الفشل في جذب مستثمرين أجانب يلقي بظلاله على اكتتاب أرامكو
يلقي فشل نظام آل سعود في جذب مستثمرين أجانب بظلاله السلبية على اكتتاب أسهم شركة أرامكو النفطية الحكومية بما يمثل ضربة قوية لخطط ولي العهد محمد بن سلمان ورؤية 2030.
وتعدد الأسباب وراء هذا الفشل مثل السجل الحقوقي الأسود لنظام آل سعود والتداعيات الجيوسياسية لقضايا مثل جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي وحرب اليمن
ويقول بعض المحللين إن هذه اللامبالاة قد تغير في نهاية المطاف لعبة النفوذ في المنطقة، وتبعد المملكة عن روابطها التقليدية مع الولايات المتحدة، وربما تدفعها بشكل أكبر تجاه الصين وروسيا.
وقال “نيل كويليام”، وهو زميل مشارك في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مركز “تشاتام هاوس” في لندن: “لا يعني هذا أن المملكة ستتحول بعيدا عن الغرب بين عشية وضحاها، لكن هذا سيحدث عبر عملية إعادة توجيه طويلة بطيئة”.
ويمثل أحد السيناريوهات المتصورة في قيام المملكة بتعزيز العلاقات التجارية مع الصين وروسيا، مع الاستمرار في الاعتماد على الولايات المتحدة لضمان أمنها.
ولطالما كانت خصخصة أرامكو، “جوهرة تاج” الاقتصاد السعودي، محور برنامج “بن سلمان” لتحويل اقتصاد المملكة بعيدا عن الاعتماد المفرط على النفط، وفقا لـ”رؤية 2030″، التي تم الكشف عنها عام 2016، وهي خطة كبرى لتحديث الاقتصاد السعودي، وتقليل اعتماده على النفط، وفتح الطريق للاستثمار الأجنبي. وفي ذلك الوقت، كانت هناك تكهنات غذتها المملكة نفسها بأن تقييم أرامكو سيصل إلى 2 تريليون دولار.
وفي الأشهر الأخيرة، أصبح من الواضح أن هذا الرقم غير واقعي، لذا فقد تخلت حكومة آل سعود عن جهودها لتسويق أكبر منتج للنفط في العالم خارج منطقة الخليج. كما قررت خفض نسبة الطرح من 5% من أسهم أرامكو إلى 1.5% فقط. ويعد كلا الأمرين نكسة رمزية وحقيقية لخطط الإصلاح الاقتصادي للمملكة.
وقال “كويليام”: “كانوا يأملون في جمع نحو 100 مليار دولار”، وهو رقم يكاد يكون من المؤكد أنه لن يحققه الآن. وأضاف: “كان فشل أرامكو في بلوغ قيمة 2 تريليون دولار ضربة لمكانة الشركة الدولية أكثر من كونه ضربة مالية”. وعلق قائلا: “كان ذلك أيضا نكسة لرؤية 2030”.
ولا يعني هذا أن الإدراج لن ينجح محليا. وقالت شركة التحليل المالي “سامبا كابيتال”، الجمعة، إن المستثمرين السعوديين والمؤسسات الاستثمارية عرضوا أكثر من 44 مليار دولار مجتمعين.
وحتى لو لم يتم قبول جميع العروض، وهو ما سيحدث، فسيظل ذلك كافيا لكسر الرقم القياسي للاكتتاب العام لشركة “علي بابا” في 2014، والذي بلغت قيمته آنذاك 25 مليار دولار.
وقد تم إغلاق التقديم الآن أمام الأفراد، ولكن الموعد النهائي لتقديم طلبات المؤسسات سوف ينتهي في 4 ديسمبر/كانون الأول.
وبغض النظر عما يحدث، فسوف تكون النتائج أقل من التوقعات الكبيرة التي ظهرت في عام 2016، عندما أعلن “بن سلمان” لأول مرة عن حلمه ببيع جزء من أرامكو في السوق الدولي. لكن عوامل مثل احتمالية الكشف عن معلومات مفصلة حول أعمال الشركة، وخطر المزيد من التدقيق القانوني، قد تكون أثنت أرامكو عن السعي للحصول على فرصة للإدراج في بورصة نيويورك.
ويبدو أن فكرة الإدراج الدولي قد تم تعليقها، على الأقل حتى الآن، وسيتم طرح أسهم أرامكو بدلا من ذلك في بورصة “تداول” الصغيرة بالرياض. وكانت السلطات السعودية في وقت سابق من هذا الشهر قد أعلنت استهداف تقييم يتراوح ما بين 1.6 إلى 1.7 تريليون دولار للشركة.
وقال “أيهم كامل”، رئيس قسم الأبحاث في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجموعة أوراسيا لاستشارات المخاطر السياسية، إن نتائج الاكتتاب العام قد تبدو ناجحة على الورق، لكنها ستطرح أسئلة طويلة المدى حول الاستراتيجية الاقتصادية للمملكة.
وقال لـ “فورتشن”: “أعتقد أنه إذا كان ولي العهد يريد المضي قدما في خطته للتحديث، فمن المهم المضي قدما في الشق الدولي من الاكتتاب العام، أو على الأقل بيع حصة أكبر من أرامكو للأفراد”.
ويعتقد المحللون السياسيون أن الاستقبال الفاتر للاكتتاب العام في الغرب يفسره جزئيا الضرر الذي لحق بسمعة المملكة بعد اغتيال الصحفي “جمال خاشقجي” في القنصلية السعودية في اسطنبول العام الماضي، والمشاركة السعودية في الحرب في اليمن، واعتقال ناشطات حقوق المرأة السعودية العام الماضي.
وعانى الاكتتاب من عدد من الأحداث الأخرى التي يعتقد “كويليام” أنها أضرت بسمعة المملكة على الصعيد الدولي، بما في ذلك احتجاز العشرات من الأمراء وكبار رجال الأعمال في فندق “ريتز كارلتون” في الرياض عام 2017 في حملة مزعومة ضد الفساد.
وتأثر بعض المستثمرين الدوليين أيضا بالتقييم العالي الذي وضعته المملكة لأرامكو.
وهناك أيضا الانتقادات المتزايدة للتوسع في استخدام الوقود الأحفوري الذي يساهم في ظاهرة الاحتباس الحراري، ناهيك عن التوترات الجيوسياسية التي تؤثر على صناعة النفط في منطقة الشرق الأوسط.
وبرز ضعف البنية التحتية الدفاعية لشركة أرامكو في سبتمبر/أيلول، بعد هجوم بطائرات بدون طيار على اثنين من منشآتها تسبب لفترة وجيزة في تعطيل نصف إنتاج النفط السعودي. وقالت جماعة الحوثي اليمنية إنها نفذت الهجوم، لكن واشنطن والرياض ألقتا باللوم على إيران، المنافس الإقليمي للمملكة.
ويوجد مشروع رائد في “رؤية 2030” لإنشاء منطقة أعمال واسعة ذات تكنولوجيا فائقة في شمال غرب المملكة، تسمى مدينة “نيوم”، والتي تكلف 500 مليار دولار.
لكن المملكة كافحت لجذب الاستثمارات الأجنبية في الأعوام الأخيرة، وهي معضلة تفاقمت تزامنا مع انخفاض إيرادات النفط في أعقاب انهيار الأسعار في أواخر عام 2014.
وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن يرتفع عجز ميزانية المملكة إلى 50 مليار دولار العام المقبل، ارتفاعا من 35 مليار دولار هذا العام.
وترسم مؤشرات أخرى صورة قاتمة لقدرة المملكة على جذب المستثمرين الأجانب.
وقال مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية في “تقرير الاستثمار العالمي لعام 2019” إن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى المملكة قد ارتفعت من 1.4 مليار دولار في عام 2017 إلى 3.2 مليار دولار في عام 2018، لكنها ظلت دون مستوى الذروة عام 2008 عندما بلغت 39 دولار مليار.
وقال التقرير إن “العوامل السياسية وانخفاض أسعار النفط كانت مسؤولة إلى حد كبير عن تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر إلى المملكة بشكل أقل من المعتاد”.
وفي الوقت نفسه، واجهت المملكة انتقادات دولية قوية لسجلها في مجال حقوق الإنسان، حتى في الوقت الذي أجرت فيه بعض الإصلاحات، مثل رفع الحظر على قيادة المرأة.
وقالت “هيومن رايتس ووتش” في تقرير هذا الشهر إن العشرات من رجال الدين والأكاديميين والمفكرين والمدافعات عن حقوق المرأة والكتاب قد تم اعتقالهم في أوقات مختلفة منذ تولي بن سلمان منصب ولي العهد في يونيو/حزيران 2017.
وقال “كويليام” إن الرياض تأمل في الاستفادة من رئاستها التي تستمر لمدة عام لمجموعة العشرين، والتي تبدأ الشهر المقبل، كفرصة “لإعادة ضبط” صورتها من خلال محاولة حل ثلاث قضايا رئيسية لطخت سمعتها، وهي الحرب في اليمن، والمواجهة مع قطر، واحتجاز الناشطات في مجال حقوق المرأة.