تكبدت قيمة شركة أرامكو النفطية درة تاج اقتصاد المملكة خسائر قياسية بعد إدراج 1.5% من أسهمها في البورصة السعودية خلال ديسمبر/كانون الأول 2019 كطرح أولي بعد أكثر من ثلاث سنوات من النقاشات والتسريبات والتأجيل.
وواصل سهم أرامكو هبوطه منذ إدراجه في سوق الأوراق المالية يوم 11 ديسمبر/كانون الأول الماضي، رغم إعلان الشركة أمس عزمها إطلاق مشروع كبير للغاز الصخري، بجانب توقيع اتفاقات محلية ودولية بمليارات الدولارات.
إذ نزل سهم أرامكو خلال تداولات جلسة اليوم الثلاثاء نحو 0.9% عند 33.10 ريالا، قبل أن يقلص قليلا من خسائره، وهذا المستوى بعيد عن أعلى مستوى سجله سهم الشركة عندما بلغ 38 ريالا يوم 16 ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وأمس الاثنين أغلق سهم أرامكو -أكبر شركة منتجة للنفط في العالم- على تراجع بواقع 1.9% ليستقر عند 33.40 ريالا.
يأتي هذا الانخفاض رغم أن الرئيس التنفيذي لأرامكو السعودية أمين الناصر قال أمس الاثنين إن الشركة بصدد إطلاق أكبر مشروع لاستغلال الغاز الصخري خارج الولايات المتحدة لتعزيز معروض الغاز المحلي وإنهاء حرق النفط في محطات توليد الكهرباء لديها.
وقالت أرامكو السبت الماضي إنها حصلت على موافقة الجهات التنظيمية لتطوير حقل غاز الجافورة غير التقليدي، وتتوقع أن يبدأ الإنتاج في أوائل عام 2024.
كما وقعت الشركة أمس عشرات مذكرات التفاهم والتعاون الإستراتيجية والتجارية بقيمة تجاوزت 20 مليار دولار مع شركاء محليين ودوليين، وفق ما نقل موقع “أرقام” المتخصص في الاقتصاد والأعمال.
وبالنسبة لكامل السوق السعودي، واصل المؤشر العام تراجعاته في تداولات جلسة اليوم الثلاثاء على خلفية هبوط شبه جماعي للقطاعات.
وتراجع المؤشر السعودي الرئيسي بنسبة 0.8% أخرى بعدما مُني أمس بأكبر خسارة فيما يزيد عن تسعة أشهر. وانخفض المؤشر العام أمس نحو 3%، وهي أكبر خسارة للمؤشر منذ 13 مايو/أيار الماضي.
كما تراجعت معظم بورصات الأسهم الرئيسية في الشرق الأوسط اليوم الثلاثاء. وكانت أسواق الخليج أنهت جلسات أمس على انخفاض بعد إعلان دول عربية بينها الكويت والبحرين تسجيل إصابات بفيروس كورونا.
وقال مراقبون إن سهم أرامكو، كما هي الحال بالنسبة لأسهم شركات النفط والبتروكيماويات بمنطقة الخليج، يتأثر في الوقت الحالي بعدد من المعطيات لعل أبرزها المخاوف من انتشار فيروس كورونا وتأثيراته على الأسواق العالمية، وتراجع أسعار النفط في ظل تخمة في المعروض.
ولم يستبعد المراقبون أن يواصل سهم أرامكو نزوله في الفترة المقبلة إذا لم تتم محاصرة فيروس كورونا، الذي بدأ يزحف نحو منطقة الخليج. وخسرت عقود النفط معظم مكاسبها التي حققتها منذ بداية التداولات. وبلغت أسعار عقود برنت نحو 56.33 دولارا للبرميل. كما استقرت عقود الخام الأميركي عند 51.41 دولارا.
وكانت عقود النفط هبطت في الجلسة السابقة بأكثر من 4%. وسجل برنت أكبر هبوط يومي منذ أوائل هذا الشهر نتيجة مخاوف بشأن تفشي فيروس كورونا.
وانخفاض سهم أرامكو إلى أقل من المستويات التي سجلت في بدايات إدراج السهم في ديمسبر/كانون الأول الماضي يعزى لعدة عوامل، من أهمها تراجع ثقة المستثمرين بالسهم، وانخفاض الطلب العالمي على النفط بسبب تأثيرات كورونا، بالإضافة إلى تداعيات العوامل الجيوسياسية المضطربة بالمنطقة.
كما أن ارتفاع الإنتاج الأميركي وتراجع اعتماد السوق الأميركية على نفط الخليج ألقيا بظلالهما على خيارات المستثمرين، فيما الهجمات التي تعرضت لها منشآت أرامكو في الفترة الأخيرة وضعت أكثر من علامة استفهام أمام قدرة المملكة على حماية منشآتها النفطية.
وتواجه أسواق النفط نقصا في الطلب بواقع 200 مليون برميل خلال الربع الأول، في ظل تراجع بمعدل أربعة ملايين برميل يوميا من الصين جراء تأثر الاقتصاد بفيروس كورونا والقيود على حركة السفر.
كما أن تراجع الإمدادات من ليبيا وفنزويلا وآفاق خفض الإنتاج المتوقع من دول منظمة أوبك يخففان من حدة المخاوف في الأسواق وكافة هذه العوامل سوف تساعد في موازنة الـ200 مليون برميل، وهو ما سيترك السوق في وضع أفضل خلال النصف الثاني من العام الجاري.
ويلاحظ أن طرح أسهم أرامكو حمل مخاطر إجرائية وقانونية كثيرة، خاصة أن ثقة المستثمرين الأجانب في اقتصاد المملكة وفي أرامكو تزعزعت بسبب “أخطاء كارثية” ارتكبها نظام آل سعود مثل اغتيال الصحفي جمال خاشقجي واحتجاز المئات من رجال الأعمال السعوديين.
والمشكل الأساسي يكمن في انخفاض أسعار النفط لأسباب جيوسياسية، بالإضافة إلى تعرض مقرات الشركة المتواصل لهجمات وصواريخ الحوثيين.
كما يعزو مراقبون فشل آل سعود في طرح أسهم أرامكو بالسوق العالمية بسبب التحكم الحكومي التام في قرارات الشركة وغياب الشفافية، حيث لجأ النظام إلى السوق المحلية وأجبرت العديد من رجال الأعمال السعوديين على شراء أسهم لإعطاء الشركة قيمة سوقية تصل إلى تريليوني دولار.
وهناك مؤشرات خطيرة على اقتصاد المملكة بسبب تزعزع سمعة المملكة أمام المستثمرين في العالم، نظرا لتربع محمد بن سلمان على قمة هرم السلطة، وللحملة الإعلامية التي رافقت اغتيال خاشقجي واحتجاز الأمراء ورجال الأعمال في فندق الريتز كارلتون، إضافة إلى استمرار حرب اليمن.
وبلغت مديونية المملكة 168 مليار دولار عام 2019، بينما كانت لا تتجاوز 12 مليارا خلال 2014، وإلى احتمال خطر وقوع تصادم بين أرامكو ومنظمة أوبك بسبب إمكانية رفض المستثمرين لسياسات المنظمة بشأن خفض الإنتاج، فضلا عن أن الصين خفضت استيرادها للنفط من أرامكو بنسبة 20 إلى 25% بسبب انتشار فيروس كورونا.