأسبوع أن معاناة الاقتصاد غير النفطي ستستمر في مايو.

وبحسب بيانات مؤسسة النقد العربي السعودية فإن أرباح القطاع المصرفي سجلت تراجعا سنويا بنحو 40 في المائة في مايو/ أيار وانخفضت معاملات نقاط البيع نحو 16 في المائة.

وقالت أرقام كابيتال في دبي “استمرت إجراءات الإغلاق وضعف الثقة في النيل من الإنفاق” متوقعة أن يكون الإنفاق الاستهلاكي انخفض بنسبة 32 في المائة على أساس سنوي الشهر الماضي بعد تراجع بنسبة 35 في المائة في إبريل.

وقررت الحكومة زيادة ضريبة القيمة المضافة على أمل زيادة الإيرادات غير النفطية لكن الاقتصاديين يقولون إن من المرجح أن تضعف الخطوة الإنفاق الاستهلاكي وتكبح التعافي الاقتصادي مع إلغاء إجراءات احتواء فيروس كورونا. وقدر صندوق النقد الدولي أن اقتصاد السعودية سينكمش نحو 6.8 في المائة هذا العام.

ويعمد ولي العهد محمد بن سلمان إلى إغراق المملكة بدوامة من القروض بعد أن بدد ثرواتها في خططه وسياساته الاقتصادية الفاشلة في وقت تحولت وعوده بالنهوض الاقتصادي إلى سراب.

وأعلنت وزارة المالية السعودية، أن المملكة جمعت 8.495 مليارات ريال (2.27 مليار دولار) تحت برنامج صكوك حكومة المملكة بالريال السعودي، في يونيو/ حزيران.

وذكر بيان للوزارة أنّ “الإصدارات قسمت إلى ثلاث شرائح؛ الأولى تبلغ 2.494 مليار ريال ليصبح الحجم النهائي للشريحة 5.017 مليارات ريال سعودي لصكوك تُستحق في 2027”.

وقال البيان إنّ “الشريحة الثانية بلغت 3.670 مليارات ريال ليصبح الحجم النهائي للشريحة 13.966 مليار ريال لصكوك تُستحق في عام 2030″، مضيفاً أن “الشريحة الثالثة بلغت 2.331 مليار ريال ليصبح الحجم النهائي للشريحة 10.569 مليارات ريال سعودي لصكوك تُستحق في 2035”.

كانت الوزارة قد كشفت، في مارس/آذار الماضي، أنّ المملكة باعت صكوكاً (سندات دين إسلامية) محلية بقيمة 15.568 مليار ريال (4.15 مليارات دولار).

وتتعرض المملكة لضغوط مالية كبيرة بفعل تداعيات جائحة كورونا، وتهاوي عائدات النفط، فضلاً عن كلفة الحرب الباهظة في اليمن، ما دفع الحكومة إلى السحب من الاحتياطي النقدي، وتقليص استثماراتها في أدوات الدين الأميركية، وتبني إجراءات تقشفية “مؤلمة”، بحلول يونيو/ حزيران الجاري

وتضمنت الإجراءات التقشفية وقف بدل الغلاء وزيادة ضريبة القيمة المضافة إلى ثلاثة أمثالها من 5% إلى 15%، وتقليص الإنفاق على المشروعات.

وكانت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، قد قالت، في مقال تحليلي نشرته في 14 مايو/ أيار الماضي، إنّ تفشي كورونا وتراجع أسعار النفط تسببا معاً في إرهاق السعودية ووضعها أمام أسوأ أزمة مالية منذ عقود.

كذلك “ألغت الحكومة أو أجلت”، وفق المنشور، بعض بنود النفقات التشغيلية والرأسمالية لعدد من الجهات الحكومية، وخفضت اعتمادات عدد من المبادرات والبرامج والمشاريع الكبرى للعام المالي 2020.

ومع الارتدادات العنيفة، اندفعت المملكة إلى إجراءات وصفها وزير المالية محمد الجدعان، الشهر الماضي، بـ”المؤلمة”، لكنه أكد أن لا مفرّ منها.

ومؤخرا توقّع صندوق النقد الدولي أن ينكمش إجمالي الناتج المحلي للسعودية بنسبة 6.8% هذا العام، في أسوأ أداء له منذ ثمانينيات القرن الماضي.

وأعادت الذكرى الثالثة لتولى محمد بن سلمان، زمام الحكم في المملكة، بعد انقلاب ناعم في يونيو/ حزيران 2017 على ابن عمه الأمير محمد بن نايف الذي جرده من مناصبه كافة، وعود النهوض الاقتصادي لمواطني المملكة.

ومنذ تعيينه وليا لولي العهد، أطلق الأخير سلسلة خطط ووعود اقتصادية “خيالية”، لكنها لم تطبق حتى الآن وتحديدا بعد ثلاث سنوات من الحكم بل ذهبت بالمملكة إلى الهاوية عدا عن حرب اليمن وأزمة قطر وإيران ومقتل الصحفي جمال خاشقجي وغيرهما من القضايا وسجل الجرائم.

ووعد بن سلمان عام 2016، بمستقبل واعد للنهوض بالمملكة، وقال إن أزمات البلاد تكمن في الاسكان والبطالة، لكن “الفرص أمامنا أكبر بكثير من هذه القضية، طموحنا سوف يبتلع هذه الأزمات وغيرها”.

وقال بن سلمان، في لقاء متلفز آنذاك: “طموحنا كيف يكون اقتصادنا أكبر! كيف نخلق بيئة جذابة في وطننا! فإذا ارتفع النفط سوف يخلق داعم قوي لخططنا”.

وأكد بن سلمان بتصريحاته” في عام 2020 لو النفط توقف في المملكة نستطيع أن نعيش!”.

وفي عام 2017، عاد ولى العهد بتكرير تصريحاته قائلا: “اقتصادنا سيكون أقوى في تلقى الصدمات، دون اتخاذ إجراءات صعبة!”.

لكن في عام 2020، ضربت أزمة فيروس كورونا وحرب أسعار النفط العام التي أشعلها ولى العهد مع خصومه أودت المملكة إلى الهاوية والاستدانة وفرض إجراءات صعبة على سكان المملكة والوافدين.

ووجد المواطن السعودي نفسه في عام 2020 أمام أكبر موجة غلاء في تاريخ المملكة، في ظل سلسلة إجراءات حكومية فرضها نظام آل سعود لمواجهة تفاقم أزمة الاقتصاد السعودي وتداعيات فيروس كورونا وانخفاض أسعار النفط العام.

وللمرة الأولى، أقرت وزارة المالية في المملكة، مايو/ أيار المنصرم، إجراءات وصفتها بـ “المؤلمة” لإنقاذ الموازنة العامة من العجز الكبير. وشملت هذه الإجراءات زيادة ضريبة القيمة المضافة من 5% إلى 15% بدءا من الأول من يوليو/تموز المقبل، ووقف صرف بدل غلاء المعيشة اعتبارا من يونيو/حزيران الجاري.

وفاجأت الهيئة العامة للجمارك في المملكة، السعوديين، بنشرها قائمة بالسلع المقرر رفع الرسوم الجمركية عليها، اعتبارا من العاشر من الشهر الجاري.

وتضم القائمة نحو 3 آلاف سلعة مختلفة، تراوحت نسبة الرفع الجمركي عليها بين 3 و25 بالمائة.

وبحسب وسائل إعلام سعودية، فإن هذه النسب تضاف إليها القيمة المضافة الجديدة والتي اعتمدت 15 بالمائة.

وأبرز الأصناف التي فرضت عليها رسوم جمركية – حسب تلك الوسائل الإعلامية – بعدما كانت معفاة من الضرائب سابقا، لحوم الضأن والماعز برسوم تصل إلى 7 بالمائة، كما ارتفعت الرسوم على الأسماك من 3 إلى 6 بالمائة.

وارتفعت الرسوم الجمركية على الألبان والأجبان ومشتقاتهما من 5 إلى 10 بالمائة.

وشهدت بعض المواد المستخدمة في الصناعة، مثل الطوب بمختلف أنواعه ارتفاعا بالرسوم من 5 إلى 15 بالمائة، وهو ما انطبق أيضا على مواد زينة السيارات وغيرها.

وكان وزير المالية محمد الجدعان، قال إن الضرائب الجديدة المضافة لثلاثة أضعاف وتعليق بدل غلاء المعيشة لموظفي الدولة، هدفه تحصين وضع المملكة المالي الذي تضرر بشدة من انخفاض أسعار النفط فيما تهاوي الطلب على الخام بسبب فيروس كورونا المستجد.

وأضاف الجدعان أن “الإجراءات التي تم اتخاذها وإن كان فيها ألم إلا أنها ضرورية للمحافظة على الاستقرار المالي والاقتصادي من منظور شامل وعلى المديين المتوسط والطويل، حسب زعمه.

وعقب قرارات الجدعان، نشر نشطاء سعوديون في المملكة مقطع فيديو من مقابلة مع ولي العهد محمد بن سلمان أجريت عام 2016 إبان إطلاق “رؤية 2030” يقول فيها إنه بحلول عام 2020 ستكون المملكة قادرة على العيش بدون نفط.

ولم يقتصر رفع الأسعار على السلع داخل المملكة، بل رفعت شركة النفط السعودية “أرامكو” سعر غاز البترول المسال المتجهة إلى آسيا لشهر حزيران/يونيو ٢٠٢٠.

وتوحى القرارات الجديدة، بانتهاء عهد الرفاهية في الدولة النفطية، سيما أن هناك قرارا يسمح بتخفيض رواتب آلاف الموظفين في القطاع الخاص إلى 40% مع إمكانية إنهاء عقود الموظفين.

ومؤخرا، أعلنت وزارة الاسكان في المملكة، لجمهورها العسكريين والمواطنين، وقف مدفوعات اثنين من برامجها لدعم الرهن العقاري في الوقت الذي تتطلع فيه إلى خفض التكاليف.

وقالت وزارة الإسكان على موقعها الإلكتروني إنه سيتم تعليق برنامج القروض بدون فائدة للعسكريين الذي يغطي 20% من العقار، أو ما يصل إلى 140 ألف ريال سعودي (37 ألف دولار). كما تم إيقاف خطة أخرى تقدم للمواطنين مساعدة تصل إلى 95 ألف ريال أو 10% من الممتلكات.

كما أظهرت معطيات رسمية، خسارة المملكة نحو 50 مليار دولار من احتياطياتها الأجنبية خلال شهري مارس/آذار، وأبريل/نيسان الماضيين (فترة تفشى الفيروس التاجي).

وانزلقت المملكة، وهي أكبر مصدر للنفط في العالم، إلى عجز في الموازنة بقيمة 9 مليارات دولار في الربع الأول من العام 2020 مع انهيار إيرادات النفط، وحرب أسعار النفط العام.

وكشفت أرقام وبيانات جديدة نشرها البنك الدولي مؤخراً عن ارتفاع صاروخي في المديونية السعودية خلال السنوات الأخيرة، وذلك بالتزامن مع إعلان وزير المالية محمد الجدعان أن حكومته ستقترض 220 مليار ريال (58 مليار دولار) خلال العام الحالي، وهو ما يعني أن المديونية العامة للمملكة تتجه لتسجيل أرقام قياسية غير مسبوقة.

ورأت مجلة “كابيتال” الفرنسية أن صدمة التقشف التي تعرض لها الشعب السعودي، “بخرت أحلام العديد من الشباب” في البلاد، متوقعة في الوقت ذاته، أن تؤجج تلك الصدمة الاستياء ضد ولي العهد محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة.

وقالت “كابيتال” إن سكان المملكة وجدوا أنفسهم بين عشية وضحاها أمام إجراءات تقشفية صادمة ستؤدي إلى انخفاض الدخل وتراجع معدلات التوظيف، وتدهور الظروف المعيشية، خاصة بعد مضاعفة ضريبة القيمة المضافة ثلاث مرات، في دولة لم يكن مفهوم الضريبة فيها معروفا منذ وقت ليس ببعيد.

ويتوقع مراقبون أن يؤدي ارتفاع تكاليف المعيشة وانخفاض مستوى الدخل أن يهدد العقد الاجتماعي بين السلطة والشعب، ويعرقل مسيرة التطوير التي يتبناها ولي العهد ويضع المملكة في مفترق طرق صعب بعد ثلاثية أولى من السنة وصل فيها عجز الميزانية إلى تسعة مليارات دولار.

وعلق خبير الاقتصاد الدولي ستيفين هيرتوغ قائلا إن الضريبة على القيمة المضافة ستؤثر على غالبية العائلات في المملكة؛ لأنها تستهلك نسبة أعلى مما تجنى، كذلك إلغاء بدل المعيشية سيؤثر على العائلات الفقيرة.

وأضاف هيرتوغ: لذلك كان الأرجح تصميم الجانب التوزيعي من هذه الإجراءات لحماية العائلات الفقيرة.

وأكد الناشط السعودي سلطان العبدلي أن هناك تخبط اقتصادي داخل المملكة، مستدركا: “كل الدول تمر بأزمات، لكن حينما يكون القرار رهن بيد شخص ليس فقيه بالاقتصاد، ولا في السياسية، فهذا أمر صعب” وذلك فش إشارة لولى العهد.

ورغم ذلك، قالت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية إن صندوق الاستثمارات العامة التابع للمملكة – ويخضع تحت سيادة ولى العهد محمد بن سلمان – أنفق مليارات الدولارات خارج البلاد التي تشهد أزمة اقتصادية طاحنة جراء أزمتي انخفاض أسعار النفط وجائحة كورونا.

وذكرت الصحيفة، في تقريرها، أنه وبالرغم من المعاناة الاقتصادية، وفرض المملكة إجراءات تقشفية على شعبها، أنفق صندوق الاستثمارات العامة منذ بداية عام 2020 فقط 325 مليار دولار على صفقات خارجية.

ويغرد نشطاء سعوديون تحت وسم #ثورة_الشعب_السعودي_قريبآ؛ تعبيرا عن حالة الغضب والاحتقان الذي يسود المجتمع السعودي نتيجة سياسات آل سعود الفاشلة وتصاعد الضرائب الداخلية.

وأظهر مقطع فيديو ملثما يدعو أهالي الحجاز للثورة لإسقاط نظام آل سعود. وقال الملثم: يسقط سلمان، يسقط بن سلمان، يسقط آل سعود.